الدراما بين تشكيل وعي الجمهور وحشو خارطة البرامج

شهد العمل الدرامي العربي السنوات الأخيرة نشاطاً ملحوظاً لدرجة لم يعد معها المشاهد قادراً على الاختيار ومتابعة الكم الهائل من المسلسلات الدرامية، التي وصلت - على حد وصف البعض - إلى مرحلة «التخمة» في ظل الارتفاع الكبير في عدد الفضائيات، وما ترتب عليه من زيادة حد التنافس بين شركات الإنتاج بهدف الربح المادي الناجم عن بيع أعمالها للفضائيات.

وعلى الرغم من أن وجود هذا الكم الكبير من الأعمال الدرامية مسألة إيجابية، من المفترض أن تحمل رسالة للمشاهد فيما يتعلق بقضاياه وواقعه، إلا أن التنافس بين صُناع الدراما تحول من المنافسة على المضمون والجودة والمتعة التي يقدمها العمل إلى إنتاج أكبر كم من الأعمال الدرامية بشكل عشوائي، من أجل الاستحواذ على نصيب من «كعكة» الفضائيات دون أن يكون للعمل أي رسالة. ورغم أن هذه القاعدة لا تنطبق على كل شركات الإنتاج، فهناك شركات تسعى لإنتاج موضوعات جيدة تسمح لها بالتفوق وتقديم قضايا مهمة، إلا أن السؤال الذي يتكرر حول الدراما التي يتم إنتاجها كل عام.. هل هي قادرة على التأثير في تشكيل وعي الجمهور اجتماعياً وأخلاقياً، خاصة أنها مادة تدخل البيوت بلا استئذان، وتتابعها الفئات العمرية كافة؟

ويمتد السؤال لأمر ثانٍ ومهم حول استغلال المادة الدرامية لحشو خارطة البرامج التلفزيونية من خلال إعادة المسلسلات القديمة والحديثة، مثل «يوميات ونيس»، «الدالي»، «المصراوية»، «قلب ميت»، «بنت من الزمن ده»، «قصة الأمس»، بالرغم من اعترافنا أن بعضها طرح قضايا مجتمعية مهمة. هذه التساؤلات فرضتها رؤية هامة لعدد من المفكرين والنقاد حول دور الدراما في المجتمع، حيث اجتمعت هذه الرؤى على رفض المقولة التي تحاول تأكيد وترسيخ مفهوم «الفن للفن»، مشيرين إلى أن الفن رسالة ـ ليس في الدراما وحدها ولكن في كل الفنون؛ كما له - أي الفن - دور في تشكيل وجدان الشعوب وترسيخ القيم الأصيلة ومعالجة سلبيات المجتمع بمسؤولية وإرادة قوية.

وهذا ما يؤمن به الكثير من النقاد الذين أكدوا ضرورة التلاحم بين الدراما والمجتمع من خلال الأحداث والواقع الذي نعيشه.. لافتين في هذا الصدد إلى أن الدراما التي تلجأ إلى الفراغ وتبتعد عن مشاعر الناس ومشكلاتهم لا يمكن لها أن تحقق معادلة الصدق مع النفس أو التعبير عن قضايا الناس.

وحيد حامد من الكتّاب القلائل الذين لهم إسهامات هامة في مجال الدراما ذات الصلة الوثيقة بالمجتمع، أبرزها مسلسل «العائلة»، وبسؤاله عن مدى قدرة الدراما على التأثير في تشكيل وعي الجمهور اجتماعياً وأخلاقياً، قال حامد: «إن الدراما تلعب دوراً مهماً في تشكيل وعي المجتمع، سواء بالسلب أم بالإيجاب، فقد تغرس لدى المشاهد قيماً سلبية مثل الكراهية والفساد واللامبالاة والاضطهاد، أو العكس من خلال تحمسه وتقوية مشاعر العمل وحب الوطن وعرض النماذج الإيجابية في المجتمع».

يؤكد حامد أن الدراما التي تمس مشكلات الناس في حياتهم اليومية وتتفاعل مع عواطفهم ومشكلاتهم هي وحدها التي تنجح في اجتذاب المشاهدين إليها، وتكون دراما صادقة.

وحول حشو خارطة البرامج التلفزيونية بالمسلسلات، أشار إلى أن هذه الظاهرة تبرز بقوة في شهر رمضان من كل عام، وذلك نسبة إلى المنافسة بين القنوات لشراء المسلسلات المنتجة في كل موسم، وبالتالي يصبح لكل قناة عددٌ مقدرٌ من الأعمال الدرامية المصرية والسورية والخليجية، وبالتالي لا محالة من بثها في توقيت واحد مع بعض القنوات.

ورغم أن المساحة البرامجية يفترض أن توظف في شهر رمضان بصفة خاصة لخدمة قضايا كثيرة استغلالاً لنسبة المشاهدة العالية، إلا أن أسماء النجوم والنجمات الكبيرة وارتباط الناس بمشاهدة أعمالهم فتح شهية شركات الإعلان التي تدفع أضعاف ما كانت تدفعه قبل هذا الشهر، وغير ذلك أن أغلب المشاهدين العرب يميلون في هذا الشهر - كعادة معروفة للدراما بغرض التسلية أو الاستمتاع - إلى نجومهم، وهذا يجيء على حساب كثير من المتطلبات البرامجية اجتماعياً وسياسياً.

من جهة أخرى يرفض حامد الهجوم الذي تواجهه الدراما المصرية كل عام، فهي - على حد تعبيره - في ازدهار من خلال وجود عدد من الكتّاب المتميزين في الساحة، ولكنه انتقد الأعمال التي تتجاوز ال15 أو 20 حلقة، واعتبرها اتجاهاً للمط والتطويل الذي يؤدي إلى الحشو، ويضر بالعمل وكاتبه؛ لأن التطويل يفسد حتى الأعمال الجيدة.

وأضاف قائلاً: «محاولة البعض إنتاج عدد كبير من الحلقات يرجع إلى الفكر التجاري على حساب مصداقية العمل وثرائه، خاصة أن الحلقة الواحدة بلغ سعرها مبالغ كبيرة مع ازدياد كبير في أعداد القنوات الفضائية العربية، ولكن الكاتب الجيد عليه أن يعلم متى يواصل في كتابة العمل ومتى يتوقف».

المخرج محمد فاضل يعترف بضعف مضمون الكثير من الأعمال الدرامية التي قدمت خلال السنوات الماضية، وانعزالها عن واقع المجتمع.. متفقاً مع القول ان وجود عشرات القنوات الفضائية العربية أدى إلى تسابق كثير من شركات الإنتاج لحجز مساحات لأعمالها، مما جعل الدراما أشبه بعملية «سلق» للموضوعات ليس أكثر بهدف تحقيق المكسب المادي.

فاضل يدلل على رأيه بأن بعض المنتجين يبدأون تصوير أعمالهم قبل شهر أو شهرين من موعد حلول شهر رمضان من خلال أي قصة، وليس بالضرورة أن تكون مثالية أو لها موضوع، ما يعيدنا إلى السؤال نفسه حول «دور وتأثير الدراما في تشكيل وعي الجمهور؟».

ويرد قائلاً: «كيف يستقيم العقل ونحن ندرك أن الأعمال الدرامية التي تعتمد على موضوعات مهمة لتخاطب الأسر اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً في قضايا نابعة من حياتهم ومشكلاتهم اليومية بأن تنجز بهذا الكم وفي وقت بسيط لا يمكن هذه الجهات الإنتاجية من اختيار الموضوع وإعداده بشكل جيد وتقديمه بشكل مشوق وجاذب ليخدم الغرض»، وأضاف: «إذا اعتبرنا أن هناك أعمالاً جيدة سنجدها قليلة جداً مقارنة بما تنتج في كل موسم».

وحول استغلال المادة الدرامية لحشو الخارطة البرامجية، قال: «إن الإعلان هو السبب المباشر والرئيسي في ذلك بحكم أن كل عمل درامي يتحول إلى مادة إعلانية، حيث يقطع كل فترة وجيزة لتقديم فقرة إعلانية بمبالغ يسيل لها اللعاب، وأصبح موسم شهر رمضان فرصة نادرة لهذه القنوات التي تشتري أكبر عدد من المسلسلات التي تكون على رأسها نجم كبير أو نجمة كبيرة وهي أسماء إذا كانت لكتّاب أو نجوم جاذبة للشركات المعلنة، وكثير من القنوات تبني ميزانياتها من الأعمال الدرامية المختلفة في رمضان عبر الإعلان، وتعيش عليها العام كله».

انتقادات حادة

يعود الكاتب والسينارست محمد صفاء عامر ليوجه انتقادات حادة إلى الذين يحاولون فرض وجهة نظرهم في نقد الدراما المصرية، مشيرا إلى وجود أعمال جيدة وقوية تخدم هدفا، وأخرى ضعيفة أو على الأقل ليس بالضرورة أن يكون سياقها الدرامي يتناول قضايا محددة.

مشيرا إلى أنه لا بد أن نضع في الاعتبار أن هناك دراما ترفيهية غالبا ما تكون من أجل الضحك والترويح، وهذه ربما تتناول موضوعات خيالية ومواقف كوميدية فهي أيضا تخدم هدفا، ولابد أن تجد بداخلها بعض العبر والمواعظ بشكل غير مباشر أو بشكل مبطن حول سلوك المجتمع.

وقال: «في سنوات سابقة قبل ظهور الكم الكبير من الفضائيات العربية كانت الدولة في مصر الجهة الوحيدة التي تنتج أعمالا درامية عبر إدارة الإنتاج بالتلفزيون المصري، وكانت أعمال قليلة لا تتعدى الثلاثة أو أربعة أعمال في موسم رمضان، وهذا كان يتيح لها أن تختار كاتبا متميزا وكوادر فنية عالية المستوى ونجوما كبار ليقدموا أعمالا كبيرة ومهمة، ولكن الآن دخلت شركات خاصة كثيرة في سياق إنتاج الدراما مع تزايد القنوات الفضائية ولهث شركات الإعلان لحجز مساحاتها».