بدأ مسيرته في سن 14 وسافر إلى أمريكا وهو ابن 20

يحيى خليل ملك الجاز في مصر يمزج الشرقي والغربي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يطلق عليه عشاقه ومحبوه «ملك» الجاز، فهو رائد موسيقى الجاز في مصر منذ عشرين عاماً هي عمره الفني، وتميَّزت موسيقاه بالمزج بين الموسيقى الشرقية والغربية، وهو ما خلق لمؤلفاته الفنية جمهوراً عريضاً في الوطن العربي ومصر، بخلاف ما توقعه النقاد الذين تحدوا أن يجد هذا النوع من الموسيقى الغربية مكاناً وموقعاً بين قلوب الجمهور.

حديثنا عن الفنان يحيى خليل، الذي أعاد صياغة موسيقى الجاز بأسلوب عربي شرقي، مقدماً مؤلفاته بقواعد جديدة لها نغم السحر في قلوب عشاقه ومحبي موسيقى الجاز في كل مكان. وفي السطور التالية، يتحدث خليل عن رحلته مع موسيقى الجاز متطرقاً إلى واقع هذا النوع من الموسيقى وكذلك مستقبله. يرى خليل أن الطريق إلى موسيقى الجاز يبدأ بحالة غير عادية من العشق، تمكن الفنان من التغلغل إلى قلوب المستمعين، وأن كلمة السر في تعلق المستمعين بهذه الموسيقى الغربية هي مزجها بالطابع الشرقي أو ما يطلق عليه «الجاز الشرقي»، ومن هنا لم تعد موسيقى الجاز غربية الهوى، بل تم تطويعها لتنطلق بنغمات شرقية صميمة، ولم يعد غريباً أن يدخل التراث الشرقي الأصيل في هذه النغمات الغربية المنشأ. وحول بداياته مع هذه الموسيقى يقول: بدأ تعلقي بآلة الدرامز، وكان عمري وقتها أربعة أعوام فقط، واعتدت أن أستخدم أي شيء يقابلني في المنزل من مناضد أو كراسي أو أي شيء يصلح للطرق عليه، ومكنتني أذني الموسيقية من المضي في طريق الجاز، وتحولت الموسيقى إلى مصيري منذ ذلك اليوم.

أصغر قائد موسيقي... يتذكر خليل بمتعة شديدة البدايات الأولى لتاريخه الفني وهو في سن الرابعة عشرة، متحدثاً باستفاضة عن تكوين أول فرقة لعزف الجاز وهي فرقة «كايروجاز كوارتيت»، وتعني بالعربية (رباعي القاهرة لموسيقى الجاز)، وهي أول فرقة لأصغر قائد موسيقي، وكانت أيضاً موسيقى الجاز تقدم لأول مرة في مصر، وقد حققت نجاحاً وشهرة لم أتوقعها في ذلك الوقت. رحلة يحيى خليل مع موسيقى الجاز رحلة عاشق كل مهمته البحث والتنقيب عن رضا المعشوقة، فمن أجل الجاز قرر السفر للولايات المتحدة الأميركية، وكان عمره عشرين عاماً، وهناك التقى - كما يقول - مع عمالقة الجاز في العالم، وقضى في أميريكا خمسة عشر عاماً بين الدراسة والعمل في آن، والتحق بمعهد «روي ناب» للجاز لمدة خمس سنوات نسبة ل«روي ناب» أسطورة الجاز آنذاك، الذي كان معلماً وملهماً للكثيرين من تلاميذه العازفين العالميين اليوم مثل «جين كروبا» الذي أنتج شركة سينمائية بإنتاج فيلم عنه باسم «قصة حياة كروبا».

لون مختلف

لم يخف يحيى خليل قلقه من تقبل المجتمع المصري والعربي لموسيقى الجاز أول مرة، فعلى حد تعبيره، الموسيقى صاحبة لون مختلف جاء مع مولد الحرية والتحرر للأفارقة السود فكانت لوناً مختلفاً بدأ في الانتشار بلغة إفريقيا السمراء والطبول الثائرة تدعو للتحرر للفكر والإبداع.

ومثل أي فن جديد لابد أن يجد أمامه صعوبات وعوائق يتحدث عنها يحيى خليل بقوله: إن كبرى العقبات في ذلك الوقت كانت قلة المسارح حيث لم أجد المكان المناسب لتقديم موسيقى الجاز حتى تم افتتاح دار الأوبرا وقمت بتقديم الحفلات.

امتزاج الموسيقى

ولكن هل يمكن أن تمتزج موسيقى الجاز ـ صاحبة الأصول الغربية مع الثقافات المتعددة، خاصة الشرقية؟. هذا السؤال كان موضع حيرة للعديد من النقاد والموسيقيين أنفسهم، غير أن خليل يقول ان الامتزاج تم فعلاً، وامتزج الجاز في مختلف الثقافات بطرق مختلفة تماماً عن أي نوع آخر من الموسيقى.

ويضيف: موسيقى الجاز خلال 50 عاماً فقط انتشرت في كل أنحاء العالم، فوجدت طريقها إلى قلب كل إنسان بسهولة، بينما الموسيقى الكلاسيكية على سبيل المثال، ظلت قروناً عديدة حتى انتشرت في العالم؛ لذلك يمكنني القول ان موسيقى الجاز امتزجت بالثقافات المختلفة، وأضيف إليها اتجاه وفكر ورؤية تعبر عن الإنسان المعاصر لتصبح لغة عالمية تنفذ بسهولة إلى القلوب فتدخل معها إلى عالم السحر.

يضيف: كلما أمزج بين الشرقي والغربي وأجعل آلة «الساكس» و«الدرامز» تعزف شرقي أشعر أن تلك اللغة في الجاز ليست غريبة عن الشرق؛ فالآلات تحتاج فقط للموهبة الحقيقية لعزف الأعمال سواء العالمية أم الجاز اللاتيني والجاز الفرنسي والشرقي.

وحول اتهامات البعض بأنه يحاول الترويج للجاز الغربي، يرد خليل قائلاً: بالعكس لم أجد شخصاً يؤيد ذلك، وحينما أقوم بتقديم مقطوعات عالمية فيأتي ذلك من باب تعرف الجمهور العربي عليها، لكنني لا أتقيد باتجاه واحد، فتجد ألبوماتي فيها «البيني بوب» و«السوينج» وأسبانيا وحكايات المقاهي ومقطوعة من غير عنوان ودنيا وغيرها شرقي إلى جانب الغربي.

الجاز في مصر

يرى ملك الجاز أن موهبة العازف هي المفتاح الحقيقي لقلوب المستمعين، وعازف الجاز تحديداً لديه مساحة لإظهار جمال الموسيقى، لأن العازف لا يتقيد بالنوتة الموسيقية، لكن بطريقة العزف نفسها التي يقوم بها، كما أن موسيقى الجاز تطورت كثيراً، وأصبح تواجدها على الساحة الفنية أكبر من ذي قبل، وليس كما يطلق البعض أنه لا جاز في مصر والمنطقة العربية.

من هواة التجدد

يضيف خليل انه تعمد تكوين فرقة ذات خليط متباين، كل فرد منها متميز في موهبته حتى كان الدفع على الآلات الغربية باتجاه الموسيقى الشرقية، والاستعانة بالتخت الشرقي فكان خليط المواهب يمتزج مع هذا اللون المختلف من موسيقى الجاز التي قدمت، وهي «جاز الأورينتال»، أو الجاز الشرقي مثل الجاز الإيطالي واللاتيني والياباني.

وحول ما يوجهه النقاد حول اختلاف الآلات الموسيقية في كل حفل يقدمه يحيى خليل يرد بأنه من هواة التجدد، ويشعر مع الجاز في كل مرة بالشباب والحيوية والحياة. لذلك لا يعتمد على الآلات الغربية فحسب إنما يقدمها مع التخت الشرقي أحياناً والبيانو أحياناً أخرى، كما يقدم الجاز من خلال آلة العود وغيرها ويستخدم الآلات المختلفة إلى جانب الدرامز و«الساكس» والطبلة والجيتار.

مضيفاً: أنا لست مقيداً بآلات محددة، فكما أكدت من ذي قبل فالعازف في كل مقطوعة هو من يضيف للجاز، وإحياء هذه الموسيقى بصورتها التي أحب أن أقدمها للجمهور، ولكل لون من ألوان الجاز طريقة واتجاه موسيقي يختلف عن الآخر، وأنا أحب الجاز في مختلف ألوانه، فأحياناً أعزف المقطوعات العالمية، أو الشرقية، أو الجاز اللاتيني بالتنوع والجديد وهو ما أحب أن أقدمه للجمهور في كل مرة أقف على المسرح.

وعلى العكس تماماً فلغة الجاز يفهمها الجمهور العربي ويتعايش معها فالجمهور واحد في كل مكان في العالم واحترام الفنان يرفعه إلى القمة.

تذوق الفن

وحول مدى وصول موسيقى الجاز للمواطن البسيط يرى يحيى خليل أن الاتهامات الموجهة للجمهور بميله للأغاني الهابطة أو الألوان الركيكة من الفن غير صحيحة، لأن الجمهور حينما يتعرف على الفن الراقي يتذوق هذه الاتجاهات ويتعرف عليها، ومع ذلك أجد أن الناس في الشارع العربي بعضهم تعرف إلى الجاز، وأصبح يواظب عليها، ومثالاً على ذلك، كنت ذات مرة في أحد مطاعم الفول والطعمية، ووجدت أحدهم يحييني على برنامجي «عالم الجاز»، وأنه شاهد عازف الساكس وأعجبته المقطوعة التي عزفها كثيراً، مما يدل على تجاوب كبير في الشارع والجمهور البسيط؛ فالموسيقى تجد طريقها فعلاً إلى المواطن البسيط.

وحول مدى نجاح مهرجانات الموسيقى في تحقيق المستوى المطلوب على غرار المهرجانات العالمية يقول خليل: إننا نحاول حتى الآن تقديم المهرجانات على هذا المستوى، لكن ذلك لم يتحقق بعد، لأن مهرجانات الجاز العالمية فيها مساحة أكبر يحرص على التواجد فيها كل الفرق من كل أنحاء العالم، لكننا لم نصل لذلك حتى الآن؛ فأنا اعتبر المهرجانات في مصر لم تصل لهذا المستوى بعد؛ فالجاز في أميركا وأوروبا وأميركا اللاتينية له وضع خاص.

إضاءة

عرف العالم موسيقى الجاز في منتصف القرن التاسع عشر، غير أن فترة توهجه كانت في الستينات، فآنذاك كان فناً راقياً تتبناه الطبقة البرجوازية الأميركية، ويعزف في الأوبرا والقاعات الفاخرة..

لكن مع ظهور التلفاز وانتشاره ونمو صناعة الموسيقى شهدت موسيقى الجاز تطوراً كبيراً وحققت انتشاراً أكبر في كل أنحاء العالم. واللافت أن هذا النوع من الموسيقى لم يكن على شكل واحد بل ظهر في أميركا اللاتينية ما يسمى بـ «الجاز اللاتيني»، والجاز الشرقي نسبة إلى المنطقة العربية، وأيضاً ظهر الجاز الياباني نسبة إلى اليابان.

Email