إشكالية الرواية العربية على هامش معرض الكتاب

فوزي الزمرلي: العودة إلى التراث عملية عسيرة ومعقدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«هل الرواية جنس عربي أصيل أم دخيل ؟ وهل هناك جذور لتقاليد الرواية العربية» هذا التساؤل طرحه الدكتور شاكر نوري عند تقديمه للدكتور فوزي الزمرلي مساء أول من أمس في أمسية حول إشكالية الرواية العربية والتراث السردي، في إطار الفعاليات التي ينظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في المجمع الثقافي في أبوظبي على هامش معرض أبوظبي السادس عشر للكتاب.

والدكتور الزمرلي كما أشار نوري يعمل أستاذا للأدب الحديث في كلية الآداب الحديثة في تونس ألف كتباً عديدة في مجال النقد، وله العديد من الدراسات والأبحاث.

أما الذي دفع الزمرلي إلى التفكير بالرواية العربية فهو كما قال: إن الرواية بدأت منذ فترة ستينات القرن الماضي تلتفت إلى تراث السرد العربي الذي أهمله روادها الأوائل، فالرواية كجنس دخيلة على العرب هناك أنماط سردية كالمقامة وغيرها،

أما الغرب فيمتلك أجناسه الأدبية الأخرى ومنها الرواية، وعندما انفتح الأدب العربي على الغرب كانت الرواية قد تطورت ومرت بزمن عمره ثلاثة قرون استفادت خلالها من تطور الفنون الجميلة والعلوم واستطاعت أن تسخر فضائها في ملاءمة حاجات المتلقي الغربي.

ثم انتقل الدكتور فوزي للحديث عن تجربة العرب مع الرواية مشيرا «عندما انفتح الأدب العربي على الرواية وجد الرواد أنفسهم أمام خيارات فمنهم من اتبع النمط الكلاسيكي التقليدي ومنهم من قطع بالرواية العربية خلال ثلاثة عقود المراحل التي قطعها الغرب خلال ثلاثة قرون،

و هنا أذكر نجيب محفوظ الذي عمل بأكثر من اتجاه بدءا من الواقعية، ومنهم من انتقل من نمط إلى نمط آخر مثل واسيني الأعرج من الجزائر، والرواية جاءت عربية اللسان أما من حيث التقنيات والفنيات والجنس الأدبي فلم يكن هناك ما يميزها

ولذلك كان لابد من البحث عن نمط من الكتابة يعتز بها الروائي العربي وفي هذا الإطار بدأت تيارات التجريب التي كانت بالعودة إلى التراث السردي العربي،

و هنا استشهد بقول نجيب محفوظ متحدثا عن تجربة جيلة «قمنا برحلة طويلة وارتكبنا أخطاء بدائية، وكان علينا أن نغوص في واقعنا، وندرس فن الرواية وتبين أننا مسبوقين بأجيال وأجيال، وان تجاربنا اعتبرت في مواطننا بدائية».

ولهذا بلورنجيب محفوظ في كتاباته نزعة البحث عن خصوصية للرواية العربية وقال عن هذا: «أنا لا يثير أعصابي الا التقليد لا يجب أن يكون الموضوع محليا لنستطيع القول قدمنا أدبا عربيا صحيحا للعالم.

ومن هنا نشأت فكرة البحث عن رواية عربية بالإضافة إلى هزيمة 1967 وما تلاها من نظرة العرب إلى الغرب.و أضاف الدكتور فوزي عندما عاد الغرب إلى تراثهم عاد العرب إلى وضع تراثهم في المشغل والعودة إلى التراث السردي العربي لكن هل استطاعوا توظيف هذا التراث،

خاصة وأن الجنس الروائي ينتمي إلى الأدب الدخيل، وللرواية خصائص تبنى على ما يسمى بالبنية الهرمية وتراثنا السردي امتزج بالخيال مثل الخرافات والمقامات، والعلاقة بين نمطين من الكتابة بينهما أوجه اختلاف كبيرة يمثل مشكلة بالنسبة للروائي،

فتراثنا السردي جزء منه مطبوع وجزء منه مازال في بطون المكتبات، وقسم آخر متدوال في البوادي وبعيدا عن الحضر، وحين يجد الكاتب العربي نفسه أما هذا التراث المتنوع المتشرد لن يمتلك القدرة على توظيف هذا التراث،

ونذكر هنا رواية الزيني بركات لـ جمال الغيطاني الذي استعان بكتاب للمؤرخ ابن إياس الحنفي، أما نجيب محفوظ الذي لم يجد سبيلا إلى تأصيل الرواية العربية وربطها في التراث فقد قال أنه يوكل هذه المهمة للجيل الجديد، ، وهناك من الروائيين العرب من استسهل في التعامل مع التراث،

منهم أذكر رواية عمر بن سالم «الأسد والتمثال» التي اعتمد فيها على الشخصيات الحيوانية، مثل كليلة ودمنة من أجل نقد حكومة الاستقلال في تونس واعتقد أنه يستطيع أن يغافل الرقابة،

ولكنه لم يستطع تحقيق ذلك لقد عرى كليلة ودمنة من العمق التجريدي التي تنطوي عليها تلك الحكاية، وهكذا فإن توظيف التراث العربي لم يقدم أي إضافة نوعية إلى الأدب».

لكن التجربة في الغرب كانت مختلفة عن هذا قال د. فوزي: «جرى نمط التحديث الغربي بالاستناد إلى تطور الفنون الجميلة في الغرب فتقنيات الرسم والسينما جعلت من ثقافة المتلقي كثقافة المبدع،

وهنا نذكر من حاول أن يدخل الوجودية إلى الأدب العربي وفشل، لأن الجمهور العربي لا يعيش هذه الحالة بعكس الغرب الذي تفاعل مع كتابات سارتر والبير كامو، وبالمجمل حين يعود الروائي العربي إلى التراث فهو يبحث عن علاقة وطيدة بالقارئ العربي، باعتبار أنه عندما يوظف التراث فهويقدم رواية متأثرة بسياسته وحضارته».

وأخيرا رأى الدكتور فوزي الزمرلي أن العودة إلى التراث عسيرة ومعقدة فهناك ما هو متأصل بالكرامات الصوفية والخرافات والعوالم العجائبية، ولهذا عندما تريد الرواية أن توظف هذا النمط فإنها تولد خطابا، عسيرا، معقدا، يصعب فك رموزه وهنا وقع الطيب صالح الذي بلغ من الشهرة العربية والعالمية بعد روايته موسم الهجرة إلى الشمال،

ونشر روايته بندر شاه المؤلفة من جزئين الأول ضوء البيت والثاني مريوت مما جعل الجميع يعرض عنه عرضا مطلقا ليتوقف من بعددها الصالح عن الرواية السردية،

وفي جميع الحوارات التي أجريت مع الطيب صالح كان يعلن أن بندر شاه هي مشروعه الرئيسي، وأن شخصية الراوي هي الشخصية الرئيسية في الرواية. لكنها لم تصل إلى الناس لتعقد خطابها وأجوائها السحرية.

أبوظبي ـ عبير يونس

Email