نقد.. جدلية النص .. الممثل والعرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 5 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 6 مايو 2003 تستطيع كل الفنون الابداعية التجرد من نفسها والعمل على أسس تنظيمية بسيطة من خلال رؤى وأفكار لا تأخذ وقتا وتفصيلات مستفيضة أو لا تقوم على نص مهما كانت لغته الا المسرح. والمسرح هنا لا يتكامل وينمو وينبض الا بالنص ومتى ما كان مستحضرا أدواته الاساسية مكن العملية الاخراجية من الولوج الى عوالمه المبطنة وفي السيطرة على مكوناته وتفجير لغته الادائية حيث ان الكثير من النصوص الركيكة التي لا تقوى على ايصال المبتغى الشاخص من ايقاعاتها لا تعطي للاخراج والاداء الامكانيات التعبيرية والفكرية المطلوبة. لهذا نجد ان المخرجين يتعاملون مع النصوص العالمية. شكسبير، راسين وموليير للامكانية الفكرية والتعبيرية الادائية التي يحتويها النص. مسرحنا العربي اليوم يفتقر للنص المكتوب اليه تحديدا برغم زحمة الكثير من النصوص التي تمتلك اللغة الحوارية او تعدد الشخصيات الا انها ليست للمسرح ولا تمت اليه بصلة. لان لغة المسرح هي الدراما والصراع المتناقض او النقيض والتحكم بالزمن الداخلي مع مراعاته الأسس المنطقية للاحداث والجمل الشعرية التي تستوقف المتلقي وتخرج به الى لحظات ذات خصوصية اضافة الى البناء الدرامي والفعل والحركة المحسوبة اصلا من تقنيات ذلك العرض المسرحي. سابقا كان النص المسرحي يخرج من الحوادث الاجتماعية ويصهر الى حوارات ومواقف تبطن وتغلف بالاحتجاجات والاعتراضات واعتقد ان هذا سياق غير متآلف. بل انه منهج كتابي قبل ان يكون بناء دراميا حيث وجد العاملون فيه انهم اقرب الى الواقعية والواقع في احداث المجتمع. لكنهم تناسوا انهم بعيدون عن الكتابة للمسرح ووقعوا في شرك كتابة المسرح الاحتياجي لا في رئة وقناة المسرح الثقافي المقروء كنص يتمثل جماليات النص الادبي الرائي لاحداث ما بعد الالفين، وهي بالتالي وباء من اوبئة السردية الواقعية والتي لا تستند الى نظريات ودراسات بحثية مستقبلية. وبعد اجتياح ظاهرة «التجريب» بدأت الكتابة المسرحية تنحى مناحي المعاضل الانسانية بالعمومية القصوى فجاءت الكتابة للمسرح بالكثير من الحوارات الفلسفية والفكرية يومذاك ففقدت مسرحية الزمن الفائت الخصوصية المحلية. ان مفهوم النص تراجع خلف مفاهيم نقدية حديثة بشرت بها المدارس النقدية كالبنيوية والسيميولوجيا والتفكيكية حيث شاع مفهوم «الخطاب» و«النص المؤدي» و«الرسالة» و«السمطقة» و«الشرطية» وغيرها من المصطلحات الجديدة المشتقة من نظرياتها ومناهجها تؤكد أن استقلالية النص عن مؤلفه بل ان الاخراج نفسه يستقل تماما عن النص وعن ارتباطاته القديمة السابقة. هناك عروض توصف بالغموض والشكلانية حينا وبغياب المضامين الايديولوجية حينا اخر لكونه يمارس عملية تشفير «النص والعرض» وهذا التشفير يبثه او يشكله هذا الفنان والذي يقتضي من متفرجه ان يقوم بانجاز مهمة تحليل هذه الشفرات وتأويلها وهنا تتحقق رسالة العرض المكتفية بذاتها وبقوانينها الداخلية فقط، لا بتلك القوانين الخارجية المنغلقة بالمؤلف او نصه اذ لا يوجد اي نسق من القوانين منفصل عن الرسالة يمكنه توضيح كل وضائعها العلاماتية وهذا ما يذكرنا بمفهوم «انطوان ارتو» حول العرض المسرحي كونه لا يعيد انتاج تقاليد وأعراف توجد في سياق اخر ولكن بدلا من ذلك يؤصل لممارسات جديدة فالجمهور غير ملزم باتباع قوانين «قبلية» معهودة لكي يرجع اليها في فهم العرض ورموزه وانما يلتقي بخصائص مشتركة من خلال لحظة «التواصل» بين خطاب العرض وحل شفراته بطريقة ذاتية. فعندما ينظر المتفرج الى عرض ما فانه لا يرى «شخصيته» ولكن يرى رجلا او امرأة. شبابا أو كهولا. ذراعا مرفوعة او اصبعا ممتدة شخصا يمشي او يرقص، كما لا يسمع المتفرج مجرد كلمات، فهو يسمع ترنيمة او حديثا عاديا نبرة منخفضة او سريعة. همسة او صرخة. محادثة سريعة او ايقاعا بطيئا أو سكوتا. هذه العناصر تشكل بدورها: لغة تدخل في البرنامج الخطابي العام للعرض وبذلك يتحصل المعنى لا من كلمات النص بل: اننا في المسرح نوجه انتباهنا الى صوته ونبرته وايقاعه وخطواته حتى التغيير في الخطوة لابد ان يوحي بادراك جديد، لكن هذه السمات تتحدث الينا قبل ان يصلنا معنى الكلمات التي ينطق بها الممثل، فمدونة النص تشكل بتشفير الجسد البشري لها. بقلم: فاضل محيسن

Email