الأكثر شيوعاً في العالم، طفيلي مجهري يهدد بالسيطرة على تفكير الانسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 10 ذو القعدة 1423 هـ الموافق 13 يناير 2003 هل كنت تتصرف على غير طبيعتك مؤخرا؟ هل تعاني من مشكلة في التركيز؟ اذا كان الامر كذلك، فلا تلق باللائمة على السهر لاوقات متأخرة في الليل ولا على التقدم بالسن، فقد تكون واقعا تحت رحمة طفيلي يحدث تغييرا في القدرة العقلية، وقد يمارس هذا المخلوق المجهري التمركز في الدماغ شكلا خفيا من اشكال السيطرة على التفكير مما يجعلك شخصا مختلفا بعض الشيء. قد يبدو هذا القول بعيدا كل البعد عن الحقيقة لولا وجود ادلة متنامية على ان «توكسوبلازما غوندي» «المقوسة القندية» وهي من عائلة طفيليات الملاريا، يمكنها ان تغير طريقة تفكيرك، ويمكن ان تكون مصابا بها دون ان تعرف ذلك. ولكن لماذا لم نسمع عن هذا الشيء من قبل؟، ان ذلك مرده الى ان الرأي الطبي يصر على ان هذا الطفيلي يكون دائما غير مؤذ، ولا يشكل قلقا الا على النساء الحوامل والاشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، صحيح ان القضية المتعلقة بفرضية السيطرة على العقل لم تثبت بعد، ولكنها ان صحت فسيصبح الطفيلي كابوسا للصحة العامة بين عشية وضحاها. يعتبر هذا الطفيلي «توكسوبلازما» اكثر الطفيليات شيوعا على البشر في العالم، حيث يصيب ما بين 30 الى 60% من سكان العالم، ويمكن ان تصاب به اي من الثدييات، ولكنه لايتكاثر جنسيا الا في القطط، فهو يضع بيوضه التي تنتشر في براز القطط، واذا دفن هذا البراز في تربة رطبة، فانه يمكن ان يظل معديا لمدة 18 شهرا، ويمكن لجرذ او فأر مار من المكان ان يلتقط العدوى من التربة الملوثة واذا قام القط بقتلها والتهامها تستمر دورة الحياة بالنسبة للطفيلي. ويأتي خطر الطفيلي على النساء الحوامل من قدرته على اختراق المشيمة والتسبب بالاجهاض او اتلاف دماغ الجنين، ولكن هذه الحالات نادرة نسبيا، حيث لا تحدث الا مرات قليلة سنويا في بريطانيا ودول اخرى متطورة مثل الولايات المتحدة واستراليا، ولهذا فانه باستثناء تحذير الحوامل من تنظيف مخلفات القطط لم يكن التعامل مع الطفيلي يحظى بالاولوية بالنسبة للصحة العامة. وتختلف عوامل انتقال الخطر من دولة لاخرى، ولكن معظم الاشخاص يصابون بالطفيلي من تناول لحوم غير مطبوخة جيدا، فالحيوانات اللاحمة جميعها يمكن ان تحمل هذا الطفيلي ويمكن للمرء ان يصاب به عن طريق ابتلاع تراب ملوث ببراز القطط بصورة عرضية، ولهذا ينصح الاشخاص عادة بغسل اليدين جيدا بعد القيام بأعمال البستنة في الحدائق المنزلية. في الرحلة الاولى من الاصابة، والتي تدعى «توكسو بلاسمو سيز حادة» يكون الطفيلي موجودا في الدم، وهو يسبب الصداع والتهاب الحلق مع انه يمكن ان يقود في حالات نادرة الى تلف خطير في العين، وحتى لو زار الشخص المصاب الطبيب، فانه حالته عادة ما تشخص بأنها عدوى فيروسية. وبعد هذا الهجوم الأولي، يختبيء الطفيلي من جهاز المناعة في الجسم بتشكيل اكياس مقاومة على النسيج العضلي والعصبي، بما في ذلك الدماغ، وبالنسبة لمعظم الاشخاص، فان هذا الاختفاء يعتبر نهاية القصة، فحالما يختفي الطفيلي، فانه لا يعاود الظهور الا اذا ضعف جهاز المناعة في الجسم كأن يصاب الشخص بمرض الايدز، على سبيل المثال، ويمكن للمرء ان يحتفظ بالطفيلي المستتر طوال حياته، فليس هناك من ادوية لعلاجه، ولكن الرأي الطبي يقول انه غير مؤذ. اذن، اذا كان الامر كذلك، فما الذي يدعو للقلق؟ لقد سبق وان عرف الباحثون ان «توكسوبلازما» قادر على التلاعب بالقوارض، «المضيف الوسيط» الطبيعي بالنسبة له، ومن الملاحظ ان الجرذان والفئران تتصرف بصورة طائشة اكثر عندما تكون مصابة بالطفيلي، واظهرت تجارب اجرتها جوان وبستر وفريقها من جامعة اكسفورد ان الفئران تصبح اكثر نشاطا واقل خوفا من الاشياء الجديدة عليها، ولكن المشكلة كما وجدها جاروسلاف فيلغر من جامعة تشارلز في براغ هي ان هذه الفئران تعاني من تباطؤ في رد الفعل لديها، وهذا ما دفع العلماء الى الاعتقاد بأن الطفيلي قد يكون له تأثير مشابه على الاسنان، مما يجعله اكثر تهورا وأقل استجابة في الحالات الطارئة. وفي دراسة اجراها فيلغر وزملاؤه على الاشخاص المتسببين بحوادث السير، تبين ان الاشخاص الذين لديهم اصابة مستترة بالطفيلي كانوا اكثر احتمالا للتسبب بحوادث السير من الاشخاص الاخرين بمرتين ونصف، فمن المعروف ان سائق السيارة يحتاج الى رد فعل سريع لكي يتجنب الحوادث، فإذا كان رد فعله بطيئا في الحالات الطارئة، فان احتمال تسببه بالحوادث سيكون اعلى، وقد لا تكون فترات رد الفعل الاطول هي التأثير العصبي الوحيد للطفيلي، فهناك فكرة اخرى مثيرة للجدل وهي ان العدوى المستترة قد تسبب بحدوث اشكال معينة في انفصام الشخصية، وقد وجد فولر توري في معهد ستانلي للبحوث الطبية في ميريلاند وفريقه ان الاشخاص المصابين بانفصام الشخصية هم على الارجح من مقتني القطط ويعانون من «توكسوبلا سوسيز مستتر». واذا ما ثبت هذا الامر، فان الاصابة بهذا الطفيلي قد تكون خطرا على الاشخاص الذين يعملون بمهن تقتضي اليقظة ورد الفعل السريع مثل سائقي الحافلات العمومية ومشغلي الماكينات في المصانع، والان يجرى البحث في امكانية تطوير لقاح للوقاية من هذا الطفيلي لدى الانسان لوقف تأثيراته الخطيرة على الصحة والسلامة. ضرار عمير

Email