البشر يهجرون المدن الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 19 شعبان 1423 هـ الموافق 25 أكتوبر 2002 على عكس معظم التقديرات التي تم التوصل اليها خلال العقدين الماضيين تبين في السنوات القليلة الماضية ان عددا كبيرا من سكان المدن الكبرى يغادر الديار للعيش في مدن اصغر والتحول الى حياة الريف والعزوف عن الاجواء الصاخبة والاكتظاظ السكني الذي تعاني منه المدن الكبرى. فلقد اشارت التوقعات العلمية في العقدين الماضيين الى ان معظم كبريات مدن العالم سوف تستمر في اجتذاب السكان بصورة تنذر بالخطر. ففي عام 1984 كانت التوقعات تشير الى ان سكان مدينة ساو باولو البرازيلية سيصل عددهم الى 24 مليون نسمة بحلول عام 2000. اما الآن فالاحصاءات تشير الى ان اقل من 18 مليون نسمة يعيشون في ساو باولو. وكان من المفترض ان يزيد عدد سكان مكسيكوسيتس من 16 مليونا الى 26 مليونا خلال الفترة نفسها، غير ان المدينة لم يزد عدد سكانها الا بمقدار مليوني نسمة خلافا لكل التوقعات طبقا لأحدث احصاء رسمي العام الماضي. وكانت المفاجأة هي ان هذه الزيادة تعود الى ارتفاع معدل الانجاب بين سكان المدينة وليس نتيجة نزوح السكان اليها. والاوضاع لا تختلف كثيرا في مدن كبرى اخرى مثل كالكتا في الهند وبوينس ايريس العاصمة الارجنتينية فواقع تلك المدن يشير الى ان عدد الذين ينزحون منها اكثر بكثير من عدد الذين يهاجرون اليها. تأثير أقل يقول دافيد ساتر ثوايت من المعهد الدولي للبيئة والتنمية الذي يتخذ من لندن مقرا له: «أثبتت بيانات التعداد السكاني في عامي 2000 و2001 ان المدن الكبرى اصبح لها تأثير اقل مما كان متوقعا فيما يتعلق باجتذاب السكان». وكانت طوكيو العاصمة اليابانية هي الاستثناء الوحيد في هذا الصدد حيث نما عدد سكانها بصورة فاقت كل التوقعات، الا ان السبب في ذلك يرجع الى اعادة رسم حدود المدينة حيث تم مد الحدود الادارية لها لتضم مناطق اخرى كانت تحيط بها في السابق والآن اصبحت جزءا لا يتجزأ. اما المدن الاسيوية الكبرى الاخرى مثل شنغهاي وبكين وسيئول فإنها سجلت معدلات نمو اقل بكثير مما كان متوقعا. ويقول ساترثوايت ان انكماش عدد السكان من المدن الكبرى يأتي نتيجة للتراجع الاقتصادي الذي تعاني منه البلدان النامية علاوة على ان الظروف في المدن الكبرى غدت غير مواتية لاجتذاب السكان مثلما كان الوضع في السابق عندما كانت هناك وفرة في الوظائف وسبل العيش. ويضيف ساترثوايت قائلا: «عادة ما تكون الحياة خارج المدن الكبرى افضل، بالأزمات المرورية والتلوث وسوء الخدمات كلها عوامل طاردة للسكان» وأشار المسئول في هذا الصدد الى ان مصانع السيارات الضخمة في البرازيل تغادر ساو باولو الى أماكن اخرى. مقارنة وليس من السهل الفصل فيما اذا كان هذا النقص في التعداد السكاني للمدن الكبرى امرا جيدا ام سيئا. فبينما تشتهر المدن الكبرى بتفريخ اعداد كبيرة من السكان فإنه في الوقت نفسه يعرف ان هذا العدد الكبير من السكان يتسبب في ضخ مزيد من الاموال. غير ان النمو المتواصل لعدد سكان المدن الكبرى يعكس نقصا في عدد الوظائف المتاحة في القرى والمدن الاصغر. كما ان تناقص عدد سكان تلك المدن يتيح الفرصة للوصول الى افكار افضل في المستقبل فيما يتعلق بتخطيط تلك المدن وحاجاتها الى الخدمات العامة من صرف صحي وطرق وجسور وغيرها. حاتم حسين

Email