المشروب الأكثر شعبية بالعالم، الشاي.. رحلة طويلة من الامبراطوريات القديمة إلى أركان الدنيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 3 شعبان 1423 هـ الموافق 9 أكتوبر 2002 يعد الشاي من اقدم المشروبات التي عرفها الانسان واكثرها توقيراً، وهو المشروب الاكثر استهلاكاً في العالم بعد الماء وكان الصينيون سباقين للتعرف على خصائص هذا المشروب الذي اصبح يحتل مكانة بارزة في ثقافتهم ويشير احد الامثال الصينية القديمة الى الشاي كواحد من الضروريات اليومية السبع وهي الوقود والأرز والزيوت والملح ومعجون الصويا والخل ثم الشاي. وتقول الاسطورة الصينية ان الصدفة المحضة كانت وراء اكتشاف هذا المشروب السحري على يد الامبراطور العظيم شين نونج الذي حكم البلاد في العام 2737 قبل الميلاد وتمضي الاسطورة لتقول ان الامبراطور الذي كان له باع طويل في علوم الاعشاب وعالماً لا يشق له غبار كان يعتقد ان تناول الماء المغلي يساعد على بناء الجسم السليم ويمنع الامراض، ولهذا اصدر امره لحاشيته واعوانه وخدمه بغلي الماء قبل شربه كشكل من اشكال الوقاية الصحية وبينما كان الامبراطور وحاشيته في زيارة لمنطقة بعيدة توقف لأخذ قسط من الراحة، وبدأ الخدم يصبون الماء في اناء كبير ليضعونه فوق النار كي يغلي ليروي الامبراطور ظمأه وكان الاناء على مقربة من شجيرات متوسطة الطول وصدف ان سقطت بداخله بعض الاوراق الجافة، اعجب الامبراطور بمذاق الماء وبتلك النكهة المحببة فأعلن ان المشروب الغريب يمنح الجسد قوة ونشاطاً وهكذا تم اكتشاف الشاي، ولكنه كان يعتبر من المشروبات العلاجية حتى جاء العام 300 ميلادية حيث تحول الشاي الى مشروب يتناوله الناس كل يوم. ولم يتأصل الشاي في التقاليد الصينية الا ابان حكم اسرة تانج وسونج، ففي منتصف حكم اسرة تانج (780 ميلادية) اعد عالم يدعى لو يو اول كتاب عن الشاي حمل عنوان «شاشينج» اي «كلاسيكية الشاي» بعد ان قضى اكثر من عشرين عاماً في دراسة هذه النبتة السحرية وتضمن الكتاب الوثائقي المعارف الواسعة لهذا العالم في النباتيات والتذوق واعداد الشاي الامر الذي ساهم في زيادة شعبية المشروب ورفع من قيمته الاجتماعية عبر الصين. وفي مرحلة لاحقة وابان حقبة حكم اسرة سونج تزايد الاقبال على تناول الشاي وتحول الى عادة يومية يستمتع بها الخاصة والعامة الى مصدر يلهم الكتاب والشعراء والمغنين والرسامين ولم يقف الامر عند هذا الحد بل اكتسب المشروب قيمة اضافية مهدت لاستقطاب عاصمة الامبراطورية لكبار اصحاب مزارع الشاي. تكنولوجيا الانتاج وشهدت تكنولوجيا انتاج الشاي تقدماً متواصلاً ابان حقبة حكم اسرة يوان حيث تم ادخال العديد من الاساليب لتحسين النكهة، كما تم خلال تلك الفترة افتتاح المقاهي وتجمعات تناول الشاي وفي العام 900 للميلاد انتقلت عادة تناول المشروب من الصين الى اليابان حيث ارتقت الى فن من الفنون التي تمارس في طقوس احتفالية خاصة وبخلاف اهل الصين الذين كانوا ينظرون الى تناول الشاي على شكل من اشكال المتعة، فإن اهل اليابان رفعوا هذه العملية الى مصاف الفنون الراقية. وانتقلت عادة تناول الشاي من الصين الى اوروبا منتصف القرن السادس عشر الميلادي واقتحمتها بريطانيا العام 1669 ثم انتقل منها الى المستعمرات البريطانية في مختلف ارجاء العالم وكان تناول الشاي في تلك الفترة يقتصر على النبلاء والعائلات الارستقراطية نظراً لأن سعر الرطل الواحد من هذه المادة كان يساوي ثمانية اضعاف الاجر الشهري الذي يتقاضاه العامل البريطاني وبدأت بريطانيا تستورد كميات ضخمة من الشاي الصيني استجابة للاقبال المتزايد على المشروب الذي تحول في يومنا هذا الى مشروب شعبي لا يضاهى. وقد يعتقد البعض ان كلمة الشاي باللغة الانجليزية Tea هي اصل تسمية هذا المشروب، الا ان الامر ليس كذلك اذ كان الصينيون يطلقون عليه ثلاثة اسماء هي تشاي، وشا وتاي وعليه يكون اصل الاسم مشتق من هذه الكلمات ثم اقتبسته اللغة الانجليزية. وبالرغم من انه ومن الناحية العلمية يوجد نوعان فقط من هذه النبتة الاول يحمل الاسم العلمي سينينسيس ويوجد في الصين والثاني هو اساميكا ويوجد في الهند، الا اننا نجد اليوم ان هناك اكثر من ألف نوعية من نبتة الشاي لتختار من بينها نتيجة لاتجاه اكثر من خمس وعشرين دولة لزراعة هذه النبتة التي كما يقال «تعدل الكيف» والتي تحول الاكسير الذي يستخرج منها بعد غليها واحداً من اكثر المشروبات رواجاً في العالم قاطبة. مأمون الباقر

Email