دراسة حديثة تؤكد خبرة الفراعنة في الطب

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 29 رجب 1423 هـ الموافق 6 أكتوبر 2002 قام فريق من المركز القومي المصري للبحوث بإنجاز دراسة مهمة على الهياكل العظمية المكتشفة لمجموعة من بناة الاهرام، استهدفت الرد على الدعاوى التي يثيرها ـ من وقت لآخر ـ مجموعة من البحاث اليهود في مجال الآثار وتزعم ان بناة الاهرامات المصرية هم في الأصل من اليهود. اعتمدت الدراسة على فحص مجموعة من هياكل العمال والنبلاء الموجودين في حفائر الجيزة في المنطقة الجنوبية الشرقية للهضبة والتي سكنها العمال وكذلك الناحية الغربية التي كانت مكانا لسكن النبلاء والموظفين، بهدف معرفة تأثير العمل الشاق على العمال بناة الاهرام.. ومقارنتها بطبقة النبلاء والموظفين الذين عاشوا في نفس الفترة، وتأثير الظروف البيئية على الطبقتين. وذلك بعد ان اثبتت كل الكتابات والآثار الاركيولوجية والدراسات العلمية ان مقابر المنطقة الجنوبية الشرقية هي مثوى لهياكل جثث العمال المصريين الذين اشتركوا في بناء الاهرامات. العمال.. والنبلاء وفي دراستها لنيل درجة الدكتوراه عن هذا الموضوع المهم، تقول الدكتورة (عزة سري الدين) استاذ الانثربولوجيا البيولوجية المساعد في المركز القومي للبحوث والمشارك الرئيسي في هذا البحث، ان الدراسة قامت على اساس المقارنة بين طبقتي العمال والنبلاء لمعرفة تأثير العمل الشاق الذي قام به بناة الاهرام المصريون، من ناحية العمر والسن والطول والامراض. وتكونت المادة المستخدمة في هذا البحث من مائتين وستة وأربعين هيكلا، مقسمة الى مجموعتين: الاولى التي استخرجت من مقابر كبار الموظفين وتضم (176) هيكلا، جزء منها قامت باستخراجه البعثة الأمريكية عام 1945 وتتكون من 91 هيكلا. والجزء الثاني تم استخراجه بواسطة مجموعة دراسة البقايا الآدمية في المركز القومي للبحوث ـ والتي اتشرف بانتمائي اليها ـ وتضم (85) هيكلا وكان هناك ستة منها لا تسمح باجراء الدراسة عليها فأصبح العدد (170) هيكلا. أما المجموعة الثانية للدراسة، والتي تكونت من 76 هيكلا، فقد تم استخراجها بواسطة مجموعة حفائر هيئة الآثار المصرية في المنطقة الجنوبية الشرقية التي كانت تسكنها طبقة العمال. وتوضح د.(عزة) ان طرق البحث اتخذت مسارات عديدة منها اجراء مسح شامل لكل الهياكل التي ترجع الى الدولة القديمة بمنطقة الجيزة، وذلك بمقارنة الارقام المكتوبة عليها بتلك الموجودة في النسخة الكربونية التي تم (الحصول) عليها من القائمة الأصلية التي أعدت اثناء استخراج وحفظ هذه الهياكل. كما تم تنظيف العظام بواسطة فرشاة ناعمة واستخدام الماء اذا استدعى الامر، حتى تتضح كل العلاقات التشريحية الموجودة في العظام. وقد تم عمل محاولة لترميم العظام المكسورة باستخدام مادة لاصقة لتثبيت العظام في أماكنها. وتضيف انه تم تحديد الجنس للهياكل من خلال الطرق الوصفية لعظام الحوض والجمجمة وعند تعيين العمر عند الوفاة، قامت بتقسيم الهياكل الى بالغين وغير بالغين.. وذلك بملاحظة الاتصال الوتدي القذالي والذي يتم في الفترة من 18 ـ 21 سنة. وفي حالة عدم وجود الجمجمة فيلاحظ اتحاد أطراف العظام الطويلة وتم تحديد العمر عند غير البالغين باستخدام نمو الأسنان اللبنية وتكلس وظهور الأسنان الدائمة. أما عند البالغين فيتم باستخدام التغيرات التي تحدث على المفصل الاذيني في عظمة الحوض، وفي حالة عدم وجود هذا الجزء من عظمة الحوض تستخدم التغيرات التي تحدث في الارتقاق العاني. السلالة المصرية وتشير الدكتورة عزة سري الدين الى انه تم اخذ القياسات الانثربو موترية على الجماجم والعظام الطويلة تبعا لنقط القياس، وهي أقصى طول وعرض وارتفاع الجمجمة.. وقياس المسافة بين الوجنتين والمسافة بين نقطة الأنف والنقطة السنخية ونقطة القاعدة، مع قياس عرض وارتفاع الأنف. وقد تم حساب كل من معامل الجمجمة ويساوي أقصى عرض للجمجمة ? 100 ÷ أقصى طول للجمجمة ومعامل الانف ويساوي عرض الأنف ? 100 ÷ ارتفاع الأنف أما قياسات العظام الطويلة فتمت عن طريق قياس عظمة العضد والفخذ والقصبة. وأوضحت استاذة الانثربولوجيا أنه تم تحديد السلالة المصرية باستخدام طريقة (جيلز)، وهي طريقة احصائية تستخدم عدة قياسات على الجمجمة.. ومنها التحليل الاحصائي، وحساب المتوسط الحسابي، ومعامل الاختلاف والخطأ لقياسات الرأس. وقد تم استخدام طرق الاحصاء التبايني لإنشاء معادلة جديدة تصلح لتحديد الجنس في هذه العينة باستخدام الطريقة المباشرة لقياسات على العظام الطويلة من خلال سبع قياسات على عظام العضد والفخذ والعصبة أما الطريقة المرحلية فهي التي تختار أحسن القياسات التي يمكن ان تستخدم لتعيين الفرق بين الجنسين. وأضافت انه تمت ايضا دراسة للحالات المرضية لجميع الهياكل، وتحديد مكان وامتداد وانتشار الاصابة على العظمة، ثم قسمت الحالات المرضية حسب التشخيص الى حالات وراثية، ونتيجة اصابات أو أورام أو داء مفصلي. وقد تمت دراسة الداء المفصلي الانحلالي بالتفصيل في كل من العمود الفقري وكذلك بعض المفاصل الكبيرة مثل مفصل الكتف، الكوع، والفخذ والركبة.. وذلك باستخدام (اشعة أكس) التشخيصية للمساعدة في تشخيص الأمراض. نتائج قاطعة وطبقا للنتائج التي جاءت من خلال التحليلات الاحصائية والدراسة الميدانية، أكدت الدكتورة عزة سري الدين أن كل الكتابات والآثار الاركيولوجية وكذلك الدراسة العلمية، تؤكد بشكل قاطع ان بناة الاهرام هم مصريون يتمتعون بكل الصفات المصرية الأصيلة، وذلك بمقارنتها مع هياكل المصريين القدماء والمعاصرين حيث تمت مقارنة نتائج دراسة الهياكل الخاصة ببناة الاهرام التي تم الحصول عليها من مقابر المنطقة الجنوبية الشرقية، وهياكل المنطقة الغربية لكبار الموظفين والنبلاء.. وتبين أن معدلات العمر عند بناة الاهرام أقل من النبلاء وكبار الموظفين بحوالي (5) سنوات، وحالات الوفاة لدى العمال.. أعلى وبمتوسط أعمار أقل من النبلاء. كذلك فإن أطوال العمال أقل بشكل ملحوظ من كبار الموظفين، ممايدل على تعرضهم لضغوط العمل في سن مبكرة وفي أهم مراحل النمو العضلي. أما بالنسبة لأنواع الأمراض المنتشرة، فحظيت كسور العظام بالنسبة الأكبر بين الموظفين.. ولكن الأهم هنا هو كيفية التعامل مع الكسور، سواء بالنسبة للعمال أو الموظفين. فقد تمت معالجة جميع الكسور بشكل واحد، مما يدل على زيادة الرعاية الصحية في هذا الوقت وتفردها وممايدل على التقدم الطبي ايضا وجود حالة بتر في الذراع لأحد العمال، وبتر في القدم لاحد النبلاء وتمت معالجتهما بشكل صحيح، وهذا يؤكد على خبرة المصري القديم في التعامل مع الجروح الصعبة التي تتطلب قدرا كبيرا من النظافة لمنع النزيف والتلوث. أما تأثير الاحمال الثقيلة التي قام بحملها هؤلاء البناة فجاء تأثيرها مباشرة على العمود الفقري، وذلك بظهور زوائد عظمية واضحة على أطراف الفقرات، وحدوث نوع من التآكل العظمي الواضح في الفقرات ممايدل على ان هؤلاء البناة بدأوا العمل في سن مبكرة. أما التهابات المفاصل فوجدت بصورة واضحة لدى العمال، خاصة في منطقة مفصل الركبة الذي يتحمل العبء الأكبر في الاحمال. كما انتشرت أمراض تآكل الأسنان في هذه الفئة نظرا لتناولهم الطعام الخشن، وخاصة الحبوب الممزوجة ببعض بقايا الحجارة واستخدام الرحايا الحجرية في طحن الحبوب. وأشارت الدكتورة عزة الى انه بتحليل العناصر الصغرى (المعادن) الموجودة في العظام والاسنان والتي تمت مقارنتها بالمصريين المعاصرين، وجد اختلاف النسب بصورة ملحوظة مما يدل على اختلاف نوعية الأكل والبيئة. فمثلا وجد أن نسبة الرصاص عند المعاصرين أعلى بكثير من القدماء، مما يدل على زيادة نسب التلوث الحالية. وأشارت أيضا انه بدراسة التركيب السكاني الديموجرافي للمنطقة وجد ان النسب متساوية بين العمال والنبلاء ساكني هذه المنطقة، ممايدل أن البناة هم مجموعة من السكان الذين يقيمون بشكل مستقر، وليسوا عمالا بالسخرة، دائمي الترحال، كما لوحظ انهم يتمتعون بالاستقرار الأسري والعائلي. ولكن لوحظ أن الاعمدة الفقرية لزوجات بناة الاهرام بها شئ من التأثر المرضي وذلك نتيجة العمل الشاق التي قامت به الزوجات، أما مشاركة لهم في البناء أو في الاعمال المنزلية الشاقة. القاهرة ـ عفاف السيد:

Email