الخبراء ينصحون باختيار نمط النوم الأكثر فعالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 29 رجب 1423 هـ الموافق 6 أكتوبر 2002 حفلات تستمر حتى الصباح، سفر المجالات الزمنية المختلفة بالتوقيت، عمل بمناوبات على مدار الساعة.. مجرد التفكير بهذه الامور كفيل باتعاب ذهنك. انه مجتمع الـ 24 ساعة الذي جلب معه سلسلة من المشكلات الناجمة عن صراع جوهري بين متطلبات الحضارة العصرية وتصميم الدماغ البشري. خبير النوم، الدكتور كلوديو ستامبي من معهد أبحاث بيولوجيا الزمن في بوسطن بالولايات المتحدة الذي تحدث في قضية النوم في مؤتمر عقدته الجمعية الطبية الملكية في بريطانيا، مؤخرا، يوضح ان «أنماط نومنا ويقظتنا تحكمها ساعات بيولوجية داخلية، وهذه الساعات الداخلية متناغمة بشكل رائع مع ايقاعات الليل والنهار التي تنتمي لحقبة كان البشر فيها يصيدون نهاراً وينامون ليلاً، ولم يكن بمقدورهم قط قطع اكثر من بضعة أميال من مشرق الشمس الى مغيبها، بالمقابل فإننا اليوم نعمل ونسافر جواً الى آخر المعمورة ونتخذ قرارات حاسمة في كافة ساعات اليوم نهاراً وليلا». إن تجاهل هذا الصراع أفضى الى بعض أسوأ كوارث عصرنا الحديث، فالحرمان من النوم بسبب ساعات العمل الطويلة والمناوبات الليلية ساهم على الأرجح في كارثة مفاعل شيرنوبل النووي التي وقعت في الساعة الواحدة و23 دقيقة بعد منتصف الليل، ومشاكل مركبة «أبولو» الفضائية التي بدأت الساعة الثالثة وثماني دقائق صباحاً وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي عمل خلالها صانعو السياسة على مدار الساعة دون ان يأخذوا حاجتهم من النوم، إن 20% من القوة العاملة في البلدان الصناعية يشتغلون في أعمال تتطلب شكلاً من أشكال الدوام الليلي أو المناوبات. وفي بريطانيا، تقع اكثر حوادث السير تكراراً في حدود الساعة الثانية صباحاً. والآن يعتقد خبراء النوم ان البشر الذين أجبروا على التكيف مع حالات الحرمان من النوم يمكنهم تحسين أدائهم العام بتطوير صيغة للقيلولة النهارية تعرف علمياً بالنوم متعدد الأطوار، بدلاً من حشو أكبر قدر ممكن من النوم في ليلة قصيرة. ويشير هؤلاء الى ان العديد من المفكرين العظماء في التاريخ كانوا أصحاب القيلولة النهارية، بما في ذلك ونستون تشرشل الذي استخدم هذا الاسلوب خلال الحرب العالمية الثانية، وألبرت اينشتاين وتوماس اديسون. وبدراسة آخر المجتمعات البشرية التي تعيش على الصيد والجمع (قبائل التميار والايبان في ماليزيا) وجدهم علماء الانثروبولوجيا يتبعون نظاماً للقيلولة. وفي أي ساعة من ساعات الليل تجد 25% من الراشدين في تلك المجتمعات يقظين في حين تنتشر عادة القيلولة النهارية على نطاق واسع. ومن منظور سيكولوجي، نحن متكيفون بشكل جيد مع نماذج النوم متعدد الأطوار. ينقسم النوم الى مرحلتين: نوم حركة العين غير السريعة والذي يرمز له بالحروف «ان آر إي.ام» ونوم حركة العين السريعة «آر إي ام». وتقترن المرحلة الثانية بنشاط كبير جداً في الامواج الدماغية والاحلام. وتحدث هاتان الحالتان في نوبات تستمر الواحدة منها 95 دقيقة وتتكرر من خمس الى ست مرات في الليلة خلال النوم العادي المتواصل (الذي يعرف بالنوم احادي الطور). خلال كل دورة يستغرق الانسان في مراحل أعمق في نوم «ان آر إي ام»، ثم يعود متدرجاً الى الوراء في المراحل التي يدخل في نوم حركة العين السريعة «آر إي ام». ويشير هذا الى ان الطبيعة تمنح الانسان فرصة الانتقال من النوم الى اليقظة كل تسعين دقيقة. ومن منظور علم النشوء والتطور، فعلى الارجح اننا بدأنا مشوارنا منذ القدم بنوم متعدد الأطوار، وربما حدث التحول الى النوم أحادي الطور، عندما طورت أدمغتنا قوى أكبر للتفكير العقلاني. ولأن للبشر نظراً ضعيفاً نسبياً ورؤية ليلية محددة، فمن المنطقي ان تكون ساعات النوم الطويلة في الليل، ولابد ان التحول للنوم احادي الطور تزامن مع ولادة مجتمع أكثر تنظيماً يميزه توزيع العمل وتوفر الموارد الغذائية بشكل أفضل. وعندما يغفو المرء ينتقل تدريجياً عبر مراحل النوم الأقل عمقاً الى «الدلتا» أو نوم الأمواج البطيئة. ويحدث هذا عندما يتباطأ النشاط الدماغي بشكل دراماتيكي. وبخلاف الاعتقادات السائدة فإن تلك هي المرحلة الأعمق والأقوى تأثيرا في اعادة الوعي والصحة (وليس مرحلة حركة العين السريعة). ونوم الأمواج البطيئة هو الذي يتوق له الدماغ عندما يكون محروماً من النوم، ولذلك فإن الاشخاص المحرومين من النوم يصلون عادة الى هذه المرحلة بسرعة. وفي حالات كثيرة يمر النائم فقط في نوم «الدلتا» عندما يأخذ قيلولة لمدة 20 دقيقة ولم يمر بمرحلة نوم «آر.إي.ام» على الاطلاق، لكن في نهاية المطاف يقوم الدماغ بتنظيم كميات نوم الدلتا ونوم حركة العين السريعة التي يتلقاها، لذلك إذا أخذ الشخص نفسه قيلولة تالية في وقت لاحق من النهار، فإنها ربما تكون مكونة من مرحلة «آر.إي.ام» فقط. كلا النوعين في النوم أساسيان: نوم الدلتا يوفر امكانية استعادة النشاط والتعويض عن النعس السابق، ونوم حركة العين السريعة ضروري لتماسك الافكار والذكريات. لكن لايزال سبب أفضلية النوم متعدد الأطوار على النوم احادي الطور (في الليل فقط) خلال أوقات الحرمان من النوم يشكل لغزاً محيراً لا يمكن تفسيره بمجرد قياس الامواج الدماغية. ويقول الدكتور سامبي ان الدراسات أظهرت ان الاختلاف بين كمية نوم الامواج البطيئة ونوم حركة العين السريعة التي يتلقاها المرء خلال النوم احادي الطور والنوم متعدد الاطوار هو اختلاف تافه جدير بالاهمال ويوضح انه من الصعب كشف أسرار هذا اللغز، لأن علوم النوم بدأت فقط قبل 40 عاماً. ولأن النوم مهم جداً لنشاطنا الطبيعي بحيث يتعذر أخلاقياً القيام بدراسات طويلة الأمد على تأثيرات الحرمان من النوم على البشر. وما هو واضح الى الآن هو اننا نجني فائدة أكبر إذا قمنا بشحن بطاريات نومنا بشكل متكرر في أوقات افتقارنا للنوم بدلاً من محاولة حشو كمية محدودة من النوم في طور واحد طويل. ويوضح الدكتور ستامبي انه يمكن تشبيه النوم بشكل طبيعي لسبع أو ثماني ساعات بملء خزان مياه الى فوهته. وعندما ينام المرء ثلاث ساعات فقط، يكون ثلث الخزان فقط مملوء، والضغط أقل على قاعه، تصور ان ذلك الضغط له علاقة بدرجة تيقظنا، إذا كنت تنام مرة في اليوم، فإن مستويات التيقظ تحظى بدفعة واحدة، لكن إذا نمت عدة مرات في اليوم فإن مستوى الضغط يبقى مرتفعاً. ويقترح ستامبي ان الاشخاص المحرومين من النوم الكافي يمكنهم الاستفادة من أخذ قيلولات مدة الواحدة منها عشرون دقيقة، والفكرة هي ان يستيقظ المرء بعد اتمام مرحلة نوم الامواج البطيئة وليس في منتصفها لتفادي ظاهرة «خمول النوم» التي يستيقظ فيها المرء مترنحاً، وفي الحقيقة ان الاستيقاظ بعد 50 دقيقة من النوم النهاري قد يكون ضرره أكبر من فائدته، لأن الشخص يستيقظ على الأرجح خلال النوم العميق ويكون أقل قدرة على الاداء الجيد. ويقول الدكتور ستامبي: «أول قسط من النوم هو الأهم بالنسبة لاعادة الحيوية للنائم والصيغة الأفضل هي زيادة فترات بداية النوم الى أقصى حد ممكن من خلال أخذه أكثر من قيلولة على مدار اليوم، والخلاصة ان الاتجاه الجديد في تقنيات النوم سوف يعيدنا الى عاداتنا البدائية. علي محمد

Email