الممثل السوري مازن الناطور : الأعمال الفنية المشتركة تعزز الروح القومية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حقق الفنان السوري مازن الناطور مكانة مناسبة بين نجوم الشاشة العربية، ويبدو انه يفضل الدراما النوعية التي تبقى في الذاكرة، ويبتعد عن الاستسهال، ولا تزال اغلب الاعمال التي شارك بها تعيش في ذاكرة المشاهد العربي بدءاً من مسلسل (جواهر)، ومروراً بمسلسلات «خلف الجدران، البواسل، رمح النار»، وانتهاء بمسلسل «الرحيل الى الوجه الاخر». وكان وقع مسلسله الاخير طيباً لدى المشاهدين السوريين. بدليل ان الحركة في الشوارع كانت تكاد تتوقف عند عرض المسلسل، لتعود بعد انتهاء العرض. يقيم الفنان مازن الناطور في دولة الامارات منذ سنوات، ويأتي الى سوريا بين حين وآخر للعمل وزيارة الاهل. التقيناه خلال زيارته الاخيرة الى دمشق، وحاورناه حول عمله الاخير، ورؤيته لواقع الدراما العربية السورية. ـ كيف تلقيت الصدى الطيب لمسلسلك الاخير (الرحيل الى الوجه الاخر) عند المشاهد السوري؟ ـ الحمد لله، اعطاني النجاح والثقة والشعور بأنني لاازال مقبولاً عند المشاهد، وقد حصدت من النجاح في هذا المسلسل، ما يفوق المسلسلات الثلاثة الاخيرة. وهذا لا يعني انه الاجود فنياً بينها، ولكن يبدو ان نوعيته التسويقية اعجبت المشاهدين، وهو مؤشر على ان المشاهد يريد اعمالاً واقعية، بعيداً عن الفانتازيا وتغريبات خيال المخرج. ـ تعمل في الفن منذ 15 عاماً، ومع ذلك نراك مقلاً في التلفزيون مقارنة مع ابناء جيلك؟ ـ هذا صحيح، فقد تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1987، ومنذ بداية عملي انظر الى التمثيل كهواية وليس كحرفة، وقد انقطعت عدة سنوات عن الدراما التلفزيونية، وخلال السنوات الاربع الاخيرة مثلت في اربعة مسلسلات فقط، وبمعدل مسلسل في كل عام. وقد انعم الله علي بالعمل في دولة الامارات فتوقف بحثي عن فرص في الدراما التلفزيونية، لتأمين احتياجاتي المادية، ولذلك ـ كما قلت ـ لا اعتبر الفن هواية، وليس وسيلة للكسب المادي. ـ كانت لك تجربة انتاجية وحيدة هي مسلسل (سفر)، لماذا لم تكررها؟ ـ عندما اقدمت على انتاج مسلسل (سفر) حاولت اكون انانياً، وقد اخترت هذا النص من بين عشرات النصوص التي وردتني، وهو لكاتب غير معروف من قبل، كما اسندت اخراجه لحاتم علي الذي اقتصرت اعماله في حينها على عدد من السهرات والثلاثيات التلفزيونية، كنت ابحث في هذا المسلسل عن اجواء درامية جديدة، وخلال ذلك كله نسيت وضعي كممثل، بمعنى لم يكن همي ان ابرز نفسي، او ان ابحث عن فرصة عمل لي. وقد ارضيت فيه طموحاتي الفنية، ونال المسلسل ثلاث جوائز ذهبية في مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون وعند تسويق المسلسل اكتشفت ان العمل المقبول في الفضائيات العربية ليس بالضرورة ان يكون جيداً. ولذلك اثرت ان ابتعد عن الانتاج. ـ هل تعني انك لم تعد ترغب بالانتاج؟ ـ هاجس الانتاج لايزال يراودني، ولكنني لم اجد بعد النص المناسب، قرأت ثلاثين نصاً، واشتريت بعضها، لكنني توقفت لاسباب تتعلق بنوعية التقنيات الفنية التي يحتاجها النص الذي اشتريته. ـ هل يعود عدم ظهورك على الشاشة بشكل واسع الى مساحة الشخصيات في الاعمال التي تعرض عليك؟ ـ عندما يعرض علي نص، لا انظر الى مساحة الشخصية في السيناريو، ولا يوجد عندي نزعة نحو الدور الاول، المهم عندي خصوصية الشخصية واثرها عند المشاهد. وسبق ان عملت في بعض المسلسلات، ولم يكن الدور الاول لي، ولكنني حاولت ان اجعل لدوري خصوصية تميّزه كما في مسلسلي «خلف الجدران» «الزاحفون». ـ نلاحظ انك تفضل لهجة منطقة حوران، ماذا تعني لك هذه اللهجة؟ ـ اللسان من الادوات الاساسية للممثل، ولا تشكل اللهجة عقدة بالنسبة لي، وقد مثلت باللهجة الدمشقية والفصحى، وبلهجة حوران. ومشكلة الدراما السورية انها لا تأخذ تنوع اللهجات بعين الاعتبار، ففي سوريا تنوع واسع في اللهجات، لكن الدراما تقصرها على لهجة دمشق، واخيراً بعض الاعمال بلهجة حلب. بينما نرى الدراما المصرية تنوع لهجاتها بين القاهرية والصعيدية والاسكندرانية. وبالنسبة لي شخصياً عندما امثل بلهجة منطقة حوران، فإنني اقترب من الواقع لأنني ابن هذه البيئة. ـ انت خريج المعهد المسرحي، لماذا لم تكون لك تجربتك الخاصة على المسرح السوري، كما فعل زملاؤك؟ ـ بعد تخرجي من المعهد قدمت عدداً من الاعمال المسرحية ومنذ عشر سنوات اعمل في الامارات في المسرح، وقمت بتقديم عدة اعمال مسرحية عن البيئة الاماراتية بمساعدة اصدقاء يهتمون بالمسرح. وبالنسبة لعملي في المسرح السوري، لا امتلك الالتزام بالوقت، لأن أي عمل مسرحي يتطلب نحو ثلاثة أشهر ثم ينتظر النجاح أو الفشل. ـ هل وضع المسرح السوري وعلاقته بالجمهور أحد أسباب ابتعادك عنه؟ ـ لنتحدث بصراحة، لا يوجد عندنا تقاليد مسرح، إذ لا نجد رواداً دائمين يحضرون المسرح، فضلاً عن ان جمهور المسرح محصورون في عدد من المدن السورية، وبالتالي فإن العمل المسرحي مغامرة كما هو حال العمل السينمائي، بسبب عدم وجود تواصل بين الجمهور والفيلم أو المسرحية. ـ هل ترى ان فقدان التواصل بين الجمهور والمسرح والسينما هو سبب توجه الممثلين إلى الدراما التلفزيونية؟ ـ التلفزيون الآن هو الأوسع والأشمل، وإذا استطاع الفنان ان يقول كلمته من خلال التلفزيون فإنها تشكل تواصلاً أكبر مع المشاهدين، وتصل إلى ما لا يصل إليه المسرح والسينما، والمهم عند الفنان ان تصل كلمته عبر أي وسيلة تواصل واتصال. ـ كيف ترى الآن حال الدراما التلفزيونية السورية؟ ـ لقد انتشرت الدراما السورية نتيجة ظروف معينة بعد حرب الخليج، وما اخشاه على درامانا ان يصيبها ما أصاب الصناعة من حيث الاستخفاف بالنوع، لأن الكم لا يغني عن النوع.. اننا نمتلك خبرات عالية المستوى، وأماكن متنوعة للتصوير، وما ينقصنا الاهتمام بالنوع.. ـ ومن المسئول عن النوع، هل هو الكاتب أم المخرج؟ ـ الجميع مسئولون، الكاتب والمخرج، ونقابة الفنانين والتلفزيون والصحافة.. علينا جميعاً ان نعمل وأن نبحث عن نوعية جديدة وجيدة كل في مجال عمله. ـ وجودك في الامارات ألا يبعدك عن الانتاج التلفزيوني في سوريا؟ ـ انني مقتنع بعملي في الامارات، ولست نادماً، صحيح ان وجودي في الامارات يؤثر على عملي في الدراما السورية لكنني أرضى بالقليل المميز على الكثير الغث، أسير بخطوات بطيئة لكنها واثقة، وتعرض علي اعمال كثيرة وقد اعتذرت مؤخراً عن عملين لأنني لم أكن مقتنعاً بهم، وبشكل عام لا يوجد عائق عندما أرغب بالعمل في سوريا. ـ لكن المزيد من الأعمال فرصة لتواصل أوسع مع الجمهور؟ ـ لا يهمني ان أعمل أكثر، أرضى بالعمل القليل المميز، وإذا كان بعض الشباب يعملون في الفن ليعيشوا منه، فإن تأمين متطلباتي المادية ليس من خلال التمثيل في التلفزيون، وعندما أعمل يهمني أن أعمل شيئاً اقتنع به ويقنع المشاهد، وأحس انه يشكل اضافة إلى تاريخي الفني، وبالنسبة للتواجد الأوسع على الشاشة له جانب سلبي أيضاً، إذ يمل المشاهد احياناً من رؤية ممثل يظهر كل يوم على الشاشة، ولذلك من المهم ان تكون اطلالتي على المشاهد قليلة ولا يهمني ان يفتح المشاهد التلفزيون فيجد مازن الناطور. ـ باعتبارك تعمل في الخليج، كيف ترى مستقبل الدراما الخليجية وهل يمكن ان تنتشر كما هو حال الدراما السورية والمصرية؟ ـ انني في الخليج اعمل في المسرح، وقد شاركت في أحد المسلسلات التاريخية من انتاج دبي. وبالنسبة لسؤالك عن الدراما الخليجية أقول: ان الدراما الخليجية لها جمهورها، وهي لا تقل شأنا عن أية دراما عربية أخرى، لكن عرضها في التلفزيونات العربية يحتاج إلى تحرك وتنسيق بين تلفزيونات الخليج والتلفزيونات العربية، وسبق للتلفزيون السوري ان عرض بعض المسلسلات الخليجية، ولقيت اقبالاً عند المشاهدين. وأتوقع اذا تحرك المعنيون بشكل فعال ان تنتشر الدراما الخليجية في كل التلفزيونات العربية، وان تكون على قدم المساواة في الانتشار مع الانتاج الدرامي العربي. وهي تمتلك مقومات النجاح والانتشار وما ينقصها فقط قلة العنصر النسائي الذي يمكن تعويضه من الممثلين العرب، وأرى ان نجاح الاغنية الخليجية في الوطن العربي مؤشر على نجاح الدراما الخليجية. ـ هناك الآن عدة مشاريع تلفزيونية مشتركة بين مؤسسة الخليج للأعمال الفنية بدبي، وبين التلفزيون السوري، كيف تنظر إلى هذه المشاريع؟ ـ انني احيي هذه التجارب المشتركة، وأتمنى ان تستمر وتتواصل، لأنها على الأقل تغذي الروح الوطنية القومية، فنحن كلنا أبناء أرض واحدة وننحدر من أصول واحدة، لنا تاريخ مشترك ولغة مشتركة وعملياً همومنا اليومية واحدة، وأتمنى ان يتوسع الانتاج المشترك ليشمل كل المؤسسات التلفزيونية العربية، وهي لا تحتاج إلا إلى القليل من الدعم المعنوي والسياسي. ـ كيف تنظر إلى الدراما التلفزيونية كعمل مؤثر في المشاهدين العرب، وهل يمكن ان تحقق شيئاً على الصعيد الخارجي؟ ـ اننا الآن نواجه تحديات كبيرة، ويعتبر الاعلام في مقدمة وسائل المواجهة، لقد استطاعت الصهيونية ان تؤثر في الرأي العام العالمي من خلال مختلف وسائل الثقافة والاعلام كالصحافة والسينما والتلفزيون والكتب وخلال خمسين عاماً قامت بعملية غسل دماغ للرأي العام في أوروبا وأميركا على وجه الخصوص، في وقت كنا غائبين عن ساحة الاعلام والثقافة في العالم. قبل خمسين عاماً كان الأوروبي والأميركي يكره اليهودي واستطاعت الصهيونية فيما بعد ان تحول الكره إلى العربي والمسلم، ولذلك علينا ان نقوم بجهد كبير لاعادة صورتنا الصحيحة إلى أذهان الناس، ونزيل عنها الصدأ والتزييف الذي قامت به الصهيونية ومعركتنا الآن على الساحة الاعلامية أهم من المواجهة العسكرية غير المتكافئة. ـ وهل نستطيع تحقيق شيء ما في هذه المواجهة؟ ـ نستطيع ان نؤثر إذا خصصنا جزءًا من مواردنا المادية في هذا الجانب كانتاج مسلسلات وأفلام واصدار صحف أو ابداء وجهة نظرنا من خلال الصحف العالمية، وهي فرصة لنا للدفاع عن أنفسنا. ان التحديات كبيرة ولا نزال في سبات، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى عمل درامي قومي يوقظ النفوس، كما أيقظت الانتفاضة في فلسطين الموات فينا. وأتمنى ان نقوم بأعمال فنية عربية مشتركة ترتقي إلى جزء يسير من التضحيات التي قدمها شعبنا العربي في فلسطين.

Email