محادثة الطفل لنفسه مشكلة تؤرق الأمهات

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يلاحظ الآباء والامهات ان اطفالهم يتحدثون مع انفسهم ويتكلمون مع ألعابهم وكأنهم اشخاص لهم اسم وملامح انسانية وعن هذه الظاهرة يقول الدكتور هاشم بحري استاذ الطب النفسي في كلية الطب جامعة الازهر لصحيفة «الاهرام» انها ظاهرة طبيعية لا تستدعي القلق وتحدث في السنوات الاولى من العمر من سن الثالثة وحتى الثامنة لأن مخ الطفل في مرحلة التكوين لا يفصل بين الحقيقة والخيال ويتعايش الطفل مع الخيال بسهولة اكبر من الواقع ويشعر ان الألعاب تكون طوع امره بعكس الاصدقاء ويمكن للآباء ان يشجعوا ابناءهم تدريجياً على رسم ما يتخيلوه على الورقة والتعرف منهم على الصفة الشخصية لهذا الرسم وكل لعبة في خيالهم وان يبدأوا تدريجياً بتحويلها الى واقع يمكن التعامل معه سواء من خلال خبرات حقيقية او قصص مكتوبة او افلام شاهدها الوالدان او حتى القيام بمساعدة الطفل في تمثيل خياله فتحول هذه الفترة التخيلية الى ابداعات يمكن اظهارها والتعامل معها دون خوف. حول هذا يقول ابو بكر حسين مؤلف كتاب الطفل والتربية بأن الطفل عندما يحس بكل ما حوله وبعد ان تنمو لديه الحواس في سن مبكرة يبدأ يتفحص العالم المحيط به بقصد التعرف عليه وعلى كل ما يحتويه وهنا لابد من ديناميكية الطفل وحركته ونشاطه وان الطفل الهادئ وقليل الحركة انما هو طفل يفتقر الى الحيوية وبالتالي الى الحياة والى الحركة والنشاط والديناميكية والى كل ما يجعله طفلاً متكاملاً لان الحركة والانطلاق تجعل المعلومات سائغة يلتقطها الطفل وهو في حالة المرح والسرور وتجعل عقل الطفل مستعداً لاقتناص كل فكرة وهو منهاج من مناهج تقوية الشخصية.. كما ان الطفل قليل الحركة والهادئ جداً يحتاج بالتأكيد الى عناية خاصة وعاجلة ويجب ان نجعله يقفز ويتحرك ويتكلم مع نفسه لانه يحتاج الى مداعبة وتحريك من وقت لآخر ومن الضروري ان نجعله يتحدث عن نفسه عما شاهد وسمع عن كل الحيوانات والاشخاص وبمعنى آخر يحتاج الطفل الساكت والهادئ جداً ان نغرقه في الحياة وان نغرق الحياة فيه ان نغمره بالمرح والدعابة والانطلاقة.. ان حركة ونشاط الطفل مرحلة ضرورية لاستعمال النمو من وجهة وليتخلص الطفل من التوترات التي تعوق نموه النفسي من جهة اخرى وعندما يلعب ويتحرك الطفل فإنه يبذل جهداً وتعمل عضلاته ويعبر عن ذاته من خلال الحركة يمارس الطفل المهارات التي تعلمها ويثبتها كما يتعلم مهارات اخرى تعينه في حياته وعلى سبيل المثال عندما يلعب الطفل بالكرة يتعلم ويمارس المهارات اليدوية والبصرية والفكرية مما يساعده مستقبلاً في الاعتماد على نفسه وعندما يشترك الطفل في جلسات السمر والنشاطات التربوية يتعلم حب الجماعة والتعاون والاخاء والولاء للمجموعة ويضيف: الطفل الهادئ جداً والساكن يفتقد الكثير في طفولته مما يؤثر عليه في مستقبل حياته علماً بأن قدرات الطفل على اللعب تتطور وتنمو معه فهو عند الولادة لا يملك القدرة على اللعب ولكن بتشجيع من الام التي تمده بالحب والحنان والامان يبدأ في استكشاف ما حوله من ألعاب والوالدان هما اول من يمد الطفل بالافكار لكي يبدأ باللعب والتحدث. ويؤكد بأن على الوالدين البحث دائماً عن الصفات التي يتميز بها الطفل المبتكر ويحاول ان ينميها بشتى الطرق مثلاً قدرته على حل مشكلات تتحدى تفكيره بأسلوب جديد فهي ميزة يتميز بها الشخص المبتكر ويمكن تنميتها تدريجياً بأن نعطيه مشكلة يستطيع حلها ثم مشكلة غريبة عليه ولكن على قدر مستواه. ان مجال تفجير طاقات الاطفال وتنمية مواهبهم مهم جداً وبعض الناس يظنون انه اذا حقق الطفل في تعبيراته الذاتية مستوى أعلى من سنه دل ذلك على انه موهوب وانه كلما ضحى بطفولته في سبيل اكتساب مواصفات سن اعلى دل ذلك على مقدرة ونضج مبكر والحقيقة ان الطفل الذي لا يعيش سنه يحرم من مقومات هذا السن واذا ألزمنا هذا الطفل بمقومات السن الآخر ويفقد شخصيته ويرسم الرسوم المفتعلة ولا شك ان السن له طبيعته المميزة. الطفل بأسرة مترابطة ويشير الدكتور احمد السعيد يونس مؤلف كتاب «طفلك في عامه السادس» بأن الطفل يتحدث كثيراً مع نفسه ويتحدث معنا وان كان لا ينتظر عادة الرد او التعليق ولكن مع نموه فإنه اصبح الآن عندما يتكلم معنا دائماً ينتظر الرد او التعليق على ما يقوله كما قلل من الكلام مع نفسه واصبح كلامه موجهاً الى شخص يراه ومع قدرة الطفل على استعمال الكلمات ولأنه مقلد كبير فإننا سنجد انه قد يستعمل كلمات خارجة وبذيئة تقليداً لزملائه وكذلك قد يقلد الطفل لهجة معينة حسب المحيطين به والواقع ان المدرسة هي فعلاً المكان الذي يتعلم فيه الطفل وينمي مداركه ومعلوماته المختلفة ولكن المكان الأساسي الذي تتشكل فيه قدرة الطفل على التعلم هو المنزل والافراد المؤثرين فيه هم الأهل اكثر بكثير من المدرسات والمدرسين فقد لوحظ بأن المنزل والأهل هم العنصر الفعال في تنمية القدرات العقلية للطفل وتفتيح مداركه الذهنية بينما المدرسة والمدرسات هم العنصر الذي يعطي الطفل الفرصة للتعلم ويثير اهتماماته المختلفة فالطفل الذي ينشأ في اسرة مترابطة يتحدث اهلها كثيراً فيما بينهم ويتناقشون في مختلف الامور مع وامام طفلها وتحيطه بالرعاية والحنان هذا الطفل عادة مستوى ذكائه وقدرته على تحصيل العلم اعلى بكثير من الاسرة المفككة الصامتة والتي لا تعطي طفلها فرصة المناقشة والكلام ولكن يحسن هنا ان نوضح ان كثرة الكلام والمناقشة يلزم لها ان يشارك الطفل فيها ولو بكلمة وان يسمح له بالكلام بين افراد الاسرة الاكبر منه وان يعبر عن رأيه فالأسرة كثيرة الكلام التي تمنع الطفل من الكلام معها لأنه صغير ولا يفهم شيء وتكثر من تأنيبه على كل ما يقول بدلاً من تشجيعه فإنها تحول صغيرها الى طفل منطو حتى في المدرسة كنتيجة لاحساسه بالنقص وعدم الكفاءة. الطفل الوحيد كانت لنا هذه اللقاءات مع عدد من اولياء الامور.. تقول كيري «ربة منزل»: انا لدي طفل واحد عمره اربع سنوات وبما أنه طفلي الوحيد وفرت له كل الألعاب اليدوية والالكترونية والدمى وغيرها ودائماً عندما ادخل غرفته اجده يلعب مع العابه بمفرده ويصرخ ويتكلم معهم وكأنهم بشر يتشاجر مع دمية ويقبل الاخرى وهكذا اجده يتنقل بين الألعاب ويحاورهم وفي بداية الامر كنت مكتئبة ومتخوفة نتيجة هذا السلوك واستشرت عدداً من الأطباء ليرشدوني نحو الطريق الصحيح وكيفية السيطرة على هذا السلوك وكنت دائماً ألوم نفسي لأني لم انجب له اخاً او اختاً لكن بعد كلام الاطباء تغيرت كثيراً واحسست بأن الذي يبدر من طفلي من سلوك هو أمر طبيعي بل وشيء مطلوب لتنمية قدرات الطفل الذهنية والعقلية ويعيش في عالم الخيال القريب من الواقع.. فليس كل ما يشاهده الطفل في هذا الواقع يجب ان يفعله بل هناك اشياء يجب ان يتخيلها الانسان وعليه ان ينمي قدراته العقلية والذهنية بهذا الخيال الواسع.. ولذلك نجد ان الكثير من التربويين ينصحون الاهل بضرورة توفير قدر من الافلام الخيالية المنسجمة مع الواقع وعرضها على اطفالهم لمشاهدتها والاستفادة من القدرات الخيالية الموجودة فيه بشرط عدم الاسراف في مثل هذا الامر فكل شيء لو زاد عن حده انقلب ضده فلو زادت الجرعة الخيالية قليلاً لانقلبت الموازين ويبدأ الطفل يعيش في عالم الخيال تاركاً الواقع على هامش حياته وبالتالي مثل هذا الطفل يكون سلبي بالدرجة الاولى. قسوة الأهل جوليان «ربة منزل» تقول: حديث الطفل مع نفسه امر طبيعي في حالة لو كان الطفل تحت سن السابعة فهو في هذا العمر الصغير لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال ويبدأ يحلم ويثرثر ويكلم نفسه خاصة لو لم يجد حوله من يسمعه وهناك الكثير من الأهالي والاسر يحاولون اجبار ابناءهم على الصمت وعدم التحدث خاصة عندما يكونون منشغلين وهذا امر خاطئ بنظري وبنسبة 100% ومثل هذه السلوكيات غير المنطقية الصادرة من اولياء الامور تربك حال الطفل وتجعله طفل غير سوي فبدلاً من ان يتجه الأب او الأم لتقوية الحدس عند الطفل ومحاولة تنمية قدراته العقلية والاجتماعية والنفسية والعاطفية يتخذ اشياء وطرق غير سوية لتعليم طفله فهو عندما يطلب من الطفل السكوت في الوقت الذي يكون فيه مشغول ويكون طفله بحاجة للكلام نجد ان هذا الشيء سينمي لدى الطفل الاحساس بالنقص والشعور بالانتقاص كلما تكلم امام والده او والدته وسيتردد في كل مرة يرغب فيها الكلام مع والده.. هذا امر خطير وعلى اولياء الامور تدارك مثل هذه الامور حتى يسهموا في خلق جيل واع متفهم وسليم وخالي من الامراض والعيوب والعقد النفسية. ابناؤنا فلذات اكبادنا علينا اتباع الحذر عند التعامل معهم والطفل الصغير كائن بشري من حقه علينا ان يعبر عن كل ما يدور في خلده ومن واجبنا نحن الاباء الانصات اليهم حتى لا ينطوي الطفل على نفسه ويبدأ يتحدث مع نفسه وكأنه انسان مجنون لا يعرف ماذا يريد يسأل ويجيب على نفسه. عمر الطفل عمر يوسف «موظف» يقول: انا اب ولدي ابناء صغار وكبار ولم اشاهد ابداً اي طفل من اطفالي وهو يتكلم مع نفسه والسبب لان ابنائي دائماً محاطين بأصدقاء واذا غاب الاصدقاء وجدوا الأب والأم حولهم ولا نترك اي فرصة لأي طفل بأن ينكب على ذاته ويفكر ويحلم بمفرده دون ان يعبر عما يدور بخلده من مشاعر واحاسيس لاخوانه او لاصدقائه او لوالديه وهذا هو الاسلوب الأمثل لتربية الابناء وتهذيبهم وتنمية قدراتهم البدنية والعقلية والنفسية والعاطفية والاجتماعية ويضيف: الطفل تحت العشر سنوات يحتاج لاهتمام بالغ من والديه اكثر من المراهق فهو في هذا السن لا يعرف الصح من الخطأ ويعيش بداخله صراعات ويحاول السيطرة عليها بشكل او بآخر فأحياناً ينجح وأحياناً يفشل. ان مسئولية الأب والأم كبيرة في توجيه الطفل وحل كل الصراعات الداخلية وتقوية الحوار مع الطفل حتى لا يشعر في هذا العالم انه وحيد ويعيش بمفرده. عدم الانصات يحيى محمد عثمان «موظف» يقول: الطفل مخلوق صغير ويسعى دائماً الى البحث والتنقيب والتفتيش واذا لم يستطع اشباع هذا الفضول يبدأ يكلم نفسه و كأنه ضائع في هذه الدنيا لا يعرف شيئاً وسبب التحدث لنفسه ايضاً هو معرفته المسبقة بأن الام او الاب لن ينصتا اليه اذا تحدث معهم حول امر معين او قد يتجاهله الكبار من الاشقاء لذلك يسأل نفسه لماذا حدث هذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ أسئلة يجيب عليها وفق وجهة نظره وطريقة تفكيره في هذه الحياة. ويضيف: لقد شاهدت ابنة اخي وهي تكلم الألعاب (الدمى) عندما تلعب معهم بمفردها في الحجرة وحاولت التقرب إليها في هذه الفترة لكنها لم تبالي بي واستمرت بالكلام مع الدمى.. وعلى الرغم من هذا السلوك المفاجئ الا انني كنت اضحك في كل مرة تتصرف فيها الصغيرة بهذه الصورة.. لكن لم اشعر بخوف تجاه هذا التصرف الطفولي فأتصور اني عندما كنت طفلاً كنت اكلم نفسي وأكلم الدمى والألعاب لكن الأمر مختلف تماماً الآن عندما كبرت. بين «ربة منزل» تقول: تحدث الاطفال لأنفسهم امر طبيعي جداً وليس مرضاً نفسياً بل هذا يدل على ان الطفل عبقري وذكي جداً لأنه استوعب الدنيا وما فيها ويحاول تفسير كل ما يدور حوله ويشرح لنفسه بأن ابي قال هذا الشيء وأمي تصرفت هكذا وأخي ضرب صديقه ويبدأ في وقت اللعب مع ألعابه ودماه ترتيب كل الامور التي حدثت في يوم معين فلو شاهد والده يصرخ ويضرب ويمارس العنف فحتماً سيتصرف الطفل مع ألعابه بنفس الطريقة يضرب اللعبة ويكسرها ويصرخ تماماً كما فعل والده الأمس وهذا السلوك الذي يصدر من الكبار ينعكس سلباً وايجاباً على اطفالهم لذلك ينصح التربويين بعدم التشاجر او الصراخ امام اطفالهم فالطفل سريع التأثر بما يشاهده من الوالدين.. وتضيف: انا لدي طفل وحيد ولم اشاهده ابداً وهو يتكلم مع نفسه او مع ألعابه لكني شاهدت اطفال اختي واطفال اخي وهم يتكلمون مع انفسهم ولم اعرف السبب لكني اخبرت والداه بتصرفه ولم ينزعجا ابداً بل ضحكا لان الامر طبيعي ولا عقد فيه.. وتقول: احياناً حديث الطفل مع نفسه يقوي حاسة التفكير لديه.. ويبدأ يتخيل ويفسر الامور بدقة وحذر وبالتالي يتصرف شيئاً فشيئاً كالكبار.. وهذا شيء ايجابي فلابد ان نترك مساحة للطفل ليفكر ويحلل ويستنتج ويقرر بأن هذا شيء جيد وآخر غير مقبول.. مرض التوحد حول هذا التقينا بالدكتور علي الحرجان اختصاص الطب النفسي يقول: عندما يتحدث الأطفال مع انفسهم ويتكلمون مع ألعابهم ويسمونها بأسماء شبيهة بأصدقائهم.. فهذا امر طبيعي جداً بل ويدل على ذكاء هذا الطفل وقدرته على التخيل وخلق حوار مشترك مع من حوله لكن لابد الحذر هنا من اسراف الطفل في عالم الخيال والابتعاد عن الواقع لفترات طويلة فالتوازن بين الواقع والخيال مطلوب وترك الطفل يعيش في عالم الخيال امر سيء للغاية وله عواقب وخيمة فالخيال هو مجموعة من التمارين الذهنية تساعد على تنشيط الذهن ونمو الخلايا العصبية وتطورها.. وهذا الامر مطلوب لكن بدون الاسراف فيه فالطفل الذي ينطلق ويبحر في الخيال من الصعب عليه التعايش مع الواقع والتعامل مع من حوله بشكل سليم والاسراف بالخيال مؤشر لوجود اضطراب عقلي لدى الطفل وخير مثال على ذلك «مرض التوحد» فطفل التوحد من علاماته البارزة هي الانغماس في عالم الخيال وخلق عالم خاص به يفكر ويبتكر ويناقش الامور ويتحاور مع نفسه ومع مجموعة من الافراد الذين يتخيلهم في عالمه الصغير (الخيالي) لذلك نجده دوماً سلبي في التعامل مع من حوله ويرفض اللعب مع الصغار والتحاور مع من حوله من الكبار.. ولا يقبل آراء من حوله ويتصرف بشكل مخزي للغاية.. ويضيف علي لابد الانتباه لهذا الطفل الذي يتكلم مع نفسه فربما يعاني من مشاكل نفسية واجتماعية ويشعر بالخوف والكآبة والشعور بالنقص ومثل هذا الطفل يحتاج لمشورة الطبيب النفسي ووصف العلاج المناسب له.. فهذا الطفل يسعى جاهداً للهروب من الواقع المرير ربما لوجود مشاكل بين الأم والأب وعدم قدرته على السيطرة اثناء اندلاع المشكة ونجد عقل الصغير لا يستوعب الا القليل ولذلك يفسر الامور بشكل خاطئ ويحكم على هذه السلوكيات بشكل غير منطقي فعلى الوالدين الابتعاد قدر الامكان عن الاطفال عند وقوع مشاكل بينهما حتى لا يتأثر الطفل بهذه المشاكل ويشعر بخيبة امل في هذه الدنيا ويبدأ في الهروب بالعالم الخيالي

Email