احتشاء القلب مرض يمكن الوقاية منه

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يكاد يمر يوم إلا ويدخل وحدة العناية القلبية المركزة، شاب في الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمره، وقد أصيب بجلطة (احتشاء) في القلب. وتخرب الجدار الأمامي أو السفلي من قلبه، وحدث عطب في القلب قد يتحسن ولكن ربما لا يشفى منه تماما. ومرض شرايين القلب الذي يصيب الشرايين المغذية لعضلة القلب بالتضيق أو الانسداد، هو القاتل الأول في أمريكا وأوروبا. وليس هذا فحسب، بل إن ذلك الوباء الذي اجتاح العالم الغربي قد امتد إلينا، وزاد انتشار هذا المرض في بلادنا العربية يوما بعد يوم، حتى أصبح مرض العصر عندنا يصيب شبابنا ونساءنا، يفتك بالبعض، ويترك آخرين عرضة لمزيد من النوبات القلبية إذا لم يعالج معالجة حكيمة. ويظهر مرض شرايين القلب التاجية بصورتين، الأولى : وهي ما يسمى «الذبحة الصدرية» حيث يشكو فيها المريض من ألم عند القيام بجهد ما، ويزول ذلك الألم عند التوقف عن الجهد، والسبب في هذا عدم قدرة شرايين القلب على تأمين كمية كافية من الدم لعضلة القلب أثناء الجهد بسبب تضيق في مجرى تلك الشرايين. (وأما الصورة الأخرى فهي ما يسمى بـ «جلطة (احتشاء) القلب»، حيث يشكو المريض عادة من ألم شديد في منتصف الصدر يستمر عادة لأكثر من نصف ساعة، ويترافق بتعرق شديد، وغثيان وشحوب. والسبب في ذلك هو انسداد أحد شرايين القلب بخثرة مما يمنع وصول الدم تماما إلى جزء من عضلة القلب، كان يروى بذلك الشريان، وقد يتخرب هذا الجزء من العضلة تماما ما لم يعط المريض العلاج الذي يحل جلطة القلب في أسرع وقت ممكن بعد حدوث الألم الصدري، أو يفتح ذلك الشريان المسدود بواسطة بالون خاص محمول على قسطار، ويتم ذلك أثناء إجراء قسطرة قلبية فورية في الساعات الأولى من حدوث جلطة القلب. وقد لا يكون ذلك متوفرا إلا في مراكز قلبية محدودة. ومن هنا كانت أهمية الإسراع لنقل المريض المصاب بجلطة القلب فورا إلى أقرب مشفى، فكل دقيقة لها أهميتها عند ذلك المريض. ولعل البعض يتساءل ما هي أسباب تضيق أو انسداد شرايين القلب التاجية؟ والحقيقة أن هناك عوامل هامة تهيئ لإصابة المرء بالذبحة الصدرية أو جلطة القلب. فالتدخين سبب رئيسي في إحداث هذا المرض، وهو مسئول عن كثير من حالات جلطة القلب خاصة عند الشباب. وارتفاع كولسترول الدم عامل هام جدا، وارتفاع ضغط الدم غير المعالج أيضا يعتبر أحد أهم العوامل المهيئة لهذا المرض. وهناك عوامل أخرى تساعد في إحداث هذا المرض وهي مرض السكر والبدانة وعدم القيام بنشاط بدني، والتعرض للضغوط النفسية، ووجود قصة لهذا المرض عند الوالدين أو الأخوة والأخوات، وغيرها. ولا تنتهي الحكاية عند هذا الحد، فهناك أبحاث حديثة تلقي الضوء على عدد آخر من العوامل المسببة لهذا المرض. فما هي تلك المستجدات؟ ازداد اهتمام الباحثين حديثا بموضوع الهوموسستين، ومدى علاقته بحدوث مرض شرايين القلب التاجية، وخاصة في سن مبكرة من العمر، وراح كثير من الناس في أمريكا يسألون الأطباء فحص مستوى الهوموسستين في دمائهم، للتأكد من عدم وجود ارتفاع في مستواه. والهوموسستين حمض أميني مشتق من تحطم حمض أميني آخر يدعى الميثيونين، وهو حمض أميني طبيعي يوجد كوحدة بناء في كل بروتينات الغذاء. ويمكن له أن يدمر جدران الشرايين إذا ما سمح له بالتراكم في دم الجسم أو أنسجته. ومن المعروف أن هناك مرضاً يدعى بيلة الهوموسستين، وهو مرض وراثي نادر يرتفع فيه مستوى الهوموسستين إلى عشرة أضعاف معدله الطبيعي، ويتميز المرض بتخلف عقلي خفيف، وعدسات أعين في غير موضعها الطبيعي وقامة طويلة. ويترافق هذا المرض بحدوث تصلب مبكر في شرايين القلب التاجية وشرايين الدماغ والأطراف، ويموت الكثير من هؤلاء المرضى في طفولتهم من جلطات في القلب أو في الدماغ. إلا أن الجديد في أمر الهوموسستين هو أن الدراسات العلمية الحديثة قد أثبتت أن الارتفاع المعتدل في مستوى الهوموسستين في الدم يزيد من خطر حدوث تصلب شرايين القلب والدماغ والأطراف دون أن يكون هناك مرض «بيلة الهوموسستين». فقد أكدت دراسة تحليلية نشرت في مجلة «جاما» الأمريكية عام 1997 وشملت 27 دراسة طبية، أن كل ارتفاع بمقدار 5 ميكرومول/ل في مستوى هوموسستين الدم يزيد خطر حدوث مرض شرايين القلب التاجية بنسبة تصل إلى 60% عند الرجال، و80% عند النساء. وأكدت الدراسات العلمية أيضا أن ارتفاع مستوى الهوموسستين في الدم يتناسب عكسيا مع كمية حمض الفوليك وفيتامين ب6 وفيتامين ب12 المتناولة في الطعام. ومن المؤكد أن العلاج بحمض الفوليك والفيتامين ب6 وب12 يخفض مستوى الهوموسستين في الدم، إلا أنه لا توجد في الوقت الحاضر دراسات تثبت أن مثل هذا العلاج يخفض احتمال حدوث مرض شرايين القلب. وتوصي جمعية تصلب الشرايين العالمية بضرورة قياس مستوى الهوموسستين عند الذين يصابون بمرض شرايين القلب التاجية وهم في سن الشباب. كما ينبغي قياس مستواه عند المرضى الذين أصيبت شرايينهم بتصلب الشرايين وأوردتهم بجلطات في الأوردة. وجهت حديثا أصابع الاتهام إلى عدد من الجراثيم التي يظن الباحثون أنها ربما تكون متورطة في إحداث مرض شرايين القلب التاجية. ومن أهم تلك الجراثيم المتهمة جرثومة «هليكو باكتر» والتي يعتقد أنها تسبب قرحة المعدة أيضا. وأكثرت بعض الدراسات ترافق تصلب الشرايين بالتهاب مزمن بهذه الجرثومة، وبجرثومة أخرى تدعى «الكلاميديا» وبفيروس يطلق عليه اسم «سيتوميفالوفيروس»، كما أظهرت الدراسات وجود هذه الكائنات الحية في اللويحات التي تضيق شرايين القلب التاجية، وعدم وجودها في شرايين القلب الطبيعية. ولا يعني هذا الترافق أن تكون هذه العوامل بالضرورة وراء حدوث تصلب الشرايين، إلا أن الالتهاب المزمن بإحدى هذه الجراثيم يمكن أن يحول اللويحة العصيدية المترسبة على جدار الشريان التاجي والمضيقة للشريان إلى لويحة غير مستقرة، وهذا ما يؤدي إلى تمزق تلك اللويحة وحدوث جلطة القلب أو الذبحة الصدرية غير المستقرة. ويجرى حاليا عدد من الدراسات الكبيرة التي تبحث دور المضادات الحيوية في علاج جلطة القلب أو الذبحة الصدرية غير المستقرة. وحتى ظهور تلك النتائج نظل في حالة ترقب وانتظار، فربما يأتي اليوم الذي تدخل فيه المضادات الحيوية علاج مرضى جلطة القلب. الفيبرينوجين هو أحد بروتينات البلازما. ويزيد الفيبرينوجين من لزوجة الدم، وتجمع الصفيحات، وتشكل جلطة في الشرايين. وتؤكد الدراسات الحديثة أن ارتفاع مستوى الفيبرينوجين في الدم يعطي مؤشرا يتنبأ بحدوث مرض شرايين القلب عند الأصحاء، أو نسبة الوفاة من جلطة القلب. ولا يعرف حاليا فيما إذا كان خفض فيبرينوجين الدم يمكن أن يقلل من خطر حدوث مرض شرايين القلب أم لا. وبانتظار نتائج الدراسات، فإن إيقاف التدخين والقيام بتمارين رياضية منتظمة تؤدي إلى خفض حقيقي للفيبرينوجين في الدم، وتقلل بالتأكيد من خطر حدوث مرض شرايين القلب. يعتبر ارتفاع الدهون الثلاثية (التريغليسريد ) في الدم عاملا هاما من العوامل المهيئة لحدوث مرض شرايين القلب التاجية. فقد أظهرت دراسة نشرت عام 1998 وشملت 46000 رجل و10000 امرأة أن كل زيادة في نسبة التريغلسريد في الدم بمقدار 1 ميليمول/ل تترافق بازدياد خطر حدوث مرض شرايين القلب بنسبة تصل إلى 37% عند الرجال و14% عند النساء. أظهرت دراسة حديثة نشرت في شهر مارس 2000م أن التعرض المديد للضغوط النفسية يزيد معدل حدوث مرض شرايين القلب التاجية بنسبة تزيد على الضعف. وقد أظهرت دراسة وايت هول التي نشرت حديثا أن العوامل المعروفة المهيئة لمرض شرايين القلب من ارتفاع الكولسترول وارتفاع ضغط الدم والتدخين وربما لا تستطيع تفسير كل الوفيات الحادثة من مرض شرايين القلب. ومن المؤكد أن الضغوط النفسية تلعب دورا هاما في إحداث مرض شرايين القلب. والحقيقة أنه يصعب قياس الضغوط النفسية مثلما نقيس مستوى الكولسترول أو ضغط الدم. ومع ذلك فهناك دلائل قوية من خلال دراسات أجريت على الحيوانات والإنسان تؤكد أن التعرض المديد للضغوط النفسية يحرض تطور مرض شرايين القلب. د. حسان شمسي باشا

Email