36 مليون حامل لفيروس الايدز

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان 2: يرجع السجال الساخن الذي يدور حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية الناشئة بسبب مرض الايدز الى سنوات طويلة، وتحديداً حينما اعلنت مراكز الوقاية الامريكية في يونيو 1981 اول انذار من هذا المرض الجديد. ففي ذلك الشهر أصدرت وكالة مراكز الوقاية هذه تحديداً حول اكتشاف مرض مناعي غير معروف من قبل وجد عند «خمسة أفراد اصحاء سابقاً من دون أن تظهر عليهم أعراض العجز المناعي المعتادة». وبعد ذلك بعام واحد صيغ اسم «الايدز» لهذا المرض من عبارة «مرض نقص المناعة المكتسبة». وحينما كان المرض يأخذ لنفسه أبعاد الوباء بدأ باكتساح دول اصبحت الجوائح الوبائية فيها شيئاً من التاريخ. وأضاف المرض دليلاً اخر على المفهوم غير المؤكد سابقاً القائل بأن سلالة غريبة من الفيروسات تدعى الفيروسات الارتجاعية التي توجد في الحيوانات على الأغلب يمكن ان تصيب البشر بعدواها وتسبب لهم الامراض. كما ان ذلك اثبت المعطيات المتزايدة حينها، التي تشير الى ان الفيروسات يمكن ان تسبب السرطانات عند البشر. وبعد ذلك بحوالي 20 عاماً يقول روبرت جالو، رئيس مؤسسة معاهد الصحة القومية الامريكية، التي اكتشفت فيروس المناعة البشري المعروف اختصارا باسم «اتش آي في» عام 1984: «اننا نعرف من الحقائق حول فيروس اتش آي في اكثر مما نعرف عن اي فيروس او جرثومة تمت دراستها على الاطلاق». لكن حتى الان لاتزال الآلية الدقيقة التي يسبب فيها الفيروس هذا المرض عصية على فهم العلماء. ويبدو فيروس «اتش آي في» بحد ذاته كائناً مليئاً بالمتناقضات. فهو قادر على هزيمة نظام المناعة عند الانسان، لكنه كائن ضعيف وهش للغاية، اذ فيما تستطيع فيروسات الزكام ان تبقى نشطة وحية على الأيدي او مقابض الابواب لعدة ايام، فان مجرد التعرض للهواء يمكن ان يجفف ويقتل فيروس «اتش آي في» في غضون ساعات او حتى دقائق. بل ان مجرد ملامسته للكحول او الماء المعقم بالكلور تقتله. وبمقدور الصابون العادي ان يحيده عبر تفكيك الروابط الكيماوية بين عناصر الشحوم او الدهون في بنيته. ولان حالات قليلة جداً عن انتقال عدواه بطريق الفم قد تم اكتشافها، فقد استنتج العلماء ان المركبات المضادة للفيروسات الموجودة في اللعاب والاحماض المعوية التي تحمينا من مجموعة كبيرة من الجراثيم هي مركبات فاعلة جدا ضد فيروس «إتش آي في»، اذا ما كان بتركيزات منخفضة. غير أن الفيروس ما ان يتمكن من دخول الجسم فانه يهاجم خلايا المناعة المسماة خلايا «تي» وهي الخلايا ذاتها المفترض انها ستقاومه. يقول جاري نايبل رئيس مركز بحوث لقاح الايدز الامريكي: «تصور أنك تريد اقتحام حصن. هل يعقل ان تبدأ بالتفجير والتدمير وأنت لاتزال خارج أسوار الحصن؟ لا، بالتأكيد. عليك أولا التسلل بهدوء وصمت وتخترق الجزيئات الدفاعية وتقبع في الداخل. ثم تبدأ بعد ذلك بنشر نفسك في الداخل عبر انتاج نسخ كثيرة منك. ثم حين تتاح الفرصة وتتوفر الكثير من الملهيات للمدافعين تعلن عن وجودك بقوة عبر هجوم كاسح». عدو مدمر يضيف نايبل: «هذا هو ما يفعله الفيروس. وهذا ما جعله فيروساً ناجحاً من منظوره وعدواً مدمراً وخبيثاً من منظورنا» يبقى «اتش آي في» قابعاً داخل الجسم لمدد تتراوح ما بين ثماني وعشر سنوات حيث يتكاثر بسرعة تجعله خفياً عن عيون خلايا المناعة، وينتظر. وأخيراً يجد نظام المناعة نفسه ضحية هجوم لا يستطيع مواجهته وتصبح أيام المريض معدودة. واليوم يقول الاختصاصيون أن هناك حوالي 36 مليون شخص حول العالم يحملون فيروس «إتش آي في». وفي كل 24 ساعة يصبح 15 ألفاً آخرين مصابين بالمرض فيما يموت مقابلهم 8 آلاف مريض يومياً نتيجة لهذا المرض. ومرضى الايدز يتعرضون لموت لا يعرف الرحمة حيث تسمح أنظمتهم المناعية المعاقة لامراض يمكن علاجها ان تتحول الى أمراض قاتلة. ومن افريقيا الى تايلاند الى روسيا وغيرها من أنحاء العالم، يعاني المرضى من دون امل من الحمى والاعياء الشديدين فيما رئاتهم تملؤها سوائل الجسد. وتبرز على اجسادهم قروح واسعة وعميقة في الحنجرة او الرقبة او العانة. وفي الحالات المتقدمة من المرض يبدأ الجهاز العصبي بالتدهور، تاركاً الضحايا غير قادرين حتى على إغلاق عيونهم او أفواههم، وفي الحالات الشديدة تصبح النهايات العصبية حذرة او مضطربة، وكأن المريض يتعرض للوخز بألوف الابر. كما ان الايدز يحرم الدماغ من وظائفه المعرفية ويسلب الجسم من البروتينات. ويبدو المريض في العشرين من عمره وقد تحول الى عظام يكسوها جلد وكأنه في السبعين. وحتى حين بلوغ تلك المرحلة قد يبقى المريض منتظرا الموت طوال أسابيع او حتى شهور اخرى. لقد قتل الايدز عام 2000 ثلاثة ملايين شخص في العالم. والوباء مازال ينتشر بشكل يجبر العالم على رؤية ما لا يرغب في رؤيته من حقائق. فهذا المرض الذي ظهر بداية بين مجموعات محددة من البشر هي المشتغلات في البغاء ومن يعاشرهن ومستخدمي المخدرات والشاذين جنسياً أصبح الان يتجاوز هذه المجموعات. فالفقر في العالم الثالث او اوروبا الشرقية او غيرها يمكن ان يدفع بالكثيرين نحو الرذيلة والمخدرات. والدول الغنية غير مهتمة بدعم السياسات الصحية خارج دولها. ان 94 في المئة من مرضى الايدز موجودون الان في دول العالم الثالث حيث لا تتوفر لهم او لغالبيتهم العظمى الادوية المتاحة لغيرهم لمقاومة المرض. وعلى الرغم من ان هذه الادوية لا تمنع العدوى فإنها تخفف من معدلات الفيروس داخل الجسم وبالتالي تقلل نسب العدوى. كما أن الكثير من الخبراء يقولون ان الادوية حينما تتضافر مع برامج الوقاية يمكن ان تخفف سرعة انتشار المرض في الدول الفقيرة. لكن اين هي الادوية الغالية جداً هذه؟ جلال الخليل

Email