العنصرية في اوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: نيل ماكماستر، مؤلف هذا الكتاب، هو كبير المحاضرين في السياسات الاوروبية بجامعة ايست انجليا نشر العديد من الدراسات والمقالات حول المسائل الاوروبية الراهنة، وخاصة عن تاريخ ظاهرة العنصرية في الصحف والدوريات الامريكية والعالمية. وهذا الكتاب هو عمله الاول. يدرس المؤلف في هذا الكتاب «العنصرية في اوروبا» تاريخية الظاهرة في القارة القديمة وتشعباتها وتبديلاتها المختلفة ومسارها التطوري اعتباراً من عام 1870 وحتى نهاية القرن العشرين وبحيث يقوم بتقسيم تاريخي لهذه الفترة الى ثلاث فترات اساسية تتناظر مع اقسام الكتاب الثلاثة. تمتد الفترة الاولى من عام 1870 وحتى اندلاع الحرب الكونية الاولى 1914، وتخص الثانية فترة الحربين العالميتين وما بينهما 1914 ـ 1945 اما الفترة الثالثة والاخيرة فتخص سنوات 1945 ـ 2000. ان الغرض من هذا الكتاب ليس دراسة الاجناس والاعراف بل محاولة استكشاف تطور العنصرية من المتغيرات التاريخية الاساسية التي شهدتها المجتمعات الاوروبية الحديثة ـ الصناعية ـ خلال اكثر من قرنين من الزمن. لكن الخوض في مسألة العنصرية يتطلب بالضرورة ان يعطي تعريفاته لهذا المعنى. ومن هنا يؤكد المؤلف انه لا يمكن شرح معنى الاجناس عن طريق نظام علمي للتصنيف يقوم على الوسائل البيولوجية والوراثية، كما حاول ويحاول بعض المفكرين والسياسيين القائلين بالداروينية الاجتماعية، وانما ينبغي شرحه من منظور علم الاجتماع على اساس انه يعبر عن كيان اجتماعي خاضع لمجموعة من التطورات في ظروف سياسية اقتصادية واجتماعية وثقافية معينة. ولكن اذا كان من الواضح صعوبة بل استحالة ولا منطقية تحديد الفئات المختلفة للاجناس بالاعتماد على اشكال وجودها وتواجدها في الواقع، فإن المؤلف يؤكد حقيقة وجود ظاهرة العنصرية في المجتمع الاوروبي الحديث الذي اعتقد بامكانية تقسيم سكان العالم الى مجموعات بيولوجية مميزة: اسود وابيض واسيوي.. الخ. ان هذه التقسيمات تقوم باستمرار على اساس تراتبي بين المتفوق والدوني. وعلى الرغم من ان مثل هذه التفرقة لا تجد اي سند علمي لها، فإن العنصرية قائمة وموجودة وفاعلة، بل وتلقى في احايين كثيرة تشجيع الحكومات والجهات الرسمية في هذا البلد الاوروبي او ذاك. ان اشكال تبدي العنصرية الاساسية في اوروبا فتتمثل في صنعتين اساسيتين. الاولى هي عنصرية البيض ضد السود باعتبارهم «اقل ذكاء». والثانية هي العنصرية المعروفة تحت عنوان مناهضة السامية والتي اصبحت تعني في اوروبا مناهضة اليهود، وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية، وحيث ان هؤلاء اليهود انفسهم لا يتركون وسيلة لا يحاولون بواسطتها التذكير بأنهم مضطهدون، وبالتالي ينبغي على المجتمعات الاوروبية ان تصحح هذا الخطأ، باستمرار. ان التفرقة ضد السود تعود، كما يشرح المؤلف، الى الجذور التاريخية للعبودية وللغزوات الاستعمارية الاوروبية للقارة السوداء.. اما التفرقة ضد ذوي الاصول السامية ـ وتعني اليهود حصراً اذ ان العرب ساميين ولكنهم غير معنيين بها بالمعنى العرقي ـ فيعيدها لأسباب عقائدية تقوم على قاعدة تقاليد القمع المسيحية خلال القرون الوسطى. ومن الواضح ان نيل ماكماستر، ليس المحلل الوحيد الذي يقول بهذا التصنيف الثنائي، للعنصرية اذ ان معظم اعمال الاكاديميين المهتمين بالتمييز العنصري في اوروبا يقولون بتصنيف مماثل بين سود وبيض، ويهود وغير يهود، وكان اصطلاح اسود يعني في بريطانيا خلال عقود كثيرة وحتى فترة قريبة جميع الاقليات غيرالاوروبية من الكاريبي او اسيا، او افريقيا او حتى ذوي الاصول العربية، وذلك على اساس انهم عانوا جميعاً من نفس المشاكل في المجتمعات الاوروبية. لكن مؤلف هذا الكتاب يقصر تعريف الاسود على ذوي الاصول الافريقية او اولئك المنحدرين من اصول عرقية ترجع لعبيد امريكا. ويعيد المؤلف تنامي العلاقات بين السود والاوروبيين الى القرن الخامس عشر حيث كان الافارقة ينزحون بأعداد كبيرة من الساحل الغربي لأفريقيا. وحتى قبل بدايات تجارة الرقيق. وقد قوبلوا منذ البدء بآراء وتقييمات ذات طبيعة عنصرية مثل القول بانهم بلا دين او قوانين تحكمهم، هذا بالاضافة الى ان لون جلدهم قد ارتبط في اذهان الكثيرين بالليل الحالك، والموت والجحيم، باختصار لكل ما يرمز الى الشر.. وبكل الاحوال، ان ابشع الكليشيهات هي تلك التي تم الصاقها بالسود في امريكا والذين ازداد عددهم من 400 الف عام 1700 الى 2.4 مليون عام 1770. واذا كان المؤلف يؤرخ في هذا الكتاب لظهور المقولات العنصرية والتمييز العنصري في اوروبا ـ وامريكا، فإنه يدرس في الوقت نفسه ظاهرة بروز حركات مقاومة العنصرية التي جاءت بمثابة رد على استفحال الاضطهاد العنصري للسود، لقد رفعت هذه الحركات شعار المساواة في الحقوق مؤكدة انه اذا كانت سلوكيات بعض السود تتسم بالعنف فإن هذا يعود الى ظروف البيئة التي عاشوا فيها وليس لكون انهم غير متحضرين.. او ربما يعود الى الاستبعاد وليس الى كونهم سود البشرة، الامر الذي دفع البعض الى اعتبارهم بمثابة جنس لا يمكن مقارنته بالاوروبيين بأي حال من الاحوال. اما ظاهرة الانتشار الكبير للسود في اوروبا فانها تعود الى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مع تزايد الحاجة ليد عاملة رخيصة. غير ان المؤلف يعيد تواجدهم الى القرن الخامس عشر حيث وصلت اعداد منهم الى لشبونة.. بينما وصل آخرون في فترات لاحقة، وخاصة في القرن الثامن عشر، الى العديد من مدن فرنسا وبريطانيا وهولندا. وقد وصل عددهم الى خمسة آلاف في فرنسا وعشرين الفاً في بريطانيا.. كما تتواجد طائفة من السود في جبال القوقاز بالقرب من البحر الاسود يرجع اصلها في الغالب الى العبيد الاتراك.. وهي لا تزال موجودة حتى اليوم. غير ان اعداد السود تزايدت بشكل كبير خلال الحرب العالمية الاولى حيث استعانت بريطانيا وفرنسا بمواطنين من مستعمراتها للمشاركة في الحرب. وقد اعيد البعض منهم الى بلدانهم، بعد انتهاء مهامهم، بينما مكث العديدون في بريطانيا وفرنسا. ويكرس المؤلف العديد من صفحات كتابه لدراسة العنصرية خلال الحقبة النازية ويرى ان الايديولوجية النازية ورغم احتقارها لكل من هو ليس آري فقد كانت تنظر للسود كمجموعة ليست ذات قيمة تستدعي الاهتمام بها ومحاربتها، وذلك على الرغم من المفهوم العام المنتشر آنذاك في اوروبا بشأنهم والذي يتلخص بالقول ان الاسود هو انسان همجي، غير متحضر، محدود الذكاء، كسول لا يعمل بجدية، وغير نظيف، ويحمل العديد من الامراض، وله نزعات اجرامية واضحة. كانت اهتمامات النازية مركزة في ذلك الوقت على عنصر اخر يمثله العرق السامي. ويقول المؤلف بهذا الصدد ان عدداً من المؤرخين يرون ان كراهية اليهود تعد من تركات ارث عنصري، قد يعود الى اكثر من الفي عام وبالتالي اصبحت من مكونات الثقافة الاوروبية. واعتبر اخرون ان معاداة السامية انما هي نوع من الايديولوجية. وبكل الاحوال بدت الافكار المطروحة متناقضة في احيان كثيرة. اذ في الوقت الذي كان يقال فيه ان اليهود يمسكون بمفاتيح الرأسمالية انطلاقاً من مواقعهم وعملهم في البنوك والبورصات المالية نجد ان بينهم من تم اعتباره اشتراكياً ثورياً يسعى الى الاطاحة بالرأسمالية. كما كانت توجه لليهود تهم الترويج للمادية العلمية التي خربت الايمان الديني، هذا فضلاً عن انتمائهم الى مؤسسات شيطانية، تعمل في الظلام وبسرية مطلقة. وقد استثمرت تلك النظرة في اوروبا لمئات السنين رغم الثراء الكبير لليهود وسيطرتهم على وسائل الاعلام. والى جانب ما أسماه المؤلف بمعاداة السامية الاقتصادية والعقائدية، يشير الى انواع اخرى تبدّت بها هذه المعاداة مثل تلك المرتبطة بسوء اخلاق اليهودي وعلى انه شخص يسعى الى السيطرة على كل شيء بواسطة المال.. كما انه انسان جشع وعنيف ومتعصب.. الى جانب انه مجد وطموح وذكي وماهر. ويشير المؤلف الى ان هتلر كان يعتقد بتآمر اليهود وسعيهم من خلال الشيوعية والماركسية الى تحقيق مشروع عالمي، كما كان يرى ان الثورة الروسية بمثابة تمهيد لنشر مبادئ الشيوعية في العالم اجمع.. كذلك كان الفوهرر يخشى من اختلاط اليهود بجنسه المختار، الآري، باعتبار ان ذلك يشكل خطراً على الشعب الالماني. ومع تركيز المؤلف على قضيتي العنصرية ضد السود وضد السامية، فانه يتحدث ايضاً عن حركات مماثلة نشأت في اوروبا حيال اقليات عديدة مثل معاداة الصربيين لاهل كوسوفو والروس للشيشان. ويرى المؤلف في هذا السياق ان التحول السياسي الراهن الذي تشهده اوروبا والاندماج بين بلدانها سيزيد من ايجاد تيارات عنصرية. ذلك ان تحول اوروبا الى ما يسميه بالقلعة الاوروبية. وتوحيد القوانين وفتح الحدود، انما هي امور ستزيد من التمييز بين «نحن الاوروبيون» و«الاخرون» ومما سيخلص الشعور بوجود اوروبا متحضرة، وبلدان اخرى اقل حضارة، وهذا سيخلق بدوره توترات داخل بلدان الاتحاد الاوروبي بسبب الاقليات التي شعر على نيل حقوقها التي تكفلها لها القوانين الدولية بل والاوروبية نفسها. وهناك ايضاً افق تزايد اعداد المهاجرين من بلدان قصيرة سيواجهون بدورهم كليشيهات عنصرية جاهزة عنيفون، وكسالى وذوو ميول اجرامية.

Email