مقاصد السور ـ سورة النمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحمد لله المحمود بطاعته المرهوب من عذابه وسطوته، وصلى الله على رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، سورة النمل من السور المكية وعدد آياتها خمس وتسعون آية وهي السورة الثامنة والأربعون في عداد نزول السور، نزلت بعد الشعراء وقبل القصص وجاءت افتتاحيتها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه وعلو معانيه في الحرف المقطعة وسورة النمل من السور التي أخذت مضرب الأمثال وفي ذلك دلالة على أهمية ربط العنوان (النمل) بالمضمون الذي يتخذ منه دروس وعبر للناس كافة لأن مقاصد أسماء السور توضح معادلة الاسم على المسمى وفي ذلك توجيه من رب العالمين لعباده ان تكون هذه الحشرة محل نظر وتوقف لمعرفة ما هو المراد منها ومن قصصها التي جاءت بها، ومن خلال ما ذكر مع نبي الله سليمان عليه السلام وفي الآية 18 من سورة النمل والتي وضحت مجيء سليمان عليه السلام وجنده الكثيف من فوق على وادي النمل قالت نملة لها حق الامارة على النمل، قالت: ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم ويحطمنكم سليمان وجنده بأرجلهم وهم لا يشعرون بكم لصغر حجمكم وسيركم وسط الرمال، فتبسم سليمان ضاحكاً من قولها حيث وصفت جنده بأنهم لا يعمدون إلى الشر، ولا يشعرون بعملهم له، ولا شك ان هذه النعم وخصوصا فهم سليمان عن النملة يقتضي منه الشكر والحمد لله فقال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وهذا المثل مدعاة للتفكر والتعجب لماذا لأن النمل كما نعرف حشرة غير ضارة وهي كما هي معروفة ليس لها قوة فلماذا كانت عنوان لسورة عظيمة ذكر فيها عدد من الأنبياء وعدد من الحيوانات هي أكثر قوة من النمل، لماذا لم تكن عنوان للسورة وخاصة الهدهد الذي كان داعية للإسلام لبلقيس وقد تطرح أسئلة كثيرة حول الموضوع، ولكن نقف حول النملة ولماذا أخذت عنوان السورة، نرى في ذلك ان المقصد هو توجيه البشر إلى أمر عظيم وهو ان الله يضع سره في أضعف خلقه، وانكم يا بني آدم تعلموا من هذه النملة كيفية المحافظة على روح الجماعة وكيفية احسان الظن بالآخرين، وان هذه النملة كانت نيتها حسنة في جنود سليمان فهذا الفهم جعل سليمان يتبسم مما دعاه لشكر الله تعالى على هذه النعمة، فكم نحن في حاجة إلى توجيهات هذه النملة وأن نحسن الظن بالمسلمين لأن النملة قالت وهم لا يشعرون يعني برأتهم من العمد ووجدت لهم سبباً غير متعمد في أذية النمل، فهل عقل المسلمون اليوم وفهموا الحياة كما فهمت النملة؟ إذن هذه النملة حملت سر الاسم الذي شرفها ان يكون ذكرها في القرآن الكريم ووصفها بوصف المدح والثناء حيث انها خافت على من هي مسئولة عنهم ولكن اليوم كم من الرجال يضحون بأبنائهم في أتفه الأسباب وبل قد يتحاملون عليهم ويضعون لهم الشباك حتى يبقون تحت أرجلهم راكعين ولكن هذه النملة كانت خير قائد لجنسها، فهل نتعلم منها ما يضبط مسار حياتنا اليومية، ونأخذ الدروس والعبر من هذه السورة التي وضحت في آياتها المعجزة والمتحدية بما فيها من أخبار الأنبياء عليهم السلام والاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي، وهو ملك داود وملك سليمان عليهما السلام وما بلغه من العلم بأحوال الطير، وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة، ثم ذكرت السورة، أشهر امة في العرب أوتيت قوة وهي أمة ثمود والاشارة إلى ملك عظيم من العرب وهو ملك سبأ وفي ذلك ايماء إلى ان نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تقارنها سياسة الأمة ثم يعقبها ملك وهو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم وان الشريعة المحمدية سيقام بها ملك للأمة عتيد كما أقيم لبني اسرائيل ملك سليمان. ثم نوهت السورة إلى محاجاة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال اخبار كهانهم وعرافيهم، وسدنة آلهتهم، وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة واشراطها لهذا ولغيره كانت سورة النمل تحمل المقصود الأعظم اظهار العلم والحكمة وأدل ما فيها على هذا المقصود ما للنمل من حسن التدبير وسداد المذاهب في العيش، ولا سيما ما ذكره عنها سبحانه وتعالى من صحة القصد في السياسة وحسن التعبير عن ذلك القصد عندما وجه الحديث إلى العمل وذكرت النمل بحسن نية جنود سليمان والتمست لهم العذر لأنهم لا يعلمون وعدم العلم بالشيء يبرئ صاحبه من التهمة، فكل هذه الدلالات الاشارية التي وضحتها مقاصد سورة النمل تدعو المسلمين اليوم إلى معرفة وضعهم وتوجيه أنفسهم لمرضاة ربهم.

Email