مقاصد السور ـ سورة العنكبوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.. سورة العنكبوت من السور المكية وعدد آياتها تسع وستون آية وهي السورة الخامسة والثمانون في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الروم وقبل سورة المطففين ووجه التسمية لسورة العنكبوت انها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله تعالى (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً) وهي تدور حول حقيقة الايمان وما يصادف المؤمنين من فتن تصهرهم وتقوي روحهم ومع ذلك فالنصر للإيمان وقد جاء القصص مؤيدا لذلك مع ضرب المثل لقوة الكفار وآلهتهم ونتيجة الجهاد في سبيل الله وافتتاح هذه السورة بالحروف المقطعة يؤذن بأن من أغراضها تحدي المشركين بالإتيان بمثل سورة منه، ومن المألوف في اللغة ان ألفاظ التنبيه تستعمل عند الغفلة على حسبها، وتستعمل على شكل أوسع إذا كان المقصود من الكلام مهما وموضعه خطير. وإذا قال قائل: الحكمة في اختصاص بعض السور بهذه الحروف؟ فالجواب ان عقل البشر قاصر عن إدراك الأشياء الجزئية والحكم المقصود من ذلك والله ورسوله أعلم بذلك كله، ونعود إلى مقاصد أسماء السور وإلى المراد من اسم العنكبوت، ولماذا كانت هي مضرب المثل، كما قال تعالى: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) الآية 41. ومعنى العنكبوت هو صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل، وهي ثلاثة أصناف، منها صنف يسمى ليث العناكب وهو الذي يفترس الذباب وكلها تتخذ لأنفسها نسيجاً تنسجه من لعابها، يكون خيوطاً مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران، وتتخذ وسط تلك الخيوط جانبا أغلظ وأكثر اتصالا خيوط تحتجب فيه وتفرخ فيه، وسمي بيتاً لشبهه بالخيمة في انه منسوج ومشدود من أطرافه، فهو كبيت الشعر، وجملة (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) معترضة مبينة وجه الشبه وهذه الجملة تجري مجرى المثل فيضرب لقلة جدوى شيء فاقتضى ذلك ان الأديان التي يعبد أهلها غير الله هي أحقر الديانات وأبعدها عن الخير والرشد، وان كانت متفاوتة فيما يعرض لتلك العبادات من الضلالات كما تتفاوت بيوت العنكبوت في غلظتها بحسب تفاوت الدويبات التي تنسجها في القوة والضعف، ولعل السر في جعل المثل دائراً حول اتخاذ العنكبوت بيتاً ولم يقل نسيجاً ان البيت يكون للظل والوقاية من حر الشمس وزمهرير البرد، ومنع العدوان إلى غير ذلك من منافع، ولكن بيت العنكبوت لا يفيد شيئاً ولا يقي خطراً. فكذلك معبوداتهم لا تنفع شيئاً ولا تدفع ضرراً على نسيج العنكبوت من حيث كونه بيتاً لا يفيد، فكذلك الأصنام حيث كونها آلهة لا تنفع ولا تضر حقاً، وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون، وبعد هذا العرض الميسر لمقصود الآية التي ضربت المثل بالعنكبوت، نرجع إلى مقصدها الذي وضعت له مكانه خاصة عنونت به سورة كريمة باسم العنكبوت وهذا الاسم يحملنا إلى خوض المعاني المستفادة من هذا المثل وقيد عنواناً واضحاً يذكر في مجمل أسماء السور التي حملت أسماء مختلفة كما هي في القرآن الكريم، وعندما يتوقف بنا الحديث عن مقاصد أسماء السور وننظر إلى هذه السورة التي أخذت اسم العنكبوت عنواناً لها تلفت بذلك انتباهنا إلى أمر عظيم ألا وهو أهمية ضرب الأمثلة لتقريب المعنى المراد فهمه وهنا تأخذ بنا الدلالة الاشارية إلى العنكبوت وهو الحشرة المعلومة والمراد ان يتفكر هذا الانسان إلى عظمة الخالق الذي وجه هذه الحشرة إلى هذا الصنع ومع انه صنع خفيف من جهة النظر ولكنه شاق عليها فكأن الله يقول للكفار في وقتها وإلى المسلمين بعدها ان انظروا بعين البصيرة ولا تنظروا بعين البصر لأن الله يعرف بالبصيرة فأبصروا في أنفسكم واتقوا الله في أعمالكم واحسنوا إلى أنفسكم فليس لله شريك ولا ولد وهو الواحد القهار، إذا ضرب المثل بالعنكبوت مدعاة إلى التفكر المستمر في خلق الله وتوجيهه وفيه من الارشاد الكثير لأن المقصود ليس هو العنكبوت ولكن المقصود أعظم وهو الدلالة على وحدانية الله فلا يقبل معه شريك ظاهري ولا شريك خفي، بهذا نفى الله قبول الشرك ظاهره عند الكفار في وقت وباطنه عند بعض المسلمين اليوم حيث كثرت محبوباتهم وملذاتهم والشرك الخفي قد حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا على المسلم ان يتفكر في مخلوقات الله ويعتبر وأخذ منها الدروس حتى تستقيم حياته ويصلح حاله وينضبط وجدانه وترتاح نفسه فمتى الزم نفسه الطاعة وأخذ العبرة مما حوله من مخلوقات سكنت نفسه إلى الطاعة ونزعت إلى السكينة ووجدت ضالتها في توحيد الله وعبادته ويالها من لذة لو نظرت إلى نفسك وانت تنتظر مدفع الافطار مع الذكر والدعاء تجد سعادة ولذة لا يعلمها إلا الله الذي مدها لك بإيمانك وعبادتك فأكثر أخي الصائم وأختي الصائمة من الذكر والشكر واجتنب الشرك الجلي والخفي وفي الغد إن شاء الله نلتقي والسلام. د.سيف الجابري

Email