الجامع الرسمي طوال حكم الفاطميين، الدعوة إلى الثورة خرجت من مآذن الأزهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظل الأزهر الجامع الرسمي طوال حكم الفاطميين ولكن هذه الأهمية تراجعت في العصر الأيوبي ـ الالتحام الشعبي المصري بالأزهر زاد في العصر العثماني حتى أن الدعوة إلى الثورة تخرج من مآذنه لعب الأزهر الشريف كمؤسسة دورا كبيرا في تاريخ مصر بل والأمة العربية والإسلامية، ففيه تعلم وتخرج الكثير من الزعماء والمصلحين الخالدين، كما كان لعلمائه ومنذ التاريخ القديم مواقف لاينساها الزمان في الوقوف ضد ظلم الحكام والعمل على نصره المظلومين من الرعية، فكيف ينسى الزمان على سبيل المثال موقف العز بن عبد السلام الذي أصر على بيع المماليك باعتبارهم ملكا لبيت مال المسلمين حتى قيل عنه أنه بائع الملوك، وحينما تنتفض مصر بقيادة أحمد عرابي وتثور يستصدر الخديوي توفيق فرمانا بعزل عرابي من منصبه بالجيش فيلجأ إلى الأزهر، فيصدر علماؤه فتوى بأن الخديوي توفيق خائن لوطنه ودينه وقد مرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وهناك في التاريخ مواقف كثيرة أخرى للأزهر وشيوخه يوردها د. محمد عبد العظيم سعود في كتابه الأزهر والشيوخ والذي حرص من خلاله أن يعطي للقارئ خلفية تاريخية عن دور الأزهر وشيوخه في الكثير من العصور، فمثلا في العصر الفاطمي ورغم أن الدولة الفاطمية قامت رافعه مذهب جديد يخالف أهل السنة في مصر، فقد أصدر جوهر الصقلي فرمانا إلى أهل مصر يطمئنهم فيه إلى أنه لن يقسرهم على اعتناق مذهب معين وخاصة مذهب الشيعة الذي يعتنقه الفاطميون ويعتبر الخليفة العزيز بالله أول من أقام الدرس بالجامع الأزهر فتحول بذلك من مجرد مسجد إلى جامع وجامعة، إذ ما كاد العزيز بالله يتولى الخلافة حتى قام ومعه وزيره أبو الفرج يعقوب بن كلس وكان من فحول العلماء بتعيين خمسة وثلاثين عالما لتدريس الفقه الاسماعيلي والدراسات الدينية واللغة والأدب، وإبتني لهؤلاء العلماء المنازل المجاورة للجامع وأسكنهم فيها وأجرى عليهم الأرزاق والمنح والعطايا، وحتى يعظم الفاطميين من شأن الأزهر كان عليهم أن يجتذبوا طلاب العلم من كافة أرجاء العالم الإسلامي لذلك كانوا يقدمون اليهم المأكل والمشرب والملبس دون أجر. وإذا كان الجامع الأزهر قد ظل طوال فترة الدولة الفاطمية هو الجامع الرسمي للدولة تقام فيه صلاة الجمعة والاحتفالات الدينية وتستقر فيه الدراسات الدينية المذهبية واللغوية، فإنه بمجيئ الدولة الأيوبية تراجعت هذه الأهمية كثيرا لهدف سياسي وهو محاولة طمس كافة معالم الدولة الفاطمية ومنها الأزهر الشريف، لذلك انتقل أداء صلاة الجمعة من الأزهر إلى المسجد الحكمي بعد أن أفتى قاضى القضاه في عهد صلاح الدين الأيوبي بأنه لا يجوز أن تقام صلاة الجمعة في مسجدين في مدينة واحدة وذلك وفقا للمذهب الشافعي الذي كان يعتنقه الأيوبيون، وقد عطلت صلاة الجمعة في الأزهر زهاء ثمان وتسعين سنة، كما قطع صلاح الدين عن الأزهر كثيرا من الأوقاف التي كان الحاكم بأمر الله وسواه من الخلفاء الفاطميين قد حبسوها عليه فتعرض بناؤه للتصدع، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أقدم الأيوبيون كذلك على الغاء الدروس الدينية بالأزهر، واستبدلوا ذلك بإنشاء مجموعة من المدارس يدرس فيها المذاهب السنية وانفق عليها صلاح الدين من بيت المال وكان يقوم بالتدريس فيها نخبة من كبار الأساتذة المتخصصين، ولم تكن هذه المدارس من بنات أفكار صلاح الدين لكنها كانت فكرة مقتبسة من السلطان نور الدين الذي قام بإنشاء الكليات السنية ذات المذهب الحنفي في دمشق وسواها من مدن الشام. ونتيجة لهذه السياسة الأيوبية وكما يشير المؤلف، إنكمشت الدراسة بالأزهر وهجره الكثير من طلابه بعد أن هجره معظم شيوخه إلى تلك المدارس والكليات التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي بعد أن جذبتهم رواتبها المغرية والمكافآت السخية التي اغدقها عليهم سلاطين الدولة الأيوبية، بل لقد وصل الأمر إلى تنافس شيوخ الأزهر على الظفر بالتدريس في هذه المدارس، ولكن على الرغم من ذلك فقد ظل الأزهر العريق قبلة كبار العلماء الذين وفدوا إلى مصر خلال العصر الأيوبي وما بعده، أعانه على ذلك أنه ظل مفتوحا للطلاب من كل مذهب، على النقيض من أغلب تلك المدارس التي آثرت التخصص في مذهب واحد أو مذهبين على أقصى تقدير فظل الأزهر بذلك مقصد طلاب العلم الغرباء من كل صوب وكل يقطن بأروقته عدد كبير منهم بلغت عدتهم في أوائل القرن الثامن - على حد قول المقريزي 750 طالبا. وفي العهد المملوكي يقول المؤلف ان الأزهر أخذ يستعيد مكانته القديمة رويدا رويدا، وانقشع الجو المكفهر الذي أشاعه السلاطين الأيوبيين من حوله ويبدو أن إحساس المماليك بغربتهم عن الشارع المصري وشعورهم بالجامع كسند في حكمهم يطمئنون إليه، دفعهم إلى المزيد من رعايتهم السخية والتقدير العميق للأزهر وتعظيم علمائه، ففي هذا العصر تحقق للأزهر الاستقلال العلمي، بل لعله كان متفردا على الساحة العلمية، فأضحى مستقلا ليس تابعا للسلطة كما كان حتى على عهد الدولة الفاطمية، وفي هذا الجو اجتذب الأزهر كبار العلماء المصريين من الكليات والجوامع الأخرى، نقيض الحال في عصر الأيوبيين، فكان العلماء يتطلعون دائما إلى شرف التدريس في الأزهر لما يضفيه عليهم من هيبة علمية رفيعة، ويندر أن نجد عالما من أعلام الدين أو اللغة لم يتخذ مجلسه بالجامع الأزهر بانتظام أو في غير انتظام بل لقد أصبح الأزهر مقصد العلماء من شتى أرجاء العالم الإسلامي، يكرم علماء الأزهر وطلابه وقادتهم، إذ عم الخير وغزر العطاء، ثم لا يلبث هؤلاء العلماء الوافدون حتى يتصدروا مجالسهم للتدريس.

Email