حياة المرأة قبل الاسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

اذا أردنا الحديث عن الاسلام والمرأة وما قدمه لها من كرامة وغيرة ونهض بها لترقى الى مستوى الحضارة والتقدم في كل مجالات الحياة. اذا أردنا معرفة ذلك حقا لابد ان نرى كيف كانت تعيش المرأة قبل الاسلام، كيف كانت تعامل، هل كانت المجتمعات السابقة (قبل الاسلام) تعترف بوجود المرأة أصلا أم كانت ترى انه جسم لا روح فيه. لذا لابد من التعرض لبعض جوانب الحياة التي عاشتها المرأة قبل الاسلام أولا: فعند اليونان مثلا كانت المرأة محصنة وعفيفة لا تغادر البيت، وكانت تقوم فيه بكل ما يحتاجه من رعاية لكنها في الوقت نفسه كانت محرومة من الثقافة، ولا تسهم في بناء الحياة العامة بقليل ولا بكثير بل كانت محتقرة حتى أنهم سموها رجسا من عمل الشيطان، وحتى من الناحية القانونية، فقد كانت المرأة كقسط المتاع تباع وتشترى في الأسواق وهي مع ذلك مسلوبة الحرية والمكانة، فلم يعترفوا بحق لها في الميراث ولا غيره. وفي أوج الحضارة اليونانية تبدلت المرأة واختلطت بالرجال في الأندية والمجتمعات، فشاعت الفاحشة حتى أصبح الزنا أمرا غير منكر، وغدت دور البغايا مراكز للسياسة والأدب. حتى دياناتهم اصبحت تعترف بالعلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة الى غير ذلك. اما عند الرومان، فلم يكن الأمر افضل من سابقه عند اليونان. ففي العصر القديم عندهم كان الأمر موكل الى رب الاسرة وهو غير ملزم بقبول ضم ولده منه الى اسرته ذكرا كان أم أنثى، بل كان يضع طفله بعد ولادته عند قدميه فإذا رفعه وأخذه بين يديه كان دليلا على انه قبله وضمه الى اسرته وإلا فإنه يعني رفضه لذلك، فيؤخذ الوليد الى الساحات العامة او هياكل العبادة ويطرح هناك فمن شاء أخذه اذا كان ذكرا وإلا فإنه يموت جوعا وعطشا، وتأثرا من حرارة الشمس او برودة الشتاء. ولم يكن للفتاة آنذاك اهلية التملك، فإذا اكتسبت مالا أضيف الى أموال رب الأسرة ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها، حيث كانت قوانين الألواح الاثنى عشر تعتبر الأسباب الثلاثة الآتية أسبابا لعدم ممارسة الاهلية وهي السن، الحالة العقلية والجنس اي الأنوثة، وكان فقهاء الرومان يعللون ذلك بطيش عقول النساء انظر المرأة بين الفقه والقانون ـ مصطفى السباعي ص 19. اما عند اليهود، فقد كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحق فان بيعها وهي قاصرة ويحرمها من الميراث. بل ان اليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم. وقد جاء ذلك في التوراة «والمرأة أمرّ من الموت وان الصالح أمام الله ينجو منها...» المصدر السابق. وعند المسيحين فقد هالهم ما رأوا من انتشار الفاحشة في المجتمع اليوناني وعللوا ذلك بوجود المرأة وانحلالها، فقرروا منع الزواج واعتباره دنسا يجب الابتعاد عنه وأن العزب عند الله اكرم من المتزوج واعلنوا انها باب الشيطان. وفي القرن الخامس اجتمع مجمع (ماكون) للبحث في مسألة هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟ فقرر المجتمع انها خلو من الروح الناجية (من عذاب جهنم) ما عدا أم المسيح عليه السلام (المرأة ـ مصطفى السباعي ص 24). اما عند العرب قبل الاسلام فلم يكن حال المرأة افضل من سابقيه حيث كانت مهضومة في كثير من حقوقها، فليس لها حق الارث، وليس لها على زوجها اي حق وليس للطلاق عدد محدد ولا لتعدد الزوجات حد معين، بل كانت تورث الأم لابنها الاكبر في العائلة بعد وفاة والده كأي متاع في البيت بل لم يكن للفتاة حق اختيار الحياة فالبعض كان بمجرد خروج الفتاة الى وجه الدنيا كان يقوم بدفنها وهي حية قال تعالى في بيان هذا الواقع الآليم: «وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت» التكوير: 89. وكانوا يتشاءمون اذا بشر أحدهم بالأنثى، وذلك لاعتقادهم بأن هذه الفتاة ستجلب لهم العار والخزي اذا ما كبرت وهي ايضا لا تستحق الحياة لأنها لا تستطيع حمل السلاح والدفاع او نهب الأموال الى غير ذلك. هذه هي نظرة العرب وغيرهم من الأديان والأمم السابقة للمرأة وقد بقي هذا الظلام يخيم على المرأة حتى جاء نور الاسلام وظهر في الجزيرة العربية ليظهر للمرأة حقوقا كانت مهضومة من قبل ويجعلها ذات اهلية تخولها التصرف واستغلال جميع هذه الحقوق التي اثبتها لها الاسلام. وقد اعلن الاسلام عدة مباديء من شأنها ان ترفع من شأن المرأة وتسمو بها الى ذروة المجتمع ومن هذه المباديء: أولا: ان المرأة كالرجل في الانسانية وحق الحياة سواء بسواء يقول تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها....» النساء:1. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «انما جعل النساء شقائق الرجال» رواه احمد وأبو داود والترمذي. ثانيا: جعل المرأة اهلا للتدين والعبادة ودخول الجنة ان احسنت ومعاقبتها اذا اساءت كالرجل سواء بسواء يقول تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» النحل: 97. ويقول تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض» آل عمران: 195. ثالثا: حرّم وأد الفتاة وشنع على ذلك أشد تشنيع فقال: «وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت» التكوير: 89. وقال: «قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم» الانعام: 140. رابعا: حارب الاسلام التشاؤم عامة وبالفتاة خاصة والحزن لولادتها كما كان شأن العرب كما اسلفنا فقد عاب عليهم هذا الطبع وحرمه فقال: «واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون» النحل: 59. خامسا: امر الاسلام بإكرام المرأة ايا كانت بنتا وزوجة أما، ام كونها بنتا فقد قال عليه الصلاة والسلام «ايما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها....» رواه البخاري. اما الزوجة قال تعالى: «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة» الروم: 21. اما كونها أماً قال تعالى: «ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها» الاحقاف: 15. سادسا: رغب الاسلام في تعليم المرأة جميع العلوم النافعة كالرجل سواء بسواء ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه البيهقي. وكلمة المسلم هي على التعميم ليس على التخصيص فالمقصود كل من كان مسلما رجلا كان او امرأة. سابعا: أوجد لها حقا في الارث ـ بعدما كانت تورث كالمتاع ـ أماً كانت أو زوجة أو بنتا او أختا، كبيرة كانت او صغيرة او حتى حملا في بطن امها، وحتى لا يجار عليها في تقسيم التركات فقد تولى رب العزة بيان ذلك بنفسه حيث قال «يوصيكم الله في أولادكم....» النساء: 1112. ثامنا: نظم الاسلام حقوق الزوجين فجعل لكل منهما حقوقا وواجبات لابد ان تراعى بين الزوجين حيث قال تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة» البقرة: 228. تاسعا: نظم قضية الطلاق بما يمنع من تعسف الرجل فيه واستبداده في أمره فجعل له حدا لا يتجاوزه وأقصاه ثلاثا. عاشرا: حد من تعدد الزوجات ايضا فلم يجعل الزوج طليقا في اختيار عدد زوجاته بل قيده بأربع زوجات فقال تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...» النساء: 3. احدى عشر: جعل الفتاة قبل بلوغها تحت وصاية اوليائها وجعل ولايتهم عليها ولاية رعاية وتأديب وعناية بشئونها وتنمية اموالها لا ولاية تملك واستبداد واستغلال كما كانت سابقا. وهناك الكثير من المجالات الاخرى التي راعاها الاسلام في جانب المرأة لا مجال لذكرها لئلا يطول البحث. وبذلك يكون الاسلام هو الذي رفع شأن المرأة لتقف بجانب الرجل في حقوقها وواجباتها وحتى في طاعتها لله عز وجل وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على سماحة الاسلام ورحمته بالمرأة. وحتى بذكرهن في القرآن الكريم فيه تكريم عظيم للمرأة بعدما كانت وكأنها لا شيء في المجتمع. فهذه ام المؤمنين ام سلمة تقول: يا رسول الله لا نسمع الله ذكر النساء في في الهجرة بشيء فأنزل الله «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى...» آل عمران 195 رواه الحاكم في مستدركه 2/300. وفي رواية لأحمد أنها قالت يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ تقول فسمعت رسول الله وهو على المنبر يقول يا أيها الناس ان الله تعالى يقول «ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات....ش احمد 6/315 والنسائي 6/431 انظر شرح مختصر ابن كثير ص 1089. ومع ان كلمة المؤمنين او المسلمين عامة مطلقة ما لم يرد ما يخصصها الا ان ام سلمة أحبت ان يذكرن بصيغة التأنيث المخصصة للعموم فأنزل الله تعالى ما يطمئن به قلبها رضوان الله عليها. قاسم الصماوي _ باحث اردني

Email