العلاقات الجزائرية الاسرائيلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: صدر حديثا في الجزائر كتاب جديد بعنوان «العلاقات الجزائرية الإسرائيلية» يخوض فيه مؤلفه محمد تامالت عبر أكثر من 260 صفحة بالبحث في موضوع يشكل الحديث فيه سبقا ويطرح كما هائلا من الأسئلة تحتمل إجابات متعددة كما يمكن أن لا يوجد لها جواب. فقد ظلت العلاقات الجزائرية الإسرائيلية لمدة طويلة تندرج ضمن خانة المسكوت عنه وغير المرغوب فيه لاعتبارات كثيرة منها ما هو تاريخي و منها ما هو سياسي أو عقائدي. لذلك يأتي هذا الكتاب متفردا ويشكل نقلة نوعية غير مسبوقة في تاريخ الكتابة الجزائرية، وقد يكون سندا هاما للبحوث في بعض الجوانب الخفية من علاقات الجزائر الخارجية ولقد سمح طموح الكاتب الشاب من القفز على بعض الحدود التي كانت دوما ملازمة للكتاب السابقين في بلاده. اليهود والاحتلال الفرنسي للجزائر ويتضمن كتاب «العلاقات الجزائرية الإسرائيلية» أربعة فصول هي: قبل إسرائيل كانت الجزائر ـ لماذا أراد بومدين أن يحتل تل أبيب عندما أنقذت الجزائر عرفات و طردت بيريز وأخيرا: المسكوت عنه في الاتصالات الجزائرية الإسرائيلية وعلى امتداد هذه الفصول يطرح الكاتب أسئلة جوهرية انطلاقا من عودة الحديث عن يهود الجزائر بعد إعلان التعددية السياسية في البلاد وأسئلة كثيرة بنى عليها بحثه وذهب الى التنقيب عن الإجابات المناسبة في مصادر مطبوعة حينا ومن خلال استنطاق شخصيات جزائرية عرفت بحضورها القوي في الساحة السياسية أحيانا أخرى.يبدأ الكتاب بالحديث عن يهود الجزائر قبل رحيلهم بسرد تاريخي انطلاقا من التاريخ الجزائري ـ الفرنسي المشترك الذي أوجدته أسباب استعمارية منذ 1830م ومن ثمة ينطلق في بحث العلاقة بين يهود الجزائر ويهود فرنسا وكيف أن هذه العلاقة توطدت فيما بعد لعوامل يتعلق بعضها بصلة الرحم وبعضها الآخر بمصالح مادية ونفعية كالتجارة وغيرها من أنواع التعامل أفضت الى التعايش والتقارب فيما بينهم لا سيما بعد صدور مرسوم الوزير أدولف كريميو في 24 أكتوبر من عام 1870 بعد أربعين عاما من احتلال الجزائر الذي ميز اليهود عن غيرهم من سكان الجزائر بمنحهم مزايا مجانية لتقريبهم من الإدارة الاستعمارية. ويقف المؤلف مطولا عند موقف بعض اليهود من الثورة الجزائرية والقضية الفلسطينية وكيف أن هذا العامل كان المعيار الأساس لتعامل الثورة الجزائرية مع اليهود وكان بعدها أساس موقف الدولة الجزائرية بعد الاستقلال منهم ومن اسرائيل. ويتحول ما يمكن تسميته مجازا بالوضوح في العلاقات بين اليهود والدولة الجزائرية في الفصول التالية من الكتاب الى غموض ملفت للانتباه حين ينتقل الكاتب الى الحديث عن اسرائل مقرونة بمنظمة التحرير الفلسطينية «التي تلعب فيها السياسة الجزائرية دورا مهما» أو عندما تقترن الأحداث وتتشابه في الشرق الأوسط عموما أو في بعض المحطات المميزة مثل سوريا ولبنان وفلسطين ، حيث كانت قضيتها عاملا مباشرا في ميلاد ملف ثقيل يعرف بـ «الملف الجزائري ـ الاسرائيلي» منذ البدايات الأولى لحركة فتح التي اتخذت قيادتها من الجزائر محطة رئيسية ومعبرا نحو «الدول التقدمية» وتحولت الجزائر ـ حسب الكاتب ـ الى «منطقة عمليات فلسطينية». بظهور بعض التنظيمات الراديكالية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من ذلك مثلا تحويل مسار طائرة اسرائيلية خط روما ـ تل ابيب الى الجزائر في 23 يوليو 1968. وكان من افرازات تلك العملية أن اختطفت اسرائيل الأمين العام لرئاسة مجلس الثورة الجزائري في 14 أغسطس 1970م، تلتها عمليات اختطاف متبادلة كثيرة بين الطرفين وسط حالة من الحرب الباردة تأخذ في الغالب شكل تصريحات في الجرائد، ومعركة في الخفاء يستخدم كل طرف فيها ما أتيح له من الأسلحة والدهاء. والملاحظة التي يخرج بها القارئ عندما يأتي على صفحات الكتاب الأخيرة هي أن الصراع الجزائري ـ الاسرائيلي في جميع محطاته ما ظهر منها وما بطن مرده المواقف الجزائرية الواضحة والثابتة من مسائل العروبة وقضية الشرق الأوسط التي يشكل تحرير فلسطين مركزها. وهذا الموقف جعل الجزائر ـ حسب الكاتب ـ هدفا دائما لمؤامرات اسرائيلية وغربية كثيرة. ورغم أن الكتاب يتناول العلاقات الجزائرية الاسرائيلية كما هو واضح في عنوانه فإن الحديث عن هذا الموضوع بالتحديد لا يتجلى بوضوح الا في الفصل الرابع والأخير من الكتاب تحت عنوان «المسكوت عنه في الاتصالات الجزائرية ـ الاسرائيلية» وما عدا ذلك فهو قراءة في أحداث دولية كانت الجزائر طرفا فيها بطريقة أو بأخرى انطلاقا من علاقتها بالقضية الفلسطينية أو ببعض التنظيمات التحررية التي كان لها فضل تدعيم وحتى تأسيس الكثير منها. ويمتد هذا الفصل من الكتاب على مدى خمسين صفحة ويبدأه الكاتب بسؤال جوهري «لماذا عاد الحديث عن اليهود فجأة بعد التعددية السياسية في الجزائر؟» أي بعد العام 1989م وهو العام الذي صدر فيه دستور جديد سمح بالانتقال من النظام الأحادي الى التعددي. قبل أن يتعرض بايجاز ولكن بذكاء أيضا الى الأجواء السياسية العامة التي ميزت الساحة الجزائرية في مطلع التعددية عندما تركز الحديث بصفة جلية على التشكيلة الحكومية. وقد شاع وقتها أن وزير الاقتصاد في حكومة مولود حمروش غازي حيدوسي، وهو إطار سابق في وزارة التخطيط كان يهوديا وهي «الاشاعة» التي روجت لها كثيرا المعارضة خاصة منها تلك التي كانت على علاقة مع جبهة الانقاذ ، في سياق فكرة مفادها أن النظام الجزائري بدأ يستعين باليهود لإدارة الاقتصاد الوطني وهو ما سيؤدي حتما الى فتح ثغرة أمام البنك العالمي وصندوق النقد الدولي للسيطرة على مداخيل البلاد وهذا الاتجاه يدفع فيما بعد الى ارغام الجزائريين على تقديم تنازلات سياسية أولها تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولقد تحولت هذه «الشائعة» ـ برأي الكاتب ـ الى ما يشبه الحقيقة حين لجأ مولود حمروش رئيس الحكومة الذي منحه الرئيس الشاذلي بن جديد كل السلطات فيما يتعلق بمسار الاصلاح الاقتصادي الى اعتماد خبير يهودي من المغرب الأقصى يدعى ريموند بن حاييم مستشارا له في المسائل الاقتصادية، وكان بن حاييم هذا قد أدين قبل ذلك بالتواطؤ لتمرير صفقة مشبوهة ضخمة لشركة استيراد المواد الغذائية في الجزائر يتقاضى فيها هو ومكتب فرنسي وأطراف في الحكومة الجزائرية عمولات غير مشروعة بملايين الدولارات. وقد أثار الموضوع وقتها ضجة كبرى ونشرت «الأسبوعية الجديدة» المستقلة في الجزائر تحقيقا مفصلا حول الموضوع في طبعتها ليوم 27 مارس 1990م ومع أن مولود حمروش الذي تعرض وقتها لاستجواب في الموضوع من قبل نواب البرلمان المشكل من جبهة التحرير الوطني، يرفض الخوض في هذا الموضوع حتى الآن فإنه لا ينفي اللجوء الى هذا الخبير في الاستشارات الاقتصادية وبرر ذلك بكون بن حاييم يتمتع بسمعة كبيرة تفيد التعاملات الجزائرية وليس لكونه يهوديا. ومن هذه الزاوية يرى مؤلف الكتاب أن الصحافة الجزائرية لعبت ، وقتها ، دورا كبيرا في اثارة الحديث عن موضوع اليهود ونشرت عشرات الموضوعات حول أدوار غامضة تكون جمعيات يعتقد أنها ذات علاقة عضوية بالحركة الماسونية بدأت تنشط في الجزائر كنادي «الروتاري» الذي قالت عنه تلك الصحف إنه يضم مجموعة من الشخصيات السياسية تمارس نشاطها المنسوب الى النادي في كل من الجزائر وباريس. ويؤكد الكاتب أن العاصمة الفرنسية كانت منذ مطلع الثمانينات معبرا لليهود العائدين الى الجزائر في شكل زيارات مثلما هو الشأن بالنسبة للكاتب الاسرائيلي أندري شوراقي الذي ولد عام 1917 بمدينة عين تيموشنت غرب الجزائر وأصبح مستشارا لبن غوريون وقد غادر مسقط رأسه وعمره يقارب خمسة وأربعين عاما ثم عاد عام 1983 بعد اتصال أجراه مع الجنرال العربي بلخير مدير ديوان الرئيس الشاذلي بن جديد آنذاك وهو المنصب ذاته الذي يحتله اليوم في عهد الرئيس بوتفليقة وكان شوراقي في زيارته الى الجزائر مرفوقا بابنه إيمانويل الذي دخل الجزائر بجواز سفر اسرائيلي بعد أن سهل له المسئول الجزائري المهمة ولا يقتصر الأمر عند أندري شوراقي بل شملت قائمة الزوار الاسرائيليين أسماء أخرى معروفة لدى الخاص والعام دخلت البلاد في تلك الفترة مثل السينمائي روبرت كاستيل الذي زار الجزائر عام 1982م مع صديقته لوسيت شاهوكية بدعوة من الممثل الجزائري أحمد عياد المعروف باسم «رويشد»الذي توفي السنة الماضية وكانت الزيارة فرصة مكّنت كاستيل من مشاركة رويشد في فيلم بعنوان « حسان طاكسي»، حيث أدى فيه دور سائح فرنسي يعود الى الجزائر ويدبر لصديقه حسان مقلبا بالمطار يشاركه فيه بعض رجال الجمارك جزائريون ليجعله يتجرد من ثيابه ليضحك الجميع. وكذلك الكاتب جون بيار شتورا الذي زار الجزائر عام 1988م مع زوجته مونيك وبعدها ألف كتابا بعنوان «جزائري» والممثل المسرحي دانييل مزغيش الذي تحدث في الكتاب ذاته وقال إن الجزائريين استقبلوه كفاتح وإن مدير المدرسة التي تعلم فيها أولى الحروف الهجائية استقبله كبطل عائد من بعيد. وبدخول الجزائر في أزمتها السياسية ـ الأمنية مطلع التسعينيات تراجع عدد اليهود الزائرين وبقي مقتصرا على بعض المدن الصغيرة البعيدة عن الاكتظاظ . وكان أكثر ضيوف الجزائر من اليهود هم ذووا العلاقة بأزمتها كما يرى المؤلف، بعد أن استنجدت بهم السلطة لتخليصها من العزلة الدولية التي سببتها الأزمة الأمنية خاصة بعد سلسلة المجازر التي ارتكبت في مناطق داخلية وهزت الرأي العام الدولي ومن هؤلاء الكاتبين: هنري ليفي وأندري جلوكسمان وكليهما من الشخصيات السياسية والاعلامية حيث دعيا للتعريف بالوضع في الجزائر من الزاوية التي كانت السلطة تريد تكريسها، وعوملا لدى تواجدهما بالجزائر معاملة وزراء. وقيل حينذاك إنهما اطلعا على حقائق لم يتح للصحفيين الجزائريين الاطلاع عليها وقيل أيضا إنهما اجتمعا مع شخصيات سياسية وعسكرية سامية. المصافحة التاريخية وفي سياق التقارب ينتهي المؤلف في كتابه الى موضوع المصافحة بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك خلال جنازة ملك المغرب الحسن الثاني في 25 يوليو 1999 . واعتبر المؤلف تلك المصافحة «أكبر جولات النصر الاسرائيلي» لأنها برأيه أخذت طابعا لمؤشر الدال على وجود نية التطبيع ما جعل الاسرائيليين يستغلونها ابشع استغلال لكسر حواجز المقاومة النفسية، وإن كانت محاولات عديدة للتطبيع قد جرت قبل تلك المصافحة ـ حسب الكاتب ـ بادر اليها الطرف الاسرائيلي عبر مرحلتين كانت أولاها في الثمانينات قبل الأزمة الأمنية وكانت الثانية خلالها. الجزائر ـ مراد الطرابلسي

Email