كتب في الذاكرة ، طبقات الشعراء لابن المعتز

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر كتاب «طبقات الشعراء» من اهم كتب التراث، ذلك لان مؤلفه بالدرجة الاولى يختلف عن بقية المؤلفين الادباء، لانه شاعر مبدع، وكاتب كبير، وهو الى ذلك عالم جليل وناقد ذواقه، وهو بعد ذلك وقبله ملك سليل ملوك. انه عبدالله بن الخليفة المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد فهو ينحدر من اصلاب ستة ملوك جلسوا على اشهر عروش الدنيا، وهو عرش بني العباس. ولكن كلا من عبدالله وأبيه كانا سيئي الحظ، لان عبدالله تولى الخلافة ليوم واحد ثم قتل، واباه تولاها لفترة اربعين يوما وقتل، وجده المتوكل مات قتيلا هو الآخر. ولكن «عبدالله» اذا كان منحوسا في دنيا السياسة، فقد كان سعيدا في دنيا الادب ومحافل المعرفة، وقد ربي كما يربى ابناء الملوك، فقد كان يستدعى له عظام اساتذة زمانه، حتى تستوي له اسباب المعرفة من دينية ودنيوية. وقد كان عبدالله بن المعتز ذكيا اديبا فطنا، وقد ترك لنا اربعة عشر كتابا في الادب والشعر والبديع والغناء والسرقات والطبقات، رغم انه لم يعش اكثر من تسع واربعين سنة ، 247 ـ 296هـ ولكن حياته على قصرها، كانت عريضة خصيبة. وكتابه «طبقات الشعراء» يعتبر وثيقة مهمة في معرفة حال الشعراء، والرؤية لهم، يقول في تقدمته لكتابه: «خطر على الخاطر في بعض الافكار، ان اذكر في نسخة ما وضعه الشعراء من الاشعار في مدح الخلفاء والوزراء والامراء من بني العباس، ليكون مذكورا عند ا لناس». فالهدف اذن، الترجمة، عن مدح بني العباس من الشعراء حتى زمن «ابن المعتز» وتبعا لذلك فان ابن المعتز قد اهمل في كتابه الشعراء الذين لم يمدحوا بني العباس. وهذا يفسر لنا لماذا بدأ ابن المعتز كتابه بالشاعر «ابن حرمة السكير» الذي بلغ به الدلال عند الخليفة العباسي، ان الخليفة كتب الى عامله في المدينة الا يوقع عليه حد الخمر اذا ضبط سكرانا، حسب القصة المروية في كتب الادب. كتاب «ابن المعتز» هو ثالث كتاب مشهور لهذا اللون من الدراسة، بعد كتاب «ابن سلام الجمحي» «وابن قتيبة» لكن لهذا الكتاب ميزات منها: ان هذا الكتاب قد تخصص في عصر معين، فذكر شعراءه، وهم الشعراء الذين مدحوا بني العباس، كذلك يعترف المؤلف بانه لايهتم بكل شعر الشعراء واخبارهم، فذلك موجود في دواوينهم، وانما هو يقدم ماليس موجودا الا عند الخواص، اي انه يقدم من الشعر غير المعروف للجمهرة، اضافة الى ان طبيعة الاديب الناقد الكامنة في شخصية ابن المعتز، جعلته يقدم كتابه باسلوب شيق وجميل، ثم هو بعد ذلك ينقد ويزن ويبدي رأيه في القصائد او المقطوعات طبقا لمعايير النقد. والمؤلف لم يهمل الاحداث التاريخية الدقيقة، التي ربما لم يلتفت اليها جمهرة المؤرخين لانها في نظرهم لم تكن تعني شيئا خطيرا ولكنها من وجهة نظر مؤرخ الادب تعني الكثير، فهو يؤرخ للاحداث بعامة والمرتبط بقصائد بعينها بخاصة. كما ان «ابن المعتز» يذكر بعض القصص والاخبار باسلوب لطيف، كما يذكر الوانا من الحياة الاجتماعية على زمانه، كما يروي لنا بعض المساجلات الشعرية التي كانت تحدث، مضيفا اليها طرفا ادبية وملحا اجتماعية، وابياتا للحمقى تثير الضحك، او يقدم قصائد للشعراء الهزليين الفكهيين الذين ينتزعون الضحك انتزاعا من القلوب لكن ابن المعتز اهمل بعض الشعراء المهمين، وفي هذا بعد عن الموضوعية وفي مقدمتهم «ابن الرومي» و «ديك الجن الحمصي». ويظل كتاب «طبقات الشعراء لابن المعتز» واحدا من الكتب المهمة في تاريخ المعرفة. إعداد ـ محمد سطام الفهد

Email