«نوفمبر الجميل» قصيدة سينمائية تبحث عن عشاق الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيمفونية .. ربما تحمل الكثير من الشجن، بعض الشعور بالألم، كمية معقولة من المرارة .. لكنها في النهاية رائعة .. إنه (نوفمبر الجميل) الذي تم عرضه في دور السينما الامريكية خلال فبراير الماضي ويعرض في الصالات الاماراتية حاليا. هذا الفيلم يمكن وصفه ببساطة، بأنه رومانسي ينتهي نهاية مأساوية كحال معظم القصص الرومانسية التي نقرأها، نراها او نعيشها، لكن بين هذه الكلمات هناك العديد من السطور التي تفرض نفسها لتحكي عن هذا «النوفمبر» الذي نحلم ان يأتينا يوميا. نيلسون موس (كينو ريفز) رجل عصري بمعنى الكلمة يعمل في مجال تصميم الاعلانات، ناجح بشكل ملفت للأنظار، يحصد الجوائز ويحقق الانتصارات في مجال الدعاية، حياته محسوبة بالدقيقة حتى الحب الذي تقتصر معرفته به على علاقته مع صديقته التي ينوي الزواج منها، لكنه لا يجد الوقت لذلك، يسوقه القدر الى حيث موعده مع السعادة، مع لحظة الكشف الحقيقية للحياة، حيث فرصته لتفجير ينابيع الابداع في حياته، اذ يذهب مرغما في اللحظة الاخيرة لتجديد رخصة المرور الخاصة به، فيدخل الامتحان النظري، وهناك تدخل امرأة جميلة تحمل العديد من الاكياس المعبأة بأنواع البقالة المختلفة التي تقع منها وتتبعثر فيجمعها الممتحنون لها .. وعندما تبدأ في حل الاختبار يطلب منها نيلسون مساعدته في حل احد الاسئلة، عندما تحاول اجابته يراها المراقب فيسحب منها ورقتها ويؤجل امتحانها شهرا .. كان ذلك في آخر اكتوبر. وعندما يخرج نيلسون من القاعة يراها جالسة على سيارته وتبادره بالعتاب على تسببه بتأجيل اختبارها شهرا. فيحاول تعويضها عن ذلك بالنقود كونها تعتمد على قيادة سيارتها في عملها، لكنها ترفض فلا يعبأ بذلك كثيرا ثم ينطلق بسيارته. لكن سارة ديفر (تشارلز ثيرون) ترى الهوة الجوفاء التي تتوسط صدر نيلسون فتقرر انقاذه وسد هذا التجويف المخيف داخله، كما اعتادت ان تفعل دائما، حيث تستضيف في منزلها لمدة شهر رجلا يعاني من مشكلة مافي حياته فتعالجه بخبرتها الانسانية الانثوية المقبلة على الحياة ثم تتركه يمضي في حياته دونها. وهنا تتعرض لنموذج غريب، ربما شاذ وغير منطقي لكنه انساني بمعنى الكلمة فهذه السيدة الاسطورة سارة ديفر تكرس ايامها لمساعدة الآخرين على اكتشاف المناطق الفارغة داخلهم لملئها بالحياة الحقيقية .. وهذا ما فعلته مع نيلسون الذي لا تيأس من تعقبه وهو يتعامل معها باعتبارها عبئا سخيفا فرضه القدر عليه. فيرفض عرضها ان يكون «نوفمبر» الخاص بها ويعتبرها بلهاء تبحث عن رجل للعبث معه، محاولا افهامها انه لا يمتلك وقتا للعبث وللضياع مع انسانة غريبة مثلها لكنها تصر ويساعدها على ذلك تعرض نيلسون للطرد من عمله، بعد ان جعله غروره وثقته في قدراته يتطاول على عميل رفض اسلوب دعايته الخاصة بمنتجه من (السجق)، كما تركته صديقته ورحلت بعد ان ملّت روتينه اليومي الجاف وعدم اعتباره لها كأنثى تمتلك مشاعر ولديها حاجاتها العاطفية. هنا يجد نيلسون نفسه في حالة ضياع فيحطم الجوائز التي حصل عليها ليجرح كفه وفي هذه الاثناء، يصله طرد سارة الذي يحتوي على كلب صغير فيصاب بالغيظ، ليحمله اليها طالبا منها أن تخرج من حياته للأبد، لكنها تصر، فيوافق ان يمضي معها ليلة واحدة فقط على سبيل المتعة التي تلهيه عن احداث يومه الشاقة. وهنا تبدأ سارة رحلتها مع نيلسون لاعادته الى نفسه وايقاظ الانسان داخله، رغم مقاومته الشديدة، لكن اقبالها على الحياة وحبها للطبيعة بالاضافة الى رقتها وعذوبتها وسحرها الخاص، يسحبانه تدريجيا من عالمه الآلي، فيبدأ في التعرف على جيرانها ويرتبط بطفل صغير (آبنر) يعيش وحيدا دون أب يرعاه ويتعرف على (تشاز) و (فيدنيل) من جيرانها المتشبهان بالنساء، ويرى الكثير من الحياوات الناقصة والشاذة والمعيبة، ليعلن ان النقص اهم صفة للانسان حيث يجب ان يستمتع ايضا بنواقصه ويعيشها. واثناء تلك الاسطورة البديعة لتفجير شعورنا بانسانيتنا نكتشف ان قائدة الاوركسترا التي تفجر اللحن فينساب الى داخلنا، محكوم عليها بالموت، فسارة ديفر تركت اهلها واختها التي كانت تشاركها في عمل ناجح جدا يدر الاموال وذلك بعد ان خضعت للعلاج من ورمها الخبيث لمدة عام دون فائدة، وعندما علمت ذلك وان الورم يسرح في جسدها غير عابيء بهذا الجمال، تقرر ان تعيش حياة شاذة وتذوق كل ما في الدنيا من قبح وجمال ونقص وكمال .. بعيدا عن اهلها وكل ما كانت تنتمي اليه. وعندما يعلم نيلسون بأمر مرضها تطرده من حياتها، لكنه يكون قد وقع في حبها ويطلب منها ان تتزوجه فتجد في نفسها رغبة في الموافقة ولكنها تقاوم نيلسون الذي تحول من مجرد مسكين تساعده الى حبيب. وامام اصرار نيلسون تطلب منه في نهاية الشهر ان يرحل .. يرحل وهو يتذكرها بكل حب وكل ما يعلق في ذاكرته عشقها واقبالها على الحياة، يرحل بعد ان عاد للانسان داخله وتخلى عن آليته السابقة، ولا يملك نيلسون سوى ان يرحل ليكون نوفمبر هو الشهر الذي اعاد تكوينه وغير حياته للأبد. (نوفمبر الجميل) فيلم يحمل فلسفة خاصة تتسرب الى النفس من خلال قصة ناعمة وشاذة بعض الشيء، لكنها حقيقية ولازمة في ظل انخراطنا داخل عالم المادة التي تطحنا في رحاها مميتة كل خلايانا ومشاعرنا، محيدة إيانا وموحدة اتجاهنا في الحياة، فتنسى اننا بشر وان الخطأ والتعثر والتشتت والفشل يساعدنا على الحياة مثلما يساعدنا الصحيح والخط المستقيم والنجاح. هذا الفيلم مع نعومة اخراجه الذي يتناغم وقصته يوقظنا، يدق جرس مدرسة الحياة الحقيقية .. ربما ننضم اليها! امنية طلعت

Email