قصة الأيام والأرقام من زاوية التاريخ واللغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: كثير من التسميات التي نستخدمها في حياتنا اليومية دون ان ننتبه الى اصولها وكيفية نشأتها، والمراحل التي مرت بها، حتى وصلت الى ما هي عليه، وذلك بحكم تداولها الواسع في حياتنا اليومية، وتأتي في مقدمة هذه التسميات التي تؤطر حياتنا، تسميات الايام والشهور، وكذلك تسميات الارقام التي نستخدمها فما هي قصة هذه التسميات، وكيف نشأت؟ هذا ما يحاول الاجابة عليه الباحث «شحادة الخوري» في كتابه قصة الايام الشهور، الارقام وتسمياتها. ومنذ البداية يشير المؤلف الى ان دراسته لهذه التسميات لا تقاربها من زاوية الرياضيات والفلك، بل من زاوية التاريخ والتراث واللغة، نظراً لأن الناس يميلون الى هذه المعرفة من جهة، ومن جهة اخرى لان ذلك يكشف عن مشاركة العرب في هذا الجانب. في قصة الايام وتسمياتها يؤكد الباحث ان الانسان سعى منذ بداية التاريخ للتحري عن احوال الزمان والمكان حفظاً للبقاء، وضرورة معرفة الوقت من اجل العمل ولذلك قسم اليوم الى ليل ونهار، اما تقسيمات الفصول فكانت ضرورية من اجل الزراعة، وقد اعتبر اليوم هو الحد المتميز، وواسطة العقد، وفي دراسته للفصول يشير الباحث الى ان التقويم المصري كان يختلف عن التقويم السماوي الحقيقي بست ساعات كل عام، لكن فلكيي الاسكندرية اليونان قاموا بإصلاحه بأمر من امبراطور روما يوليوس قيصر عام «46 ق.م» وذلك بإضافة يوم كل اربع سنين، وهذا ما يسمونه «بالتقويم اليوناني»، ثم جرى في عهد البابا جريجوريوس الثالث عشر عام «1582» تصحيح هذا الفارق تصحيحاً ادق من خلال حذف هذا اليوم الزائد «29 فبراير» من السنين المتممة للمئات والتي لا تقبل القسمة على «400» وقد عرف هذا التقويم بالتقويم الغريغوري وهو التقويم الذي نستخدمه الآن. اما فيما يخص البابليين فان تقسيماتهم للشهر والساعة فمازلنا نستخدمها حتى الآن وهي تقسيم الشهر الى اربعة اسابيع، وأوجه ساعاتنا الى 12 ساعة والساعة الى 60 دقيقة والدقيقة الى 60 ثانية، وعلى العكس منهم فقد جعل عرب الجاهلية الاسبوع ثلاثياً «اي ثلاثة ايام» وجعلوا كل ثلاثية تحمل اسماً خاصاً حسب حال القمر وهو ما يعرف بالتقويم القمري. اما فيما يخص كلمة يوم فهي بكل اللغات السامية تعني الزمن الممتد من طلوع الشمس الى غروبها وقد اكتسبت هذه اللفظة دلالات متعددة كاليوم الغروبي، الشروقي، الشرعي، الصومي، الطبيعي او الفلكي، وقد اطلق العرب على كل ساعة من ساعات الليل والنهار اسماً خاصاً، وأتبع الباحث تحرّيه لدلالة هذه اللفظة جدولا يتضمن المعاني والتسميات العربية والغربية لايام الاسبوع، وعلى الرغم من تقدم العصر فإن الناس في ايامنا مازالوا يلجأون كما كان يفعل الانسان في الزمن القديم الى ربط مصائرهم وحظوظهم وما يطرأ عليهم من خير وشر بأحداث الفلك ودوران الكواكب. ان البلاد العربية تستخدم ثلاث سلاسل من اسماء الشهور الاولى تتألف من اسماء الشهور العربية المتصلة بالتقويم الهجري القمري منذ «14 قرناً»، اما السلسلة الثانية فهي اسماء الاشهر المعربة المنقولة عن اللغة السريانية مثل كانون الثاني التي معناها الموقد او الرجل الثقيل، وشباط التي تعني الضرب «هبوب الريح» ويلاحظ الباحث ان هناك تماثلاً بين ثمانية اشهر من الاشهر السريانية المعرّبة وبين الاشهر العبرانية والبابلية، وتتمثل السلسلة الثالثة باسماء الاشهر الدخيلة المنقولة عن اللغة اللاتينية «يناير - فبراير...» وقد قام الكاتب بتقديم عرض تاريخي ولغوي لتسميات الاشهر وكيفية استخدامها نطقاً وكتابة في البلدان العربية، حيث هي تلفظ وتكتب بأشكال مختلفة حسب منشأها الانجليزي او العربي، ويشير الباحث الى ان هناك تسميات اخرى للاشهر تستخدم في بعض البلدان العربية كالاشهر القبطية والاشهر الليبية وهو ما يستدعي العمل على توحيدها. على صعيد الاعداد يشير الباحث الى انها في المرحلة البدائية قد تشكلت بدءاً من عدد اعضاء الجسم، اذ كان العد بالاصابع العشر منشأ لنظام العشري، واذا كانت الاعداد قد بدأت اولاً بالمحسوسات فإن ثمة شيئاً مشتركاً بين هذه المحسوسات هو عددها، فالعدد شيء يختلف عن المعدود وبذلك يكون الانسان البدائي قد انتقل من المحسوس الى المجرد وفي مرحلة لاحقة برزت ضرورة رسم الاعداد او تصويرها، ثم قام الانسان باستخدام الخطوط العمودية والافقية، واستعمال الحروف الهجائية للدلالة على ارقام تسجيل الاعداد، وقد قام الكاتب باستعراض الارقام في الحضارات القديمة مع ذكر امثلة لكل منها، ثم تناول الارقام عند العرب الذين استخدموا الصور الرقمية بناء على بداية الكلمات فمثلاً العدد «5» حرف الخاء وذلك بناء على «الخط المسند» حيث جعلوا كل حرف من حروف الابجدية يقابل عدداً معيناً مع العلم ان الترتيب الابجدي للاحرف يختلف عن الترتيب الالفبائي. ان الارقام التي تستخدم اليوم بصورة سلسلتين مشرقية ومغربية هي هندية الاصل، عربية الصنع حتى انه يصح ان نسمي هذه الارقام بالارقام الهندية العربية لكنه منذ «500 سنة» مضت انتصرت الارقام العربية نهائياً في الغرب فكانت هذه الارقام التسعة من الصفر لبنات في حضارة الغرب التي بدأت منذ ذلك التاريخ وقد كان اعتراف الغرب بفضل العرب عليهم في هذا الجانب بأن اطلق على هذه الارقام اسم الارقام العربية في جميع اللغات الاوربية، وقد قام الباحث في نهاية الكتاب باستعراض دقيق ومسهب لسبب ومعنى تسمية كل رقم من هذه الارقام، كما بحث في اصل تسميتها التي رأى انها سامية المنشأ اي تنتمي الى العربية القديمة ولتأكيد هذه الحقيقة يروي الباحث رحلة هذه الارقام، وكيف وصلت الى الغرب والتي يحددها بثلاث مراحل وعليه يتأكد الجانب العلمي في تناول هذا الموضوع ومناقشته، مما يؤكد اهمية البحث وقيمته المعرفية والعلمية بعيداً عن المغالاة، او الاثارة كما تفعل بعض الكتب التي تتناول هذا الموضوع. احلام سليمان

Email