شاي الضحي ، حاميها ... حراميها، يكتبها: أبوخالد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصور معي مواطناً بسيطاً يقبض على عنق رجل شرطة محترم, ويجره جراً الى المخفر مؤكدا انه ــ الشرطي لا المواطن ــ حرامي! وتصور أنك عينت أميناً أو حارساً يتولى حماية ممتلكاتك من اللصوص, فيكون أول ما يفعله هو نهب كل ما يستطيع نهبه منها, محولاً ما ينهبه الى ملكه الخاص, ومتحدثاً خلال ذلك عن الشرف.. والفضيلة, ولاعناً في نفس الوقت الناهبين والهابرين لأموال الغير وممتلكاتهم! قد يبدو هذا التصور أو ذاك كمشهد كوميدي في مسرحية هازلة, ولكنه في عصرنا الحاضر أصبح واقعاً جاداً ومتكرراً, أبطاله ليسوا أناساً عاديين.. ولا نشالين من أصحاب السوابق ومتعودي الإجرام, بل هم في غالب الأحوال من (الناس اللي فوق).. وممن يوصفون عادة بأنهم (علية القوم)..! وانطلاقاً من قاعدة ان (الناس على دين ملوكهم) فإن المنطق يقول إن هؤلاء اللصوص (الصفوة) ما كان واحداً منهم يجرؤ على مد يديه وكفيه الى اموال البلاد وأرصدة البنوك ما لم يكن واضعاً في بطنه (بطيخة صيفي) ومطمئناً تمام الاطمئنان إلى غفلة العيون الحارسة وانشغال من بأيديهم الحل والربط بهبر أكبر.. أو بنهب أوسع وأشمل.. أو بكلا الأمرين معاً..! هذه هي موضة العصر كما نشاهد ونسمع كل يوم على شاشات التلفزيون وعلى صفحات الصحف ففي كل يوم يتساقط رؤساء دول تحدثوا طويلاً عن الشرف والفضيلة.. وعن الضبط والربط, نراهم في قفص الاتهام متهمين بتحويل اقتصاد بلادهم من قطاع عام يشمل كل المواطنين الى قطاع خاص.. خاص بفخامتهم طبعاً, وهم عادة يبدأون مهمتهم هذه بمجرد انتهائهم من حلف يمين الولاء والاخلاص والمحافظة على شئون البلاد والعباد, ثم سرعان ما يبدأون التخطيط لمشاريع التنمية الخاصة, وهي طبعاً غير مشاريع التنمية الخاصة بالرعاع من الشعب, فالتنمية عندهم لها مفهوم آخر.. يهدف أولاً وأخيراً الى (تنمية) ثرواتهم وأرصدتهم في الداخل والخارج, وأحياناً ــ إن لم يكن غالباً ــ تكون التنمية العامة ومشروعاتها الكبرى هي الوسيلة المثلى للتنمية الخاصة.. والخاصة جداً, حيث يتم في صمت تحويل مسار الجزء الأكبر من ميزانيات هذه المشاريع الى جيوب وأرصدة (حاميها) الذي يتقمص من حين لآخر شخصية (حراميها), ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة التي يرددها المسئولون دائماً: (دعونا نعمل في صمت)! هذا اللون من السرقات (الرسمية) وعلى أعلى المستويات يفسر تماماً سر اصرار الزعامات والرئاسات في العالم الثالث على عدم ترك كراسي الحكم إلا الى رحمة الله.. أو الى السجن أو المنفى, إما للاستمرار في المزيد من الهبر والنهب.. وإما خوفاً من ان ينكشف المستور وتنفضح الأمور بمجرد تخليهم عن السلطة, عندما يفاجأ الناس بأن خزائن بلادهم لم تعد تحوي سوى الأصفار, وأن الديون الخارجية والداخلية أصبحت هماً يفزعهم بالنهار ويقلق منامهم بالليل, كل ذلك طبعاً بفضل همة حكوماتهم (السيئة).. وبشطارة حكامهم التي لا تختلف كثيراً عن (شطارة) علي بابا والأربعين حرامي, والذين لا يكف إعلامهم عن الطبل والزمر لإنجازاتهم, ولا يتورع عن مطالبة الشعب الغلبان كل يوم بالتقشف وربط الأحزمة حزاماً بعد حزام, بدءاً من حزام البطون وحتى حزام الأمان في السيارة.. إن وجدت سيارة..! في آسيا وأفريقيا ودول أمريكا اللاتينية, حيث الفقر والتخلف تنتهي فترات الحكام والرؤساء عادة إما برصاصة تحول الحاكم الحاضر الى (حاكم راحل), كما حدث للمأسوف على كرشه (كابيلا) في الكونغو مؤخراً, أو بانتفاضة شعبية صاخبة لا تتوقف إلا بتنحية صاحب الفخامة عن السلطة وتحويله الى المحاكمة كما حدث ويحدث في الفلبين واندونيسيا هذه الأيام, والمصيبة انه لا أحد يتعظ, فما دام هناك (مال سايب) وأيدي الرؤساء طويلة ومطلقة بلا قانون, ولا دستور, فهم دائماً فوق القانون.. وفوق كل حساب لأنهم (كما تؤكد بطانتهم الإعلامية) معصومون باعتبارهم ظل الله على الأرض, ولأنهم مبعوثو العناية الإلهية لإخراج شعوبهم وبلادهم من دائرة الفقر والتخلف إلى عالم الثراء والتحضر, بادئين المسيرة بأنفسهم.. ثم بمن يحبون..!! وقبل أن نلوم أي (حاميها) تحول الى (حراميها) أو نظلمه, نؤكد إنصافاً للرجل أنه ــ بعكس حكام الدول الغنية ــ حاكم غلبان.. ومصاريفه كثيرة.., وأنه يسكن أعظم القصور ويركب أفخر السيارات ويرتدي أغلى الملابس, لا حباً في ذاته.. ولا بغرض المتعة الشخصية, بل بغرض الظهور أمام الأجانب وحكام الدول بما يشرف بلده ويظهرها بمظهر الدول العظمى والغنية.. حتى ولو كان ذلك وعلى حساب المواطن البسيط الذي يجب عليه التحمل وتقبل ذلك الوضع بصدر رحب, فمصلحة البلاد العليا فوق مصلحة الفرد العادي, حتى وإن مات من البرد أو الجوع..! أما التفسيرات المغرضة لعملية تحويل أرصدة البلاد وثرواتها إلى حساب خاص في بنوك سويسرا باسم هذا الحاكم أو ذاك باعتبار ذلك سرقة أو نهباً أمر يحتاج الى وقفة وإلى مراجعة لوضع الأمر في نصابه, بعض المحللين يؤكدون ان ذلك لا يتم الا في اطار حماية المال العام من نهب بعض المسئولين في الدولة, وليس أضمن لتحقيق هذا الهدف النبيل من تحويل ذلك المال الى حساب آخر باسم آخر, حرصاً عليه وإبعاداً له من أيدي العابثين وأصحاب النفوس الضعيفة..!! تفسير معقول ومقبول.. أليس كذلك..؟؟؟!!! أبوخالد

Email