كتاب العراق تحت الحصار

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان 2: يستمد هذا الكتاب اهميته من انه يقدم ثماني عشرة مساهمة من كتاب ومفكرين وصحافيين ورجال تجربة ميدانية بارزة ليقدم للعالم في 216 صفحة ما يمكن وصفه بأنه اهم توثيق للسنوات العشر، من الحصار الشامل الذي دمر العراق, كدولة حديثة وقضى على شرائح بكاملها من ابناء الشعب العراقي ولدور الولايات المتحدة وبريطانيا في لي قرارات مجلس الامن الدولي والتلاعب بها لمواصلة هذا القتل المعلن. ود.ادوارد سعيد محق في وصف هذا الكتاب بأنه افضل توثيق من نوعه للواقع المأساوي للعراق ولجوهر السياستين الخارجيتين لواشنطن ولندن ويشدد ادواردو وجارليانو على انه مفتاح أساسي لفهم النظام العالمي الجديد, ويحذر من ان مأساة العراق قابلة للتكرار على امتداد العالم الثالث. ويكفي ان نتذكر ان المساهمين في هذا الكتاب يضمون في صفوفهم اصحاب اسماء كبيرة, من بينهم نعوم تشومسكي وروبرت فيسك ودنيس هاليداي وغيرهم كثير. ما هي أسس السياسة الامريكية في الشرق الأوسط؟ وكيف يمكن ان نرى استمرار الحصار الامريكي ضد العراق من منظور تلك الاسس؟ في عام 1948 كتب جورج كينان الذي كان مخططاً سياساً في الخارجية الامريكية يقول: الولايات المتحدة تمتلك 50% من ثروات العالم, مقابل 3.6% من عدد سكان العالم وهو وضع سيجعلنا على الدوام موضع حسد وغيرة.. ان واجبنا الحقيقي في الفترة المقبلة هو ابتداع اسلوب من العلاقات يسمح لنا بالحفاظ على ذلك الوضع غير المتكافىء, من دون المساس بأمننا القومي. وهذا يقتضي منا التخلص من المشاعر والعواطف, وان نركز اهتمامنا حيثما كان على أهدافنا القومية المباشرة). وفي عام ,1999 كتب المحلل السياسي توماس فريدمان في صحيفة (نيويورك تايمز) يقول في معرض تفسيره لأسس السياسة الخارجية الامريكية): (ان اليد الخفية للسوق لايمكن ابداً ان تعمل من دون قبضة خفية. فأعمال مكدونالدز (سلسلة المطاعم الشهيرة) لا يمكن ان تزدهر من دون مكدونال دوجلاس. والقبضة الخفية التي تحافظ على البيئة المناسبة في العالم لازدهار اعمال وادي السيلكون الأمريكي تدعى القوات المسلحة الامريكية). والحقيقة ان الازدواجية الواضحة للسياسة الخارجية الامريكية, والتي كانت تتخفى في الماضي تحت اشكال واسماء وتمويهات مختلفة أسفرت عن وجهها وازاحت قناع التخفي في العراق, ولم تعد تهتم بأي تنكر أو تمويه. فالرئيس العراقي يقول عنه توماس فريدمان صراحة: (إن هدف سياستنا هو الخلاص من صدام, ولكن ليس من نظامه)! ولعل المحلل السياسي بيتر جيننتج كان اوضح عندما قال: (ان الولايات المتحدة تريد الاطاحة بالرئيس العراقي لكنها لا تريد ان يتولى الشعب العراقي السلطة). بعد عشر سنوات من الحصار الاقتصادي المفروض على العراق الذي يزيد فداحة عن اسلحة الدمار الشامل, ومن القصف الجوي الذي يخلف وراءه, وبصورة شبه يومية يغمض العالم عينيه تجاهها, دمارا هائلا لم يوفر حتى معامل معالجة القمامة وتحلية المياه والملاجىء وآبار المياه, بعد عشر سنوات من الحصار الذي يخلف وراءه كل عام أكثر من 70 الف ضحية من اطفال العراق, يقف انطوني ارنوف ليقول, بلسان مجموعة من المفكرين والباحثين اصحاب الضمائر الحية: كفى! لقد بذل ارنوف جهدا ملموسا في جمع 15 مقالا وبحثا بين دفتي هذا الكتاب, ونشرها, بعد ان اضاف اليها لائحة بأسماء المنظمات والهيئات التي تعمل جاهدة في الولايات المتحدة واوروبا على وقف العدوان الامريكي ـ البريطاني اليومي ضد الشعب العراقي. وعلى حد قول السياسي المعروف ادواردو جاليانو: هذا الكتاب يتيح لنا أن ندرك ونفهم النظام العالمي الجديد, ويحذرنا من ان المأساة العراقية يمكن ان تكون نموذجا للترهيب والغطرسة الدوليين في الازمنة المقبلة. ومن المهم هنا إلقاء الضوء على جانب من آراء اولئك الكتاب والباحثين, وذلك ان فيما يطرحونه الكثير من الحقائق والمواقف الجديرة بالوقوف عندها وتأملها. تناقضات العم سام يزعم المدافعون عن سياسة امريكا وبريطانيا بشأن العراق بأنها تهدف الى منع انتشار الاسلحة, وبصورة خاصة منع استخدام اسلحة الدمار الشامل. لكن هؤلاء ينسون ان واشنطن ولندن تغمضان العين عن دول كثيرة اخرى تنشر وتنتج اسلحة الدمار الشامل, طالما أنها دول صديقة للغرب, مثل اسرائيل, التي تمتلك سادس اكبر برنامج نووي في العالم, والتي ساعدت النظام العنصري في جنوب افريقيا على تطوير برنامجه النووي, قبل أن يتم القضاء على هذا النظام. والتناقضات في الموقف الامريكي عديدة, ويجري الدفاع عنها بصفاقة ودون خجل, فالولايات المتحدة تزعم في العراق انها تدافع عن الأكراد, فيما هي تتجاهل القمع التركي لهم بل ان الطائرات الامريكية التي تنطلق من قاعدة انجرليك التركية تقصف العراق ــ دفاعا عن أكراد العراق, تعبر فوق المناطق الكردية التي تستعرض فيها القوات التركية بطولاتها من دون رادع. ان حاجة الغرب لتبرير سيطرته على ما يسميه بــ (مصادر نفطه) في الشرق الأوسط هي السبب, كما يراه البروفسور ادوار سعيد, في ان (خطر التهديد الاسلامي بقي يتحكم لسنوات طويلة في السياسة الغربية وصحافة الغرب.. وقد بقي هذا الخوف والكراهية للعرب عنصرا اساسيا في السياسة الخارجية الامريكية منذ الحرب العالمية الثانية). ولذا ليس من المستغرب ان يقوم ساندي بيرجر, مستشار الامن القومي الامريكي في نهاية عام 1999م بتحذير الامريكيين من ارتفاع اخطار الاعمال الارهابية خلال الفترة الاخيرة من شهر رمضان, على الرغم من ان المسئولين الامريكيين أقروا, فيما بعد بأنهم لم يتلقوا اية تهديدات ملموسة او حقيقية داخل الولايات المتحدة. وعندما حاولت بعض المنظمات المبنية على اساس العدالة الاجتماعية تمرير قرار في مجلس الكونجرس الامريكي يدين التمييز ضد الاسلام والعرب, رفض مجلس الشيوخ قبول القرار بدون حذف فقرة منه تعترف بأن (المسلمين قد تعرضوا, وبسبب ديانتهم, الى التمييز والاضطهاد والعنف المنبثق عن الكراهية, مثلما حدث في اعقاب حادث تفجير المبنى الحكومي في اوكلاهوما). أما مجلس النواب, فقد رفض تضمين القرار فقرة تلزم المجلس بعدم تبني خط وموقف يجعلان من دين بأكمله كبش فداء). وفي اطار تلك الكراهية المتأصلة, تغذو طبيعية مواقف محلل سياسي واسع النفوذ, مثل توماس فريدمان, الذي يقول (ان على الولايات المتحدة ان تؤكد بوضوح للعراق, ولحلفائها, انها سوف تستخدم القوة من دون تفاوض ومن دون تردد وبغير موافقة الامم المتحدة.. اتخذوا ما يمكن من الخطوات لاعلان الرئيس العراقي مجرم حرب (في الامم المتحدة). انسفوا محطة كهرباء في العراق كل أسبوع لكي لا يعرف أحد متى ستقطع الكهرباء عن بيته). ان هذا التيار الذي مثله بالدرجة نفسها فريدمان ومادلين اولبرايت ينسى ان تدمير محطة كهرباء يعني تلف الطعام والدواء, وتوقف المستشفيات عن العمل وتلوث المياه, مزيدا من جنازات الاطفال. وللتذكير فقط, فإن أولبرايت هي نفسها التي ردت على سؤال عن كيف يمكن تبرير وفاة نصف مليون طفل عراقي نتيجة الحصار بقولها: (أعتقد أن الثمار تستحق هذا الثمن)! لقد اصبح تدمير العراق قصفاً وتجويعا من المظاهر اليومية للحياة في العراق, فالناس يتحدثون عن القصف كما لوكانوا يتحدثون عن المطر. ومع مضي الزمن, تتغير الاهداف الامريكية بطريقة لا تترك امام العراق خيارا غير الاستمرار في رفض التعاون. فبعد أن كان الهدف هو تدمير ترسانة الاسلحة العراقية, اصبح الهدف هو الاطاحة بالرئيس العراقي لكن كثيرين في العراق, وفي بقية العالم, يعرفون انه حتى لو تمت الاطاحة بالرئيس العراقي فإن العقوبات ستبقى, وسيبقى سيف الابادة مسلطا على اعناق العراقيين كدرس لغيرهم. 3 عناصر استراتيجية من منظور الكاتب نصير عاروري, عبر مساهمته في الكتاب, فإن هناك ثلاثة عناصر استراتيجية في المعادلة التي تدفع نحو استمرار الحـرب الامريكيـة ضد العراق. واول هذه العناصر اعادة تأكيد ان السيطرة الامريكية على الشرق الاوسط يجب ان تبقى بمنأى عن أي شك أو منافسة أو تحد أو حاجة للشرعية الدولية. وثانيها ما تزعمه واشنطن عن مسئوليتها عن الحفاظ على بيئة أمنية مستقرة في المنطقة, وهذا تفسيره بالمنطق الامريكي الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية, وثالثها ينطلق من مبادىء النظام العالمي الجديد, ويقضي بمواصلة الولايات المتحدة القدرة على استعراض قوتها باستمرار عن طريق تدمير كل من يجرؤ على تحديها أو من يمكن أن يفكر مستقبلا في ذلك. ان التقارير العديدة في وسائل الاعلام الاسرائيلية صيف عام 1990 (قبل غزو الكويت) تؤكد عزم ادارة الرئيس بوش (الاب) على منع العراق من الوصول لمرحلة الردع الاستراتيجي في مواجهة اسرائيل, وقد كانت ادارة بوش تخطط, بعد ضرب العراق, لتسوية عربية ـ اسـرائيلية شاملة, تتبع انتفاء وجود قدرة ردع عربية. وكان بوش يمهد الطريق الى مدريد, لكنه خسر الانتخابات, فبقيت خطته جاهزة الى حين فوزه هو أو من يمثله مرة اخرى. ولاشك في ان ادارة كلينتون ادخلت تغييرا جوهريا على مخطط بوش, وهو فصل موضوع العراق كليا عن التسوية الاخرى في الشرق الاوسط, وهي التسوية العربية ـ الاسرائيلية. وقد تبين ذلك في اكثر من مناسبة, عندما اقدمت واشنطن على قصف العراق, منتهكة قرارات مجلس الامن واتفاق عنان ـ عزيز وغيره. في الوقت الذي كانت تروج لموضع التسوية. وقد استغلت الولايات المتحدة بإتقان كبير انعدام وجود اية قوة في مواجهتها. فأظهرت للعالم عبر قصف العراق ويوغسلافيا بعد ذلك ان مسرح عمليات سلاح الجو الامريكي يشمل اوروبا الشرقية والوسطى والشرق الاوسط وشمالي افريقيا وشرق آسيا, والويل كل الويل لمن يجرؤ على تحدي قدرات واشنطن في جميع هذه المناطق! وفي اطار مقابلة مع فيليبس بينس ودينس هاليداي يتبين لقارىء هذا الكتاب أن الولايات المتحدة زعمت عام 1991 ان حربها ضد العراق كانت نظيفة وانها اصابت اهدافا بعينها بدقة بالغة بواسطة القنابل الذكية. وهذا غير صحيح, فالقنابل الذكية كانت غبية, ومعظمها اصابت اهدافا مدنية, اما الاهداف التي اصابها القصف عمداً فشملت محطات معالجة المياه, ومعامل تكرير النفايات ومحطات توليد الطاقة. وكان من نتيجة ذلك ان معظم الضحايا ماتوا بسبب المياه الملوثة, هكذا جاء النجاح الامريكي في تدمير هذا البلد الذي كان يمتلك افضل نظام صحي في المنطقة بأكملها. وكذلك النجاح في زيادة معدلات وفيات الاطفال من مستوى كان يعتبر متقدما في العالم, إلى مستوى يعتبر بين الادنى عالميا. في الوقت الذي تواصل الولايات المتحدة عدوانها, تواصل تغيير اهدافها, وتفسر قرارات الأمم المتحدة حسب اهوائها, فالقرار 687 مثلا الذي فرض العقوبات على العراق, ويدعوه لتدمير اسلحته التي تدخل تحت بند اسلحة الدمار الشـامل, يدعــو ايضا لاقامـة منطقة خالية من اسلحة الدمار الشــامل في المنطقة. وهذا يشمل ايضا القنابل النووية, لكن واشــنطن لا تبصر غير اسلحة العراق, وتتجاهل عن عمد ترسانة اسـرائيل. ثم من زود العراق بإمكانية صنع تلك الاسلحة؟ لقد فعلت ذلك شركة امريكان تايب كلتشرال كولكشن, بتزويده بما يلزم لانشاء ترسانة بيولوجية كبيرة وتلك الشركة أمريكية, وقد حصلت على موافقة حكومية بشأن صادراتها للعراق, وقد استمرت مبيعات واشنطن من تلك المواد للعراق حتى بعدما انكشف امر استخدامها ضد الاكراد, وما أن غزا الرئيس العراقي الكويت حتى تحول من (حليف مزعج ــ لكنه مفيد) الى هدف للضربات الامريكية. ولاننسى ان الولايات المتحدة كانت هي الطرف الذي منع المبادرات الدبلوماسية لحل ازمة الكويت سلميا من النجاح, بل إنها منعت مجلس الامن من التصويت على اتفاقية توصل اليها يفجيني بريماكوف وتقضي بانسحاب القوات العراقية من الكويت. وفيما بعد, قامت واشنطن برشوة الصين وكولومبيا واثيويبا كي لا تعارض القرار 687 في مجلس الأمن, وبالمقابل عاقبت اليمن بقسوة لانه صوت ضد القرار. وفيما بعد فرضت الولايات المتحدة ما تريده بشتى السبل, ومن غير ان تظهر ادنى اهتمام بتمويه افعالها. فمناطق حظر الطيران, مثلا مناطق محظورة فقط على الطيران العراقي. اما الطيران التركي الذي ينتهكها باستمرار لقتل الاكراد, فليس يدخل ضمن قائمة الحظر الامريكي. ان الممارسات الامريكية ـ البريطانية ضد العراق ليست سوى حرب ابادة فعلية, وإلا, كيف يمكن ان نفسر وفاة ما بين مليون الى مليون ونصف عراقي نتيجة الحصار والقصف؟ وأهمية كلام دينيس هاليدي المطروح في هذا الكتاب تعود الى انه كان ممثل الامين العام للامم المتحدة لتنسيق عمليات استلام وتوزيع المشتريات الغذائية العراقية. وهو الذي استقال من منصبه احتجاجا على صمت الامم المتحدة على العمليات الامريكية ضد العراق. هكذا تكلم تشومسكي يرى الكاتب المعروف نعوم تشومسكي في مساهمته في هذا الكتاب ان التفسير الجاهز دوما لتبرير السياسة الامريكية ـ البريطانية ضد العراق هو أن (الرئيس العراقي شخص حقود استعمل اسلحة الدمار الشامل ضد شعبه, ويستحق بالتالي ما يحدث الان). لكن هذا التبرير لا يصمد امام الحقائق, فالرئيس العراقي استخدم الاسلحة الكيماوية ضد الاكراد وضد الايرانيين خلال عام 1988. ورد الفعل الامريكي البريطاني آنذاك كان زيادة دعمها له عبر زيادة التسهيلات الائتمانية الممنوحة له كي يشتري مزيدا من المنتوجات الغذائية الامريكية لتعويض النقص الناجم عن تخريب الاراضي الزراعية بالاسلحة الكيماوية, ولا ننسى ان واشنطن انذاك كانت القوة التي نفت امتلاك العراق لتلك الاسلحة, لان الرئيس العراقي لم يكن محسوبا بين الاعداء اما اليوم فإن السبب نفسه الذي سبق نفيه يستخدم لتبرير الهجوم على الشعب العراقي وقتله كل يوم, والحقيقة ان محاباة الرئيس العراقي التي كانت بهدف تدمير قوة ايران العسكرية, انتهت بانتهاء الحرب مع ايران. والملاحظ هنا ان توماس فريدمان يكتب عن تلك المرحلة الزمنية ليقول ان افضل ما تبتغيه واشنطن هو عراق تحكمه طغمة عسكرية ذات قبضة حديدية ولكن سيكون من الافضل قليلا لو كانت بدون اسم الرئيس العراقي الحالي, كما لنذكر ايضا ان الدولة الوحيدة في العالم التي ايدت علنا ضرب تحرك الاكراد كانت اسرائيل. ان تفسير واشنطن للنظام العالمي الجديد, والذي عبر عنه بأفضل ما يمكن جورج بوش (الاب) بقوله ان ذلك النظام يعني: ان ما نقوله هو ما سيحدث ( وليس هناك مثال اصدق من قصف العراق والسودان, للبرهنة على مقدار الاحتقار الامريكي للشرعية الدولية, ولننظر معا الى مادلين اولبرايت وهي تتحدث عندما كانت تمثل بلادها في الامم المتحدة قائلة سوف نتصرف جماعيا حيثما يمكن, وافراديا حينما يجب, ومن لا يعجبه ذلك فليشرب البحر! أساطير وحقائق يقول احد الدبلوماسيين الامريكيين, متبجحاً كلما استطعنا التلاعب بمجلس الامن وابقاء العقوبات, كان ذلك افضل, لكن احداً في الادارة الامريكية لايكلف نفسه عناء التفكير فيمن يتضرر من جراء العقوبات, ولماذا يموت. 5000 رضيع عراقي شهريا, لجان تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء الخاضعة للسيطرة الامريكية توقف مئات الطلبات العراقية تحت ذريعة ان المواد المطلوبة يمكن ان تكون ذات استخدام مزدوج, وتسمح للعراق باستئناف انتاج اسلحة الدمار الشامل, والمواد المحظورة تشمل الات طبية للقلب والرئتين ومضخات وادوات زراعية وتجهيزات امان واطفاء حرائق ومساحيق للغسيل, بل وحتى عربات اليد المستخدمة في مواقع البناء لكن اللجان غير قادرة على تفسير سبب ذلك او تبرير موقفها. ان ما يسببه فقدان المواد الضرورية للحياة اليومية, بدءا من قطع تبديل كوابح السيارات وانتهاء بمواد تلقيح الاطفال امر يجل عن الوصف, ولجان تنفيذ البرنامج تواصل اضطهادها للشعب العراقي, غير عابئة بأحد او بنتيجة. وفي اطار مقابلات مع اعضاء في منظمة اصوات في البرية تطرح اسئلة مهمة منها, من الذي يتأثر بالعقوبات؟ الضعفاء, كبار السن, حديثو الولادة, المرضى واليافعون, ومعدل الوفيات تضاعف مرتين بين 1990 و 1998 بين من تقل اعمارهم عن 5 سنوات ونسبة من يشربون مياها صالحة انخفضت في الفترة نفسها الى 50% في المدن و 33% في الارياف, وقد تسبب ذلك في وفاة اكثر من مليون عراقي بينهم قرابة 000.600 طفل حسب تقديرات الامم المتحدة. يزعم البعض ان العراق انتهك قرارات الامم المتحدة فيما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك, وهذا غير صحيح فالفقرة 14 من القرار 687 تدعو لنزع السلاح في المنطقة لكن قيام الولايات المتحدة بتسليح جيران العراق ينتهك ذلك, والذين يستفيدون من السلاح الامريكي ومن التقنية الدولية, مثل اسرائيل وغيرها, هم ارهابيون دوليون ودكتاتوريون ومنتهكون لحقوق الانسان كما ان القصف الامريكي شبه اليومي, والذي اصبح نادرا ما يذكر في وسائل الاعلام, قد أودى بحياة الكثيرين, واصاب الالوف غيرهم بعاهات مروعة وجميع هؤلاء من المدنيين, وهذا الامر يؤكده شهود العيان من مختلف الجنسيات, مما يجعل النفي الامريكي لحدوث ذاك عديم القيمة. وفضلا عن ذلك, فإن القصف يمنع في حالات كثيرة وصول مواد الاغاثة, والاغذية للشمال والجنوب العراقيين علاوة على ما يسببه من تدمير للبنية التحتية, وهو ما يعيق ايضا عمليات النقل, ويمكن ان يضاف الى ذلك قوائم الممنوعات التي تضعها واشنطن, وتمثل مثلا السيارات الشاحنة المبردة اللازمة لنقل بعض الادوية والاغذية لانها قد تكون مزدوجة الاستخدام. التحيز ضد العراق كيف تتصرف وسائل الاعلام الحكومية والخاصة في الولايات المتحدة والغرب بالنسبة لموضوع العراق؟ بالاضافة الى تشويه الحقائق واهمال الوقائع تقوم وسائل الاعلام هذه بما يلي: تتجاهل او تقلص اثر العقوبات على الشعب العراقي. تتجاهل او تكذب التقارير التي تتحدث عن الخسائر المدنية من جراء القصف الامريكي البريطاني للعراق . تجسد العراق على انه الرئيس العراقي تصطنع توازنا موهوما في القوى تردد احاديث حكوماتها تبالغ في تقدير تهديد الاسلحة العراقية لا تستخدم من اقوال الخبراء غير ما يخدم اهدافها لكن نشاط اصحاب الضمائر الحية من مؤسسات وجميعات وافراد, يساعد على تغيير ذلك التوجه رويدا رويدا, ويدفع العديد من الصحف ووسائل الاعلام الاخرى لمراجعة مواقفها وشمل ذاك عددا من الصحف المعروفة بعيدة الاثر, مثل لوس انجلوس تايمز, دالاس مورنينج نيوز, كريستيان ساينس مونيتور, شيكاغو تريبيون, الجارديان, وكثير غيرها. ويلفت نظرنا الكاتب الصحافي روبرت فيسك بمساهمته في هذا الكتاب تحت عنوان (الحرب الخفية) حيث يشير الى ان العواقب الوخيمة التي بدأت تظهر على جنود دول الغرب الذين قاتلوا في كوسوفو وتعرضوا لآثار قنابل اليورانيوم, من اصابات بالسرطان وبأمراض الدم المختلفة, سبقهم اليها اطفال العراق الذين ارتفعت اصاباتهم بالسرطان اربعة اضعاف. وقادة الغرب, وعلى رأسهم بيل كلينتون وتوني بلير حاولوا اقناع العالم بأنهم لا يفعلون الا ما اضطرهم الرئيس العراقي لفعله, لكنهم لايتكلفون مشقة الاجابة عن سؤال واحد: ماهو ذنب هؤلاء الاطفال؟ والاثنان يدعوان لاقامة ديمقراطية حقيقية تمثل الشعب في العراق, لكنهما لايجيبان عن سؤال حول اصدقائهم الذين لايمثلون شعوبهم. فهل من قبيل الصدف ان كلينتون قصف الخرطوم وكابول عندما كان يواجه احرج مراحل قضية مونيكا لوينسكي وقصف بغداد وهو يواجه احتمال عزله من الحكم؟ الغريب في الامر ان الاوساط العلمية تقدر انه ستحدث خلال سنوات من القصف بقذائف اليورانيوم اكثر من نصف مليون وفاة بسببها, وسيكون معظمها موزعا بين الكويت وجنوبي العراق, الغريب فعلا ان الجميع يتجاهل هذه الحقيقة على الرغم مما تأكد عن اصابة الكثير من جنود التحالف الغربي وموتهم. ويعلق الكاتب هوارد زين على قصة طبيب عراقي فقد اباه واخاه على يدي النظام العراقي, ثم فقد امه وارملة اخيه وبناته الثلاث بعد ان اصاب صاروخ كروز امريكي بيته ويقول الكاتب ان كلينتون زعم ان هناك دولا اخرى غير العراق تمتلك اسلحة دمار شامل لكن الرئيس العراقي هو الوحيد الذي استخدمها, متناسيا انه ليس هناك دولة في العالم استخدمت تلك الاسلحة قدر الولايات المتحدة نفسها. وقد زارت الكاتبة كاثي كيلي العراق تسع مرات بين عامي 1990 و 1999 حيث اسهمت قدر استطاعتها في جهد كسر الحظر المفروض على العراق., وشاركت في جهود الاغاثة وهي تتحدث بتأثير بالغ عن زيارتها لملجأ العامرية الذي دمره صاروخ كروز وقتل فيه اكثر من 400 عراقي, ثم تشير إلى أن 88000 طن من القنابل التي ألقتها طائرات التحالف على العراق لم تحدث فيه جزءا يسيرا من الخراب والموت الذي تسببه العقوبات والحظر كما تتحدث عن التهديدات التي تلقتها هي ورفاقها والعقوبات التي تعرضت لها من قبل حكومتها الامريكية بسبب مواقفها. وتشير الكاتبة بربارة نمري عزيز من جهتها الى ان العقوبات المفروضة على العراق لم تترك اثرا ماديا متمثلا بالجوع والموت فقط بل دمرت الى حد كبير الحياة الثقافية والجوانب الابداعية لدى شعب قدم للعرب بعضا من اشهر كتابهم وشعرائهم وعلمائهم, والعراقيون جميعا يدركون ان كل واحد منهم سيكون في وقت ما, اليوم او غدا, ضحية للعقوبات والحظر, وحالة العوز التي وصلت اليها قطاعات كاملة من الشعب العراقي تجرد المجتمع من طاقاته الثقافية والابداعية, ومن اعتماده على نفسه. قتل دولة وشعب الكاتب جورج كاباتشيو هو احد النشطاء المعروفين في مجال محاربة وتحدي العقوبات المفروضة على العراق, وهو يبحث دور المنظمات الدولية الذي اصبح شبه معدوم بسبب العقوبات, في توفير ما توفره للدول الاخرى في مجالات الحياة العادية, وبينها منظمة الاغذية والزراعة واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والصليب الاحمر الدولي وغيرها, ويروي الكاتب مشاهداته في مستشفيات بغداد والموصل والبصرة, حيث يموت معظم من تستقبلهم هذه المستشفيات بسبب فقدان الادوية والمعدات الطبية اللازمة لعلاجهم, خاصة بعد ان استشرت امراض عديدة عديدة ناجمة عن سوء التغذية والقلق النفسي فضلا عن اصابات القصف المباشر. وبدوره يلقي د.بيتر بيليت الخبير العالمي الضوء على جانب من التأثير الوحشي للحصار على العراق فيقول انه كان لابد للثروة الحيوانية الكبيرة في العراق ان تتأثر مثل غيرها بالعقوبات, فأصابت القطعان امراض خطيرة معدية تهدد بالانتشار الى الدول المجاورة, ويعود ذلك الى ان ادوية تلك الامراض ممنوعة من الوصول الى العراق وبالمثل تأثر الانتاج الزراعي بسبب فقدان الاسمدة والآلات اللازمة التي يعتبر الغرب انها قد تكون مزدوجة الاستخدام. وكان من الطبيعي ان يؤدي ذلك كله الى تراجع مستوى التغذية بدرجة مخيفة, وان يترك اثره على الصحة العامة, ان امراض سوء التغذية اصبحت شائعة إلى درجة تنذر بخطر داهم, وسيحتاج الامر لعشرات السنين المقبلة للعودة بالعراق الى مستويات ما قبل 1991. وتشير دكتورة هدى عماش الى انه استخدمت خلال حرب الخليج اكثر من مليون قذيفة ذات رأس معالجة باليورانيوم المنضب ضد الجنود العراقيين, ويعادل هذا ما بين 320 ـ 350 طنا من اليورانيوم ويؤدي التعرض له عادة الى الاصابة بتليفات مختلفة وسرطان الدم والموت, والتعرض له ليس ضروريا ان يكون مباشرا بل يكفي ان يتناول الانسان طعاما ملوثا او ماء ملوثا كي يصاب بتلك الاعراض وقد ثبت وجود اثر لذلك اليورانيوم في اجسام الكثير من المدنيين العراقيين فضلا عن اجسام الجنود الغربيين الذين اقتربوا من مناطق الانفجارات والاهداف المضروبة دون ان تنبههم قياداتهم ــ عمدا ــ لاخطار ذلك. وعن دعم التحرك لانهاء العقوبات يقول شارون سميث ان جميع وسائل الاعلام الغربية التي كانت تهرع لتغطية احداث الحرب ضد العراق, وعمليات القصف المتكررة, كانت تتجاهل بصورة او بأخرى الخسائر المدنية من جراء القصف, لكن عملية اخفاء الحقائق لم تمنع الكثيرين من تحدي العقوبات والوقوف في وجه الحصار والسعي الى كسره بشتى السبل وقد تنامت هذه الحركة حتى اصبح لها دوي مسموع في شتى ارجاء العالم. كما ازداد اعضاء المنظمات الساعية لذلك, وتضاعف عدد انصارها حتى غدت ذات وزن مؤثر فعلا في دولها, وقد تعرضت تلك المنظمات لحرب رسمية مارستها واشنطن ولندن, تحت ذريعة الدفاع عن شرعية قرارت الامم المتحدة التي تنتهكها يوميا على مدار الساعة من دون خجل.

Email