حقائق جديدة حول الانجازات الحضارية لشعب المايا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان 2: قبل ثمانية عشر قرنا ظهرت علامات مرعبة في السماء وقضت مضاجع احدى القبائل الهندية المقيمة في مستنقعات المانجروف قرب خليج المكسيك, كان الهنود يعرفون، ويخشون العواصف التي تهب من خليج المكسيك والعواصف الماطرة والرياح الشديدة ولكن الشيء الذي ارعب شيوخ وحكماء وكهنة هذه القبيلة اكثر من العواصف كان الحوادث السماوية المرعبة ــ التي نعرف اليوم انها كانت مجرد خسوف وكسوف .. وقد نقش هؤلاء تلك الاحداث على صخرة كبيرة. وعلى امتداد قرون ـ ربما ــ ظلت الصخرة التي تحمل نقوشا للرموز الغامضة منتصبة على تلة ترابية في مكان هو اليوم نقطة التقاء ترعتين في خارج قرية (لاموخارا), وهي قرية يقطنها حوالي 300 شخص وتقع على بعد 20 ميلا جنوبي (الفارادو) على خليج المكسيك. وفي النهاية سقطت الصخرة وتدحرجت في العام 1944 بسبب التآكل في مجرى نهر اكولا في النقطة التي يلتقي فيها هذا النهر بنهر صغير آخر يدعى (بيوخو) وقد دهش صيادو الاسماك الذين كانوا يمارسون عملهم في النهر في نوفمبر من عام 1986 عندما اعترضهم عائق على عمق 30 قدما من الضفة اليسرى للنهر, وغطس هؤلاء في الماء وعثروا على الصخرة على عمق سبعة اقدام (اي حوالي مترين فقط). ونقلت الصخرة, وهي مسلة طولها سبعة اقدام ووزنها اربعة اطنان, الى متحف كسالبا للانثروبولوجيا ـ علم السلالات البشرية ــ في جامعة فيراكروز. دراسة متعمقة وقرر القيمون وعمداء المتحف ابقاء اكتشاف الصخرة طي الكتمان لمدة سنتين ليتسنى لهم اجراء دراسة متعمقة عليها دون دعاية, وكل ما يستطيع هؤلاء قوله اليوم انهم بدأوا فك الغازها. ويقول فرناندو وينفيلد كابيتين, احد كبار الباحثين في المتحف انه في اللحظة التي وقعت فيها عيناه على الصخرة ايقن ان اكتشافا كبيرا قد تحقق. ويضيف وينفيلد ان الصخرة تبدو انها تخص احدى القبائل التي سبقت المايا, وكانت تعبد الشمس والقمر, والارجح ان تلك القبيلة هي التي اعطت المايا الرزنامة الفلكية والنظام الرقمي اللذين ينسبهما التاريخ الى المايا. ويستطرد وينفيلد, الذي كان مدير المتحف عندما اكتشفت الصخرة, انها واحدة من اقدم واطول خمس قطع حجرية تحمل نقشا وكتابات في القارة الامريكية. وعثر ايضا على تمثال من الآجر لكاهن مختص بطقوس الخصوبة كان يعرف اسم (كسيبة توتيك). وكان التمثال محطما ومخزونا في منزل يبعد حوالي 40 مترا عن المسلة, فاستعيد التمثال البالغ طوله 19 بوصة, حيث جرى ترميمه, الا انه لا يقدم معلومات اثرية مهمة. وقد اجرى باحثون من بلدان عديدة بحوثا على الصخرة, ومع ذلك فان هؤلاء عجزوا عن فك الغاز الاحرف الهيروغليفية المنقوشة عليها, ولكنهم حققوا اكتشافا مذهلا يتعلق بالارقام والتواريخ المحفورة عليها. فمن هذه الارقام استنتج الباحثون ان النقوش تعود الى اواسط القرن الثاني الميلادي, وهي تشكل سجلا لفترة تمتد 25 سنة كثرت فيها الكسوفات وانتظام الكواكب, مما يبدو انه اصاب قلوب القبيلة القديمة بالهلع. وحتى الآن لم يتوصل الباحثون الى اكتشاف اسم القبيلة التي كانت تقطن في المستنقعات التي تكثر فيها التماسيح. ومعروف ان المكسيكيين كانوا يعبدون الشمس والقمر ويعتبرونهما آلهة الحرب والمطر, كما كانوا يعبدون آلهة اخرى, وبالنسبة للحكام والكهنة كانت حركة النجوم والكواكب في السماء مسألة حيوية باهمية الحياة نفسها, وكانوا يعتمدون على الاجسام السماوية من اجل قياس الزمن ووضع الرزنامات وقراءة المستقبل, والاهتداء بها في الملاحة. وفجأة, بدأت تلك (الآلهة) السماوية تتصرف بطريقة عشوائية وتشكل سلوكا شاردا, فماذا حدث؟ السجلات الفلكية الحديثة تؤكد ان القمر قد غطى وجه الشمس تماما تقريبا يوم 13 اغسطس سنة 128م, وحدث ظلام كامل في النهار. ولعل عددا من الناس اصيبوا بالعمى, او العطب في العينين وهم يتفرجون على الخسوف الحلقي الذي ظهر في برج الاسد, وحدث خسوفان حلقيان آخران ــ اولهما في 13 يوليو سنة 139 في برج السرطان فحجب كوكب الزهرة, والثاني في 2 مايو سنة 153 بين برجي الثور والحمل. كما حدث خسوف كامل في 12 يونيو سنة 150 في برج الجوزاء وتبعه خسوف حلقي في 11 ابريل سنة 153 بين برجي الثور والجوزاء ايضا. ويبدو ان الكهنة امروا الخطاطين الذين كانوا يتقنون الكتابة باللغة التصويرية (الهيروغليفية) بوضع سجل كامل لتلك الاحداث بعد حدوث ظواهر فلكية اخرى سببت لهم حيرة ورهبة لا تقل عما سببته الاحداث السابقة, كظهور نجمة غريبة الى جانب القمر, او ملاحظة وجود نجمة معروفة في غير مكانها الطبيعي. وفي النهاية تم نقش السجل على لوحة صخرية طولها سبعة اقدام متوازية الاضلاع قليلا ولها رأس شبه مدور من اجل حفظ المعارف والمعلومات التي اكتسبت للاجيال القادمة. ان نحت مثل هذا الاثر الحجري هو انجاز عظيم بحد ذاته, لانه لا توجد حجارة في المنطقة برمتها, وهي منطقة غرينية طفالية تخترقها الجداول وتغطي اجزاء منها المستنقعات, والاغرب من ذلك كيفية نحتهم الصخرة البازلتية, وهي من اقسى الصخور المعروفة على وجه الارض, ثم صقلهم لاحد سطحيها ومباشرة النقش عليه, خاصة وانهم لم يكونوا يملكون أية ادوات حفر معدنية. ويقول وينفيلد ان الارقام هي اشكال معروفة لدى المايا وهي مؤلفة من نقاط وخطوط عمودية, ومبنية على الرقم خمسة, وكل نقطة تمثل واحدا وكل خط يساوي خمس نقاط. والخط مع ثلاث نقاط يساوي ,8 وثلاثة خطوط ونقطة واحدة يساوي ,16 الخ. واستخدم وينفيلد وهوجو برستيناري كانوسا, عالم الفلك والرياضيات في كاليفورنيا جهاز كمبيوتر لبرمجة التواريخ, فاكتشفا ان المسألة تحتوي على ثلاث رزنامات كان يستعملها شعب المايا, واحداها رزنامة دينية لسنة مؤلفة من 260 يوما تدعى (تزولكين) , والثانية رزمانة (زراعية) لسنة مؤلفة من 365 يوما تدعى (ها اب) والثالثة (رزنامة للعد الطويل مولفة من 900.966.1 يوم). ولكن وينفيلد يقول ان المايا لم يكونوا قد ظهروا في القرن الميلادي الرابع في شبه جزيرة يوكاتان الذي يقع على بعد 700 ميل (1127 كلم) الى الشرق من الموقع, كما انهم ليسوا اقرباء قبائل الاولوميك المجاورة التي ازدهرت في الفترة الواقعة بين عامي 1050 و 500 قبل الميلاد. ويعتقد الخبراء ان القبيلة الهندية المذكورة ربما كانت تملك حضارة وسطية عاشت في الفترة الزمنية الفاصلة بين شعبي الاولوميك والمايا, ولكن الثابت انها قدمت للمايا الرزنامة والنظام الرقمي. واذا كان هذا القول صحيحا فانه ينبغي اعادة النظر في الكثير من الانجازات الحضارية المنسوبة الى المايا. ويحتوي النص المنقوش على المسلة على 36 رمزا (حرفا تصويريا) مستعملة في اكثر من 12 حضارة, عاش بعضها اكثر من 14 قرنا لاحقة ثقافات انتشرت في اماكن بعيدة مثل اواسط المكسيك وجواتيمالا والولايات المتحدة. واضافة الى 33 عنصرا, مثل النقوش التي تمثل اله المطر, يحتوي النص على 577 كلمة تصويرية (غليف) مقسمة الى مجموعتين في خانتين انيقتين يفصل بينهما فراغ محدد بوضوح. وتضم احدى المجموعتين 12 خانة (عمود) في جانبها الايمن وتسع خانات في الجانب الايسر ويتطلع الجانبان نحو بعضهما البعض ويجب قراءتهما من اعلى الى اسفل. وهناك 36 جملة او فقرة على الاقل يفصلها شلك ء, الذي يرمز الى (نقطة آخر السطر). وتتألف اطول فقرة من 31 كلمة تصويرية, واقصرها كلمتين. المكسيك ــ أ. ب

Email