مجرد رأي : عصفورية .. للقنوات الفضائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان 2: والعصفورية يا سادة يا كرام.. هو مستشفى المجانين في لهجة أهل الشام.. وحقيقة الامر ان القنوات الفضائية من ناحية الاسم ليست في حاجة الى عصفورية. بل الى (نسورية) .. (صقرية).. (عقابية) .. (ديناصورية).. شيء ضخم عريض المنكبين ليستطيع ان يلم هذا العبث والمجون والجنون الذي اصاب هذه القنوات العربية الاسلامية.. وهي في الوقت نفسه ليست في حاجة إلى مكان صغير مهندم محترم يا حلاته مثل المستشفى.. وانما في حاجة الى ما يشبه القلعة الحصينة المنيعة الموحشة التي يخشى الجميع الاقتراب منها حتى الطير الطائر في السماء.. مع تصفيد هذه القنوات بالاغلال كما الشياطين لانه في اعتقادي الشخصي ان الفارق الوحيد بينها وبين الشياطين ان الاخيرة لا نراها.. اما هي فتعكر علينا صفو حياتنا ولحظات راحتنا حتى في غرف النوم ببرامجها ومسلسلاتها الضحلة السطحية التافهة. يا سادة ياكرام.. ماذا تريد تلك الفضائيات؟ الجواب عندكم بعد ان احدثكم عن لقطات شاهدتها عرضا في بعض المسلسلات والبرامج.. واحمد الله اني لست متابعا لها.. والا لكنت الان في العصفورية مصابا بالتخلف العقلي والعقد النفسية والكآبة والاكتئاب والانعزالية بسبب محطات من المفروض انها ثقافة اتلقى منها الفكر والوعيد.. او هكذا يقال لنا!! في مسلسل خليجي بثته القنوات الفضائية في رمضان الماضي.. كاتبه وبطل حلقاته فنان معروف اراد ان يعالج كل مشكلات الخليج في مسلسل واحد!!.. فجاء بالمشاكل كلها (وكودها) على رأسه باعتباره البطل.. وناقش فيما ناقش حقوق المرأة فتحولت بعض المشاهد الى خطب حماسية بسم الله ما شاء الله كما خطب المغفور له بإذن الله مذيع صوت العرب السابق احمد سعيد في ايام حرب يونيو.. والاغرب انه طرح رأيا يدعو فيه لاباحة الاختلاط بين الرجال والنساء.. توفيراً للنفقات!! فبدلا من ان يتم بناء مدرستين... يتم بناء مدرسة واحدة.. وهكذا. طبعا.. لا يستحق ان نرد عليه في هذه النقطة بالذات. وفي نهاية المسلسل نفسه فوجئت بأن الرجل (يقص) تذكرة طائرة بعد ان انحلت جميع مشاكله فجأة بتدخل الحكومة.. ليعلنها صريحة مدوية انه ينوي الرحيل ليستقر في الهند ليستريح هناك.. فإلى ماذا يدعو المسلسل؟!! الجواب عندكم ومسلسل اخر تزامن بثه مع ضجة اعلامية لان فنانة كبيرة تلعب بطولته.. وفي احداثه دعوة لتمرد الابناء على الاباء بسؤالهم (من امتى انتي ياماما بتسأليني رحت فين وجيت منين؟!!) فالبنت الاولى تخرج كما تريد وتعود وقتما تريد.. والبنت الثانية تفرض رأيها وتتزوج مطربا على غير موافقة الأم التي تستسلم للامر بكل بساطة مع ان رأيها ان ذلك الشخص لا يستحق البنت لكثرة مشاكلة ونزواته وطيشه وغروره.. والبنت تعتبرها تجربة تريد ان تخوضها امانجحت وإما فشلت!!!. والولد لا يرى اي غضاضة في الخروج مع ابنة احدى الاسر.. بحجة الصداقة. والملابس التي ترتديها احدى الممثلات من تلك التي يقال عنها انها (تحت اللحم) وعارية البطن!!.. واغلب مشاهد المسلسل في الفنادق والملاهي والفلل وتكبير وتهليل للمطرب الذي يقول اي كلام في اي مكان بلا معنى ولا عنوان. هؤلاء هم القدوة.. فيا شباب.. اتبعوهم وخذوهم المثل و(الاستايل)!! اما البرامج فحدث ولا حرج.. برامج هدفها التركيز على الجنس الذي اصبح لغة العصر في الفضائيات.. فعدد كبير منها يتنافس في هذا المجال باعتباره المشكلة الوحيدة التي باتت تواجه العالم العربي بعد ان انحلت كل عقده ومشاكله. محطة فضائية تناقش على الهواء مباشرة قضايا الخيانات الزوجية.. ومتصلون ومتصلات يعترفون ويعترفن على الهواء مباشرة بالخيانة الزوجية.. وطبعا كل منهم يلقي بالتبعية على الطرف الآخر.. فهو لابد ان يكون من بيت اصول ومحترم ويعرف العيبة.. لكن الطرف الثاني هو الذي أجبره على الخيانة.. ونكاية فيه.. كانت جريمة الخيانة!! وقناة فضائية اخرى تناقش الزواج العرفي.. وجرأة في الرأي من احدى المشاركات وعلى المكشوف جعلت شعري يكاد يشيب .. نقاش مفتوح على الملأ بلا حياء.. وآراء خبراء تناقش وتحلل وتوافق وتؤيد.. وضيوف من الجماهير تصفق ببلاهة.. والحكاية كلها مسرحية هزلية وتمثيل في تمثيل. وقناة ثالثة تخصصت في مثل هذه البرامج.. وهذه البرامج تقدمها سيدة.. واحدى الحلقات كانت تناقش عذرية الفتاة وهل هي شرط للزواج.. والاجابات كانت على هذه الشاكلة الوقحة.. والمذيعة تتحرك بين الضيوف لتعطي كل ذي حق حقه في المشاركة.. وكلام خايب وقح سافل.. لا ينم إلا عن عقلية سطحية تافهة تريد ان تفرض علينا نوعا من البرامج والسلوكيات التي لاتمت لنا بصلة.. بل هي جرأة على الدين والاخلاق والمجتمع والتقاليد والعادات والاعراف والمثل والقيم.. وكل ما هو نبيل في مجتمعاتنا العربية. والطريف.. ان مسلسل (أوان الورد) الذي اذيع في رمضان.. ورغم مساوئه.. الا انه كشف جانبا من خفايا تلك البرامج.. فقد قدم في احدى حلقاته مشهدا يصور كيف تتم فبركة تلك البرامج ويكشف سلوكها ومسرحيتها الهزلية.. فالجمهور فيها عبارة عن مجموعة من الممثلين الكومبارس الذين حضروا ليقولوا ما أملي عليهم..و الخبراء جاهزون بكلام متفق عليه مسبقا.. والجمهور يتحرك بتعليمات من المخرج الذي كلف شخصا برفع لافته عليها مثلا كلمة (تصفيق).. فيصفق الحاضرون.. ولافتة عليها كلمة ضجيج.. فيتكلمون ويقاطعون.. والانكى.. المخرج يجلس في ستوديو مجاور يعطي التعليمات لمتصلة تجلس بجواره وتقول ما هو متفق عليه.. وانها تتصل من بلاد الواق واق وبلاد تركب الافيال!!! والجمهور يصفق!! هذه هي نوعية تلك البرامج. وهناك قنوات فضائية اخرى تخصصت في العري.. لحوم البشر معلقة على مذابح الموضة.. والكاميرات تتقل براحتها من قريب ومن بعيد وتتنطط مع المتنططين كما الفيديو كليب.. والشباب والصبايا يرقصون على انغام (الموسيقى) في سهراية ولا ارقص من ذلك حتى في احقر الكباريهات والمواخير.. وحتى ينكشف المستور ويظهر ان ذلك العري (فأول مقصود) .. فالهوانم شبه عاريات.. والرجال من الجمهور يلبسون الملابس الشتوية الثقيلة خوفا من البرد اللاسع في الخارج؟! وعدد من البرامج الفضائية تفرض علينا فرضا ان يكون الفنانون هم قدوة حياتنا.. ومع احترامنا لعدد منهم.. الا ان الخطاب الاعلامي الملح يفرض علينا سلوكيات نحن نرفضها.. فهذه البرامج كلها تركز على استضافة الفنانين وكأنه ليس في حياتنا الا هم.. اذا تحدثوا عن الموضة.. فلابد أن يرينا الفنان كيف تكون.. واذا تحدثوا عن الطبخ.. فيأتون بفنان يقف في المطبخ ليعلمنا كيف يكون الطبخ.. واذا ارادوا ان يعلمونا الخيبة الازلية جاءوا بالفنان نفسه ليعترف صراحة انه لا يعرف حتى قلي البيض!! وفي رمضان اذا ارادوا ان يكلمونا كلاما في الدين.. جاءوا براقصة لتحكي لنا كيف تؤدي العمرة وكيف تعتكف وتحج في رمضان(!!).. ولا باس ان تكلمنا بعد ذلك في اصول السهرات.. واصول الحب.. ولا بأس ان تنصحنا كيف نحل مشاكلنا الزوجية ومشاكلنا مع اولادنا!!! فالفنان بشكل عام اصبح هو المرشد والمعلم والقدوة والمثل والنموذج.. وهو دفة الحياة وشراعها.. وربانها.. وهو كل شيء فيها.. ونحن قومُ تبع! والتقليد.. التقليد في القنوات الفضائية على ودنه كما يقولون.. احدى المحطات الفضائية استضافت الشاعر المتمرد حتى على ملابسه وشعره احمد فؤاد نجم.. الرجل قال كلاما جميلا.. وفجأة.. انفتحت ابواب المحطات الفضائية على ذلك الرجل فاصبح ضيفا على كل محطات المنطقة في خلال اسبوعين.. والحوار هو نفس الحوار.. والكلام نفس الكلام.. والجلابية هي نفس الجلابية!!! وأزيدكم من الشعر بيتا ولكن في جانب آخر اكثر خطورة.. وهو الذي ادهشني وجعلني بالغ الدهشة.. ففي الوقت الذي يمارس فيه سيىء الذكر ايهود باراك تهديده ووعيده.. ويواصل ضغطه على الفلسطينيين لمزيد من التنازلات.. وتلويحاته بحرب الربيع.. فالحرب عنده حسب فصول السنة.. في هذا الوقت والعالم العربي في قمة الغليان من غطرسه وغرور هذا الباراك.. وفي قمة تعاطفه مع اطفال الحجارة.. تخرج لينا احدى القنوات الفضائية بعرض مثير وعميق وطويل وعريض ومن كافة الزوايا والاتجاهات والارتفاعات والانخفاضات يتحدث عن الطائرة الامريكية القاذفة الثقيلة (بي 52) وقدراتها الفائقة على التدمير و.. و... و.. ومحطة اخرى تتحدث عن اليورانيوم المستنفد وتأثيراته الخطيرة وتقدم نماذج لمن وقعوا ضحية له.. وفي محطة اخرى يتم تهييج الذكرى الأليمة.. وفتح ملفات انتحار لبنان في حربه الاهلية.. فإلى من يتم توجيه هذه الرسائل ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟!.. سؤال لا أجد اجابة عنه. ألست محقاً في طلب العصفورية أو النسورية أو الديناصورية لقنواتنا المحترمة الفضائية؟!! حـمـدي نـصـر

Email