أطفال العراق يبحثون عن أغنية تعيد الفرحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان 2: بغداد ــ (البيان): اختفت تلك الطفلة التي غنت (بابا حياتي .. احبك مثل بلادي .. تحيا بلادي) وغابت ملامح الطفلة السمراء التي غنت (بابا وماما, كل واحد يستاهل عين) وافلت (شمسية) الفنانة (مي اكرم)، منذ ان غادرتها لتتشبث باذيال الاغاني الخفيفة الخالية من اللون والطعم والرائحة .. لم يعد الطفل العراقي يستمع الى اغان موجهة له .. لم يعد يردد كلمات بريئة تناديه هو بالذات وتعلمه وترافقه حتى الكبر .. صار الطفل الان يردد كلمات اغاني الكبار, وترقص الفتيات الصغيرات بزهو رقصة (الماكارينا) او الرقص الشرقي الجديد الذي يحول اجساد الراقصات الى افاع عارية. * لننقب عن السبب, توجهنا في البدء الى دائرة الاذاعة والتلفزيون التي اسعدت الطفل طويلا باغان جميلة .. وفي قسم برامج الاطفال التقينا الملحن (حسين قدوري) الذي لحن اغان عديدة للاطفال في السابق .. سألناه عن سر ابتعاده هو الآخر عنهم فقال: ــ الساحة الغنائية خالية من اغان تلتصق في ذاكرة الطفل وتجري على لسانه وتكبر معه, ويعود ذلك الى عدم تشجيع قسم برامج الاطفال على تأدية مهامه بالوجه الاكمل كما السابق .. لم تعد هناك خطة حقيقية تهتم بالطفل او كادر علمي يعرف ما يناسب ذهن الطفل تحول الامر الى مجرد اذاعة او تقديم فترة برامج للاطفال تعتمد في اغانيها على افلام كارتونية اجنبية واغان عربية وبرامج لا تثير اهتمام الطفل لسذاجتها .. اين ذهب مثلا برنامج (الورشة) و (اصنع بنفسك) وحتى (المرسم الصغير) الذي تحول فجأة الى دار تجارية لتحقيق الربح من خلال الاطفال. اسئلة عديدة وامان مريرة مازالت راسخة في نفوسنا نحن الذين رافقنا هذا القسم طويلا لكننا لن نقدم له جهدا متميزا الا اذا اهتم بالطفل بشكل حقيقي وبمن يخاطب الطفل ايضا. الاذاعة اصعب * كيف تجتذب طفلا وتجعله يجلس قرب المذياع ليسمع برنامجا ما .. لابد انها مهمة صعبة جدا فالطفل لا يكل عن الحركة ويريد ان يمتع عينيه قبل اذنه .. اذن, لماذا يعد المعدون ويخرج المخرجون برامج اذاعية للاطفال وما النجاح الذي يحققونه معهم .. وجهنا هذا السؤال الى المخرج الاذاعي (كريم الهدو) فقال: ــ مهمة مخاطبة الطفل اذاعيا صعبة جدا لكننا نحاول سلوك مختلف السبل لانجاحها فبالنسبة لي استعنت بمقدمات برامج قادرات على التمثيل وتقليد الاطفال واعددت سيناريوهات خاصة للتقديم اضافة الى تقديم اصوات شخصيات يتأثر بها الطفل كالشخصيات الكارتونية وغيرها. * وهل هذا كاف لاجتذاب الطفل؟ ــ كوني مخرجا من قسم السينما فقد حاولت ايصال الصورة عن طريق الصوت لان السينما يحركها الجانب البصري وهو الذي يحدد جوهر السينما بينما في الاذاعة يوجد الصوت ولذا استعنت بالمؤثرات التمثيل والموسيقى والاغنية ولا ازال اعمل جاهدا على تحقيق هذه المعادلة الصعبة. * والاغاني .. هل تجد اقبالا؟ ــ نقدم اغان عربية وعراقية ولدينا برنامج طلبات اسمه (طلباتكم واغانينا) يعتمد على الدراما بالاضافة الى الغناء .. لان مقدماته مخرجات ومذيعات او من العاملات في الاخبار ومقدمات برامج اطفال وتصلنا طلبات باستمرار. * ما الهدف من برامج الاطفال الاذاعية؟ ــ اعداد النشء لان الاذاعة مؤسسة اعلامية لابد ان تقدم الارشاد والتوجيه للطفل حتى من خلال الاغنية والموسيقى. * وهل حققت لكم طموحاتكم الفنية؟ ــ بالنسبة لي , برامج الاطفال من اقرب البرامج الى نفسي لان تقديمها اشبه بالتحدي ومحاولة تقديم الجديد تحد اكبر فالاطفال لا يحبون التأني والسماع بل يجارون ايقاع الحياة السريع. شكاوى تلفزيونية * في التلفزيون كان الامر مختلفا فقد شكت مديرة قسم برامج الاطفال الآنسة (ميديا) من امور كثيرة حيث قالت ردا على سؤالنا عن سبب غياب الاغاني الموجهة للطفل: ــ اسألوا شعراء الاغنية .. لماذا يصرون على تقديم اشعار ثقيلة لا تلائم بساطة ذهن الطفل ولا تخاطب اهتماماته .. اسألوا الملحنين لماذا لا يحاولون ايجاد الحان مرحة ولطيفة ومختلفة قليلا فالحانهم متشابهة جدا .. اسألوا المطربين .. وهي بالذات جوهر القضية كما يقال .. لماذا لا يحاول المشهورون منهم التنازل قليلا والغناء للطفل اذا كان هذا يعتبر تنازلا ... انهم يكسبون جيدا وليسوا بحاجة الى المادة فلماذا لا ينفقون القليل على اغنية تمتع الطفل وتداعب خياله. * هل جربتم دعوتهم الى ذلك؟ ــ لم ندع مطربا الا ودعوناه للغناء للطفل او على الاقل الظهور في برامجهم الصباحية احيانا للتحدث لهم, لان الطفل يحب المشاهير ويستمع الى كلماتهم ونصائحهم, وتبقى في ذهنه لكنهم يجيبون بالرفض ربما لتصورهم ان ذلك يسيء الى صورتهم او يحط من مستواهم لكن العكس هو الصحيح, فالتعامل مع الطفل يحتاج الى ذكاء اكثر من التعامل مع الكبير واذا اعجبته اغنية ورددها فهذا يعني ان الفنان ناجح كفاية ليلبي حاجة روحية لدى الطفل .. هل رأيتم يوما سعدون جابر او كاظم الساهر او رائد جورج او هيثم يوسف يغني للاطفال؟! * الم تحاولوا الاستفادة من المواهب المدرسية كما السابق؟ ــ اذا وجدنا موهبة تستحق الرعاية فنحن نتلقفها مباشرة. * لماذا لا ترسخ الاغاني الحالية في الذهن .. واين يكمن الخلل؟ ــ لانها لا تحقق له المتعة بكلماتها المغرقة في التوجيه والبعيدة احيانا عن ادراك الطفل والحانها الثقيلة واخراجها الخالي من الحركة والتجديد .. والخلل يكمن في عدم تناول المطربين لموضوع الطفل بجدية والاعداد لاغنية تستحق الجهد والانفاق من قبله .. انهم يكتفون بشهرتهم ولا يعلمون ان اشهر الفنانين في العالم شاركوا الاطفال عالمهم في برامجهم او قدموا اغاني لهم. ابريق الشاي .. فقط! * اذكر ان التلفزيون طويل البال في السابق ويبحث عن الجذور لا القشور فيهتم بالطفل بشكل حقيقي, ولا يشغله ببرامج تجارية او ترفيهية لا طائل منها .. يقول الدكتور (جاسم الصافي) مدير التلفزيون التربوي. ــ كنا في السابق نقدم برامج تربوية وترفيهية تسمو بذهن الطفل كما نقوم بجولات على المدارس لتقديم برنامج (مواهب مدرسية) الذي فجر طاقات جديدة اضافة الى اقامة برامج مسابقات تحتوي على معلومات تنمي ذهن الطفل وتحفز جرأته وقدرته على المواجهة. * والآن؟ ــ صار (ابريق الشاي) بطلا لاغاني الاطفال واغنية (البنات) هي الاولى عراقيا رغم (مصريتها) واضافة الى اغاني صابرين ومحمد ثروت وغير ذلك. اما نحن فما زلنا متمسكين بالاغاني الوصفية الثقيلة على مسامع الاطفال .. بينما يجدر بنا مخاطبة الطفل بمفردات سلسة والحان خفيفة واصوات مرحة ليعي الطفل الاغنية ويحفظها ويرددها كما ردد اغاني (طيري يا طيارة) لانوار عبد الوهاب و (بغدادية) و (الشمسية) لمي اكرم. * ما السبب الحقيقي برأيك؟ ــ لم يعد المسئولون عن هذه البرامج يبذلون جهدا فعليا بل يعملون بما هو موجود ولايتعبون انفسهم بالبحث عن المواهب, كما ان الدائرة ايضا لا تقدم الدعم الكافي لانتاج برامج جديدة وتكتفي بالبرامج التي لا تحتاج الى انفاق .. اضافة الى ان المطربين مثلا بدأوا يحسبون القضية حسابا ماديا فيقدرون مدى الربح والخسارة ويخرجون بنتيجة ان اغاني الاطفال لاتفيدهم ماديا فيرفضونها. * (وليد حبوش) معد ومقدم برنامج (هيلا هوب) الذي يحبه الاطفال كثيرا وينتظرونه يوم الجمعة على قناة الشباب, هل قدم البديل؟ ــ هو برنامج جميل في ظاهره لكنه يعتمد اساسا على المادة فكل طفل يشارك فيه لابد ان يدفع ثلاثة الى خمسة الاف دينار وكل ما يقدمه وليد فيه مواد منقولة عن برامج عالمية او عربية ومعلومات بسيطة لا تنفع الطفل بشيء لكنه يعتمد اسلوب التقديم والالعاب والجوائز وفعاليات الاطفال الساذجة الاخرى. * اليس من بديل اذن؟ ــ كان يمكن ان يصبح ( وليد حبوش) ليس صديقا للاطفال فقط (مثل عمرو زكي) بل مرشدا ومربيا لهم لكن الربح المادي حول كل مفردات الفن في العراق الى وسائل للكسب دون عمق او هدف تربوي .. ولنكن صريحين اكثر فنقول ان الحصار اثر على مستوى الفن في العراق فغابت كوادر تربوية وفنية رائعة وبقيت عناصر متواضعة وحتى لو وجدت المواهب فالامكانيات مفقودة تماما وهذا ما يثبط الهمم ولا يحقق للطفل ما تحقق له في السابق.

Email