الفنان حكيم جاسم: منع عرض مسلسل السياب خسارة للثقافة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل من الممكن ان يتصور احد ان الشاعر بدر شاكر السياب رائد الحداثة في الشعر العربي موجود حاليا في دولة الامارات العربية المتحدة ضيفا عزيزا ومبدعا حيث يعمل مديرا فنيا لمسرح الفجيرة القومي منذ سنة تقريبا؟ قد يعتقد البعض ان هناك تشابها بالاسماء أو الالقاب خاصة ان السياب عاد من جديد ليحتل الصدارة في قضية النزاع بين عائلته والمنتج الفنان سعدون جابر. فبين فترة وأخرى يعيش الوسط الثقافي في العراق هاجس قضية مسلسل حياة الشاعر بدر شاكر السياب بعد ان دخلت اروقة المحاكم والقضاة وبات يقلق الجميع الذين هم بانتظار ما سوف تسفر عنه العلاقة المتشابكة بين عائلة السياب متمثلة بابنته (آلاء) وبين منتج المسلسل الذي يرفض تعويض المبالغ الكبيرة جراء استغلال اشعاره, في حين ان الخاسر الوحيد في هذه القضية السياب نفسه والجمهور الذي ينتظر مشاهدة قصة حياة شاعره الكبير. لذلك حملنا اوراقنا وتوجهنا صوب (الفجيرة) وحينما سألنا عن السياب الشاعر وقف امامنا الفنان المخرج المسرحي العراقي حكيم جاسم وقال مبتسما: نعم انا السياب لكن في تداعيات الحاضر عبر الصورة والتمثيل فقد اعدت حياة شاعرنا الكبير عبر المسلسل التلفزيوني (غريب على الخليج) . والفنان حكيم جاسم ممثل معروف عند الجمهور في العراق وحاصل على الماجستير في الفنون المسرحية من كلية الفنون الجميلة ببغداد. ومعه دار هذا الحوار: * بما أنك لعبت دور السياب فلابد ان لديك بعضا من هذه التفاصيل المؤلمة؟ ـ حقا كما تقول انها مؤلمة ليس لنا فقط بل للسياب نفسه الذي عاش ومات فقيرا لا يبدو في الافق اي حلول وسط بين الطرفين, ومع انني بعيد لكني متابع للاحداث وقد تأتي احيانا مبالغا فيها كمحاولة القبض على سعدون جابر ولأن القضية قضائية وتحتاج الى وقت يبقى السياب اسير العلب وللاسف الشديد ان آلاء السياب التي رفعت قضية تعويض لم تدرك ابعاد المشكلة بل ان هناك اناسا وراء تحريضها فليس من المعقول ان تطالب بحقوق بحجم مئة الف دولار مع ان المسلسل لم يكلف انتاجه 50 الف دولار بالاضافة الى ان سعدون جابر عرض عليهم ان يأخذوا المسلسل ويعطوه كلفة انتاجه لكنهم رفضوا. * لكن يبدو انك منحاز للمنتج؟ ـ ابدا بل اعتقد ان الموضوع يحتاج الى مرونة من قبل الطرفين حيث يبقي الهدف الاساسي تقديم السياب شاعرا ومبدعا وانسانا معذبا فهو ثروة ثقافية عربية وعالمية ومطلوب في اغلب القنوات الفضائية العربية والعالمية. * وهل عرقلت هذه الحوادث مشاهد التصوير حينها؟ ـ طبيعي, فقد كانت هناك محاولات من آلاء السياب لايقاف التصوير لكننا كنا مصرين على الانتهاء منه, وكنا نذهب للتصوير في سرية تامة الى البصرة وجيكور مدينة السياب والى نهر بويب كما صورنا منزل الاقنان. * وفي بغداد؟ ـ التصوير كان يجري بشكل طبيعي فيما تولى المنتج متابعة القضايا القانونية حتى انه في بعض الاحيان اراد ان يوقف العمل لكنه كان يتراجع في اللحظات الاخيرة نتيجة تعلقه بالسياب. * لكنها في جانب آخر تجارة وطلب عائلة السياب شيء مشروع؟ ـ انا لا أنكر حق عائلة السياب لكن لا يمكن تحقيق هذه الطلبات المغالى فيها صحيح ان سعدون جابر سيستفيد من المردودات المالية للمسلسل وهذا ايضا شيء مشروع بعد ان كلفه الانتاج مبالغ طائلة وفي هذا الوقت بالذات. ثم ان مبادرته خطوة يحمد عليها. * وخارج العراق أين صورتم؟ ـ في دمشق وبيروت وكانت لحظات لا تنسى لقد احتفى بنا جميع اصدقاء السياب ومعارفه والمثقفين فأقاموا ندوات عامرة بالشعر والذكريات وقدم حينها سعدون جابر قصائد غنائية من شعر السياب فاختلط الشعر بالموسيقى بالدموع والحنين. * نعود الى جانب آخر, كيف تقمصت حياة شاعر مثل السياب, وهل منحته ذلك الاستحقاق الشخصي سواء على صعيد حياته الشخصية أو الشعرية أو السياسية؟ ـ لقد درست حياة السياب بكل عناية ليس فقط حينما تم اختيار للدور بل في اوقات سابقة لكنني تعمقت فيه اكثر خلال هذه الفترة, فوجدت ان هناك ثلاثة محاور مهمة في حياته: المرأة, السياسة, والشعر, المرأة ربما هي وجوه متعددة لجسد واحد وإلا فما الذي يجعل التأثير للمرأة في حياته متقاربا مع التجربة الشعرية, فابنة الجلبي ووفيقة ولبيبة ولميعة ولوك البلجيكية ولمعان.. الخ, وبما ان السياب قد فقد امه في سن مبكرة فإن لهذه الحادثة اثرا في تعلق السياب بالمرأة الأم بشكل الحبيبة. أما في الجانب السياسي فقد كان لها الأثر البالغ في تكوين شخصيته فهو قد تربى على افكار عمه عبدالمجيد ( لعب دوره الفنان يوسف العاني) اليسارية لكنه سرعان ما اعلن انسحابه من كافة التنظيمات المذكورة ويعزى ذلك الى شخصيته القلقة والمتقلبة لكن ذلك لم يؤثر على نتاجه بل بقي مبدعا ولامعا بعد انسحابه منها وبعد التجربة التي خاضها في نضاله السياسي مطاردا من قبل السلطة ولجوئه الى الكويت عن طريق ايران وما لاقاه في المنفى من ضغط من قبل اللاجئين الشيوعيين العراقيين واتهامهم له بالتأثر بالبرجوازية.. كذلك ما جرى في بغداد حيث تبنى الشيوعيين البياتي وروجوا له فأصيب بخيبة كبيرة واحباط فبقي وحيدا ومع ذلك فقد تطورت تجربته الشعرية اكثر من قبل وبات شعره واضحا. المحور الثالث هو الشعر فقد كان السياب مميزا وواضحا ابتداء من ديوانه (أزهار ذابلة) وانتهاء بآخر قصيدة كتبها في المستشفى في الكويت, وبالتأكيد كان للسيباب عمق ثقافي رصين منذ المرحلة الثانوية في البصرة واطلاعه على تجربة الشعر العربي القديمة ومعاصرته لتجربة الشعر الحديث في العالم ودراسته للأدب الانجليزي التي فتحت امامه آفاقا ارحب واكبر اذ كان يقرأ الشعر بلغته الأم دون ترجمة. وللمرض دور ايضا في التجربة الشعرية السيابية فقد كانت رحلة عذاب طويلة وقاسية جدا الى ان تغلب المرض عليه في العام 1964 في المستشفى الأميري بالكويت وعاد محمولا في نعش برفقة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي. * هذه مرحلة الدراسة الميدانية لدورك كممثل فماذا عن مرحلة التنفيذ؟ ـ لقد وقفنا في البداية امام مشكلة التشابه في الشكل بيني والسياب وملامحه المميزة في الشكل هي الانف والاذنان وبدأنا بعمل تجارب مع الماكيير باستخدام مادة (البلاستو) لتكبير الانف والاذن ولما لم تنفع اتصلت بالنحات العراقي نداء كاظم الذي قام بنحت نصب للسياب قبل فترة زمنية ولا يزال النصب مشرقا على شط العرب. وقد ابدى نداء كاظم استعداده وبدأ يعمل بورتريت للسياب, وبعد ايام ذهبت الى مشغله فكان بانتظاري عاملا قوالب للانف والاذن من مادة شمعية مخلوطة بمادة اخرى ثم اضفى عليها لونا قريبا للبشرة ورائحة طيبة ووضعت في علبة داخل الثلاجة لحين التصوير. بقي ان نعرف ان السيناريو كتبه الناقد والكاتب سامي محمد واستمر التصوير اكثر من ستة اشهر وضم اغلب نجوم الشاشة العراقية مع بعض الضيوف العرب. لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحا متى يفرج عن السياب في محاكم القضاء؟ كتب ظافر جلود

Email