استراحة البيان ، جبل علي وميثاء وهور العنز ، يكتبها اليوم: سامي الريامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

..(شعرت بسرور عظيم عندما كنت أتجول في أحد المراكز التجارية في مدينة نيويورك الأمريكية, ووقعت عيناي على (تي شيرت) قطني جميل.. وسعادتي لم تكن بسبب القطن أو القميص, وإنما كانت بالكلمات الجميلة الموجودة على قطعة القماش الصغيرة بأعلى القميص, وقد كتب عليها (صنع في جبل علي)) . ويضيف صاحبنا الذي رجع لتوه من أمريكا في زيارة عمل: (بالفعل شعور رائع وجميل عندما وجدت بضاعة من بلادي تباع في وسط واحدة من أشهر مدن العالم وأكثرها تطوراً, ومن شدة الفرح أخذت القميص, وذهبت إلى البائع وسألته (مستعبطاً): عفواً أين تقع جبل علي التي صنع منها هذا القميص؟! فأجاب البائع: انها منطقة صناعية في مكان بالشرق الأوسط) . عموماً لن نلوم البائع لانه لم يستطع تحديد موقع جبل علي بدقة, ويكفينا فخراً أن نجد اسم هذه المنطقة الصناعية قد انتشر في كافة بقاع الدنيا شرقها وغربها. وربما من الصعب علينا أن نحدد بالضبط عدد الأشخاص الذين يعرفون (جبل علي) أو سمعوا عنها في كافة أنحاء العالم, ولكن الأكيد أنهم يتجاوزون عشرات بل مئات الملايين من البشر دون مبالغة, فالمنطقة أصبحت شهيرة في كافة المدن الخليجية والعربية كما انها شهيرة في الشرق الأوسط, وفي معظم الدول الصناعية الكبرى وشرق وغرب آسيا, اضافة إلى ان الشركات والمصانع المتواجدة في المنطقة هي فروع لشركات عالمية في أوروبا وأمريكا.. إذن فإن جبل علي (كاسم) معروف لدى مئات مئات الملايين. ولكن مع انتشار هذا الاسم ألم يفكر أحد خاصة من مواطنينا, وبالأخص شبابنا, ماذا سيجيب لو سأله أي أجنبي من هو (علي) هذا الذي أطلقتم اسم الجبل عليه؟!.. بالفعل ألم يتبادر إلى ذهن أحد منا لماذا سميت المنطقة بهذا الاسم؟! وأين هذا الجبل؟ ومن يكون هذا (العلي)؟!.. أسئلة حاولت الحصول على اجابة عنها طوال الاسبوع الماضي لكني لم أستطع!! البعض من كبار السن طبعاً يقولون ان (علي) هو شخص متدين أو بالأحرى (مطوّع) كان يعالج الناس و(يقرا) عليهم, وهو مقيم في خيمة بهذه المنطقة التي اتفق الجميع على انها كانت تسمى (اليبيل) بمعنى الجبيل وهي تصغير كلمة جبل نظرا لوجود ربوة مرتفعة, كان يسكن أسفلها علي بن درويش في خيمته.. أما البعض فإنهم يقولون ان علياً هو (بدوي) كان يسكن في غار خلف (اليبيل) ويقيم فيه بشكل دائم وحيداً, ولا يذهب إلى أهله إلا مرة في كل بضعة أيام.. فبدأ الناس يطلقون على المنطقة اسم (جبيل علي) نسبة له ثم عرفت لاحقا بجبل علي. وبكل تأكيد فإن هناك روايات أخرى لأشخاص آخرين عن سر تسمية جبل علي, ولكن وبكل أسف فإنه لا توجد جهة (رسمية) واحدة تملك معلومات (موثقة) عن سبب التسمية, مما يجعل مجال الشبهة واردا في كل الروايات السابقة. وبشكل يومي تتبادر إلى الذهن تساؤلات حول الأسماء المكتوبة على اللوحات الارشادية الضخمة المعلقة على الطرق الرئيسية والفرعية.. يا ترى من هي شمّا المقصودة في تسمية منطقة (ند شمّا)؟ ومن هي ميثاء التي سميت منطقة (عود ميثاء) باسمها؟.. ترى كم عدد الأشخاص الذين يعرفون معنى (القرهود) أو (الخوانيج) أو (العوير) أو (المنخول) أو (الخبيصي)؟ وكم عدد الذين يعرفون معنى (أم سقيم) و(أم هرير) و(أم رمول) و(أم نهد) وغيرها وغيرها من أسماء المناطق في مختلف أنحاء الامارة؟! للأسف فإن معظم الأجوبة غير معروفة لدى غالبية الناس, وهي موجودة عند قلة قليلة من كبار السن الذين لم تسع إلى الآن أي جهة رسمية إلى توثيق المعلومات منهم وحفظها للأجيال القادمة! بالفعل شعرت بحسرة وأسى عندما لم أستطع كشف هوية علي (راعي الجبل), ولكن هذه الحسرة تضاعفت عندما عرفت معلومة بالصدفة وأنا أحاول جمع المعلومات.. معلومة نسفت كل معتقدات أيام الطفولة والشباب عن منطقة (هور العنز) التي تعتبر واحدة من مناطق ديرة السكنية والتجارية الشهيرة, وهي ما زالت تعشعش في الذاكرة رغم الابتعاد عنها منذ زمن طويل.. ذكريات أيام (الشقاوة) عندما كنا نمشي إليها لنلعب مباريات في كرة القدم, وعادة ما كنا نرجع باصابات متفرقة في أنحاء الجسم اما بسبب الكرة أو ما بعد.. الكرة.. كنا دائما نتساءل هل سبب تسمية هور العنز يرجع لوجود (زرائب) كثيرة للماعز و(الدبش) أمام معظم المنازل؟! ثم اقتنعنا بما رواه لنا أحد الأصدقاء الذي قال ان جدّه أخبره بأنها كانت منطقة عشبية جيدة يرعى فيها الناس (العنز).. وظلت هذه المعلومة في الذاكرة إلى أن تحطمت في الاسبوع الماضي فقط عندما أدركت ان هور العنز لا علاقة لها بالعنز اطلاقا, إنما (العنز) هي خيل شهيرة سميت كذلك لانها كانت ودودة ومطيعة لصاحبها بشكل كبير, هذه الخيل ماتت في هذا (الهور) وهو الأرض المنخفضة, فدفنت هناك ومن شدة معزتها عند صاحبها سميت المنطقة هور العنز نسبة إلى الخيل لا العنز!! وهكذا فإن وراء كل تسمية حدثا وتاريخا وتراثا ومعلومة.. ألا تستحق كل هذه الأمور أن تحفظ للأجيال حتى يتعرفوا على مآثر الأجداد وقصصهم؟. بلدية دبي تسعى جاهدة لترميم المباني الأثرية والقلاع والبراجيل وحققت في ذلك نجاحا كبيرا في بيت الشيخ سعيد, وفي واجهات خور دبي ومنطقة البستكية التي تفوح منها رائحة التراث الزكية.. فهل يمكن أن نرى جهدا موازيا في التوثيق التاريخي لأسماء المناطق يحفظ للأجيال القادمة جزءا من تراثهم. عندها لن يتوانى صاحبنا في أن يشرح للبائع في (نيويورك) موقع جبل علي وبماذا تشتهر المنطقة, والأهم من ذلك لماذا سميت جبل علي!!

Email