الشاعر كمال الشرابي: كتبت قصيدة التفعيلة قبل الملائكة والسياب بست سنوات ، ادونيس نشر اولى قصائده في مجلة القيثارة التي اسستها مع اصدقائي عام 1946

ت + ت - الحجم الطبيعي

كمال فوزي الشرابي, اسم بارز في المشهد الثقافي والشعري سوريا وعربيا, فهو يكتب الشعر منذ ستين عاما وله سبق ريادي في قصيدة التفعيلة كما يقول عنه الناقد والاديب (وليد مشوح) , واصدر خلال مسيرته الشعرية الكبيرة ثلاثة دواوين مطبوعة (قبل لا تنتهي ـ الحرية والبنادق ـ قصائد الحب والورد). وله قيد الطبع ديوانان: (بواكير الغزل والجمال ـ جنة المحبين). كما اصدر مجلة (الصرخة) عندما كان في الثالثة عشرة من عمره, واصدر عام 1946 مجلة (القيثارة) , وله قصائد زجلية اداها مطربون كبار. انخرط باكرا في القراءة والتأليف والصحافة المكتوبة مع عدد كبير من رموز ثقافية عربية وسورية حيث تجمعت له حصيلة معرفية في خزانة ذكريات عمرها 77 سنة هي عمرالشرابي. الذي كان لنا معه هذا اللقاء. * الشاعر كمال فوزي الشرابي حكاية متدفقة وغزيرة بالحقائق والاساطير فمن اين نبدأ؟ ـ حكايتي مع الشعر بدأت كاسطورة لأن والديّ كانا يحبان الشعر ويحفظانه, فقد علماني وانا في سن الخامسة لامية العجم للطفرائي. ثم حفظت كثيرا من القصائد واحببت الشعر وكنت اتغنى به, وادندن به احيانا, بعد ذلك في سن العاشرة انتقلت الى قراءة الروايات والقصص, وخصوصا المغامرات والبطولات كـ (سيرة عنترة والملك الظاهر وحمزة البهلوان وتغريبة بني هلال) . ثم قرأت المنفلوطي وجبران, والروايات التي تبحث في المغامرات في الادب الفرنسي. كنت مولعا ايضا بقراءة المجلات وكنت احلم, وانا في الحادية عشرة ان اصدر في يوم من الايام مجلة, وحين كنت تلميذا في (الكلية العلمية الوطنية) بدمشق عادت هذه الفكرة الى مداعبة خيالي, فاتفقت مع زميلين هما المرحوم (سعيد القباني) والاخر من بعلبك (نجيب المرتضى) , وتعاونا على تحرير المجلة واسميتها (الصرخة) وذلك تأييدا للصرخات التي كانت تنطلق ضد الاستعمار الفرنسي آنذاك. * لماذا توقفت مجلة (الصرخة) ؟ ـ لم تتوقف لعجز مالي, وانما لانتقالي كرئيس تحرير في (الكلية العلمية الوطنية) الى مدرسة البعثة الفرنسية العلمانية في طرطوس باعتبار ان والدي كان مديرا للمال في صافيتا, والحقيقة ان هذا الانتقال وان يكن قد اسعدني, الا انه حزّ في نفسي. قصيدة (العذارى) * يقول الناقد وليد مشوح ان قصيدتك (العذارى) سبقت ريادة السياب ونازك بخمس اوست سنوات فما هي قصتها؟ ـ في عام 1942 كانت تصدر بدمشق مجلة ادبية اسمها (الصباح) وكان يرأس تحريرها الاديب والصحافي (عبدالغني العطري) وكنا كشعراء وادباء شباب ننشر فيها ويشجعنا على ذلك محبة صاحبها ورحابة صدره. وصدف ان انتقل الى الملأ الاعلى قبل سنة في عام 1941 شاعر الهند الاكبر (رابندرانات طاغور) وكنت معجبا جدا به واطالع مؤلفاته, فكتبت قصيدة (العذارى) في رثائه, وارمز بالعذارى الى عرائس المحبة والحكمة والطيبة التي كانت تزامل وترافق الشاعر الكبير في حياته الانسانية والادبية الحافلة, ثم انسحبت الى عزلتها حزينة باكية على فقدها من كان يرمز اليها باشعاره الخالدة. وتبدأ القصيدة بهذا المطلع. (على منبع الانجم وفي زرقة المنحنى الملهم حدا السامر العبقري بلحن رغيد ثري ثلاث عزارى ملاح سهاري وكما اشار الاديب وليد مشوح, يلاحظ القارئ ان هذه القصيدة قد نظمت على شعر التفعيلة, وهي اول قصيدة تنظم كذلك في الشعر العربي وتسبق ريادة بدر شاكر السياب ونازك الملائكة بست سنوات. * سمح للشاعر تمكنه من الثقافة الفرنسية ولغتها ترجمة العديد من ادبائها وشعرائها, ماذا اضافت اللغة الفرنسية لشاعرية الشرابي؟ ـ عندما كنت تلميذا في الرابعة عشرة من عمري في مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية بطرطوس. وكنت اقرأ معظم الشعراء الفرنسيين, واعجب خاصة بالشاعرين (لامارتين وألفريد دموسيه) وفي حفل ختام السنة الدراسية, انتقاني المدير واستاذ الادب الفرنسي لقراءة قصيدة (البجع) وذلك لشدة الشبه بيني وبين الشاعر دموسيه, وهذا التعلق بدراسة اللغة الفرنسية افادني كثيرا لأن من يحب شيئا يبدع في صنعه. * ما حكاية مجلة (القيثارة التي صدرت 1946 ويقال انها خلفت مجلة (ابولو) التي كانت تصدر بالقاهرة, لماذا توقفت؟ ـ في سياق هذا الحوار يتبين على ما اعتقد حبي او بالاحرى هوسي في اصدار المجلات, ولذلك حين كنت في اللاذقية اعمل موظفا تداعينا نحن زمرة من الشباب المثقفين الى اصدار مجلة. اطلقنا عليها اسم (القيثارة) وهي نسيج وحدها لأنها كانت تعنى بالشعر الفصيح ثم بالقصيدة النثرية, ثم بالرجل الراقي, ثم بانتقاء قصائد لشعراء قدامى ومحدثين, ثم بالابحاث الفنية من موسيقى وتصوير وآثار, وكنت أرأس تحريرها, وقد بدأ بالنشر فيها زمرة من كبار الشعراء ومن المبتدئين اذكر منهم على وجه الخصوص (بدوي الجبل ونديم محمد وحامد حسن واحمد سليمان الاحمد وبديع حقي ونزار قباني وكان في بداياته) . ونشر لدينا ادونيس (اولى قصائده, وكان عمره لا يتجاوز الرابعة عشرة) . واستمر صدور هذه المجلة سنتين, ظهر فيها اثنا عشر عددا ثم توقفت بسبب انتقال رئيس التحرير من وظيفته الى دمشق وبسبب عدم وفاء المشتركين تسديد اشتراكاتهم. والجدير بالذكر هنا ان هذه المجلة قد خلفت مجلة (ابولو) التي كان يصدرها في القاهرة الشاعر الدكتور (احمد زكي ابوشادي) في الثلاثينيات, وهي ملثها كانت تنزع الى تجديد في الشعر وتطويره ورفده بالترجمات القيمة. تكريم لبناني * كرمت بيروت الشاعر كمال فوزي الشرابي عام 1997 في الملتقى الادبي في منزل الشاعرة (انصاف الاعور معضاد) قبل دمشق لنتحدث عن هذا التكريم؟ ـ ذات يوم كنت في زيارة الصديقة والاديبة كوليت خوري, فعرفتني على الشاعرة انصاف الاعور معضاد, وهي شاعرة تدير منتدى ادبيا في مدينة عالية, حيث عرضت علي فكرة تكريمي في منتداها على ما جرت عليه العادة في تكريمها كل شهر لأديب او عالم او باحث في شتى العلوم والآداب والسياسة فوافقت. وحضر هذا التكريم نخبة من كبار الشخصيات في لبنان. * تكثر في قصائدك رموز الاسماء من (G.B الى K,SH الى S.S الى D.K الى H.J) .. وكأن هؤلاء الحبيبات من لحم ودم حقيقي.. فهل تعدد الحبيبة وتجددها ضرورة للشاعر؟ ـ اولا انا لا استطيع ان اكتب الا عن تجربة او عن انفعال, وانا منذ ان كان عمري اربعة عشر عاما الى الان وانا في حالة حب دائمة, وكل هذه الاحرف الاولى التي تجدينها في مطالع القصائد هي حقائق, وهي الاحرف لأسماء حبيبات او نساء احببتهن وأحببنني. واما التي رفضت حبي فقد هجرتها كما في قصيدة الى (حمقاء) في ديوان (قبل لا تنتهي) , هذه المرأة اوحت لي بهذه القصيدة. وحملت ازهاري اليك فدست ازهاري بقسوة وحرضت بي كلا, فحبك زيف وشهوة دعني فإني لست اؤمن بالهوى من قلب شاعر, قلب يطوف على القلوب لكي يحطمها مغامر (...) الى ان اقول حمقاء, مجدك ان تكوني نفحة ملء القياثر: من انت؟ امرأة مضيعة تعيش مع الدياجر مجهولة تمضي ككل الناس لولا حب شاعر اذن الحقيقة انني كشاعر لا اقوى على الحياة من دون حب او دون شعر, وتجدد الحبيبة يجدد الحياة, ويجدد الشعر ولكن قد تقضي الظروف بالفراق او بالهجر بين شاعر وحبيبة على الرغم من حب كل منهما للآخر, وتبقى هناك ذكريات جميلة او مؤلمة تكون زادا للشاعر, وتفنيه بروحانيتها عن وجود الحب المادي.

Email