استراحة البيان ، يكتبها اليوم: ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الهاشمي والثوب المقلوب عندما قالوا قديما بأن الفنون جنون لم يخطئوا, فالحياة اليومية تثبت لنا أن أصحاب المواهب قلبوا السائد والمعتاد, فبعد أن أصبح العالم المعاش عالما بلا حدود, وبعد أن تطورت الأفكار وتواصلت الدول تكنولوجيا وانتفت الحاجة إلى البحث المضني عما تخبئه الحدود خلفها وبعد أن أصبح الساتر الحديدي الذي تتعمد بعض الدول فرضه على شعوبها اجباريا بعد أن أصبح ساترا شفافا يظهر ولا يستر تواصل العالم من حيث لا يحتسب. وهكذا أخذت رياح التغيير تهب على كل شيء ولم تعتق أحدا.. وبدأت الهبوب من كل الجهات شرقا وغربا, وشمالا وجنوبا, ومع هذا التغيير تبدلت أشياء كثيرة وتواصلت أشياء أخرى أكثر إثارة. وحتى لا أخرج عن جادة الموضوع أشير إلى ان الفن والشعر والأدب تأثرت فيما تأثرت به الحياة اليومية من جراء ذاك الهبوب المتواصل, وهنا قد نختلف أو نتفق, ولكن علينا أن نعترف بأن أمام هذا الزحف لن يقف أحد مهما كانت المحاولات, ومهما كانت الاستماتة. في عالم الشعر ظهرت مدارس واتجاهات كثيرة جميعها تحول ولم يصمد لأن من طبيعة العالم الحركة والتغيير, فالحركة كما يقال حياة والسكون موات, وهكذا ومنذ بدء الثورة الصناعية تواصل العالم نحو التغيير والتبديل ورفض السكون.. لذا خرجت إلى النور القصيدة الفوضوية, والسمعية والبصرية, كما ظهرت قصيدة النثر التي تباينت في شكلها ومضمونها, فأنتجت القصيدة الدائرية والطلسمية والجدارية, وغيرها من التسميات التي يحلو لشعراء الحداثة اطلاقها, وبعد ذلك ظهرت القصيدة الالكترونية التي رسمت شكلها على شبكة الانترنت فخرجت بصوت وكتابة وخلفية موسيقية, وكانت قصيدة الفيديو كليب قبلها قد أخذت حيزا من الظهور عبر الفضائيات المتناثرة في سماوات العالم. وطال التغيير كل العالم والعوالم التي اعتقد الكثيرون ولسنوات طويلة انها ثابتة وتسير وتسيّر بواسطة النظريات الثابتة, فسقطت النظرية أو بمعنى أكثر دقة أسقطت من قاموس العالم المتغير, وهكذا هبت رياح التغيير على الجوانب الفنية والتفاصيل الدقيقة منها, فأصبح البياض مطلوبا في عالم الاخراج الصحفي مثلا بعد أن كان عيبا يجب أن يعالج, وأصبح البدء بالصورة منذ العمود الأول ممكنا, وأصبحت أغلب التفاصيل التي كانت من عيوب الماضي حداثة علينا الأخذ بها وتطبيقها. وحتى لا أتشعب في تفاصيل أخرى خاصة وان للكتابة قوانينها الثابتة التي لم تكسر بواسطة الحداثة حتى الآن, ألتقط من فم صديقنا وزميلنا الشاعر إبراهيم الهاشمي حكايته الحداثية, فقد صدر للزميل ديوان شعر بعنوان تفاصيل من قبل اتحاد كتاب وأدباء الامارات, وجاء ذكر الديوان مصادفة, وحتى هنا الأمر عادي جدا, أما غير العادي, فهو الحداثة في الفكرة والاخراج, إذ ان الديوان عبارة عن جزأين أو بشكل أكثر دقة هو ديوانان في واحد ضمن ما تمليه ثقافة السوق الاستهلاكية (اثنان في واحد) والتي أصبحت رائجة بحكم الاستهلاك اليومي المجنون للمواد الاستهلاكية. وحسب إبراهيم الهاشمي نفسه فإنك ما أن تنتهي من الديوان الأول حتى تبدأ بقلب الديوان رأسا على عقب فيظهر اسم الديوان الثاني لتبدأ القراءة وهكذا. وقد علق الشاعر جمعة الفيروز بأن ديوان ابراهيم .. ثوب سوداني تلبسه معدولا ومقلوبا! والفانتازيا التي قام بها إبراهيم الهاشمي ليست بعيدة أو غريبة أو مدهشة خاصة واننا نتواصل مع زمن لا يعرف الحدود, فقبله خرج الفنان السعودي عبدالله رشاد عن السائد والمألوف في الوسط الفني بابتداعه فكرة غير مسبوقة أبدا في عالم الترويج, فقد وجد المطرب السعودي رشاد ضالته المثيرة في ابتداع مسابقة جوائزها سيارة وجنيهات ذهب وتذاكر سفر, تتوزع كوبوناتها داخل أغلفة ألبومه الأخير الذي طرحه أيام عيد الأضحى المبارك تحت اسم (تدور الأرض) وحقا فإنها تدور والعالم يدور وأفكارنا تدور ولا يبدو أن هناك ثابتا على هذه الأرض. والهمس الذي دار حول فكرة عبدالله رشاد المثيرة بين العاملين في الوسط الفني أن هذه الخطوة قد تؤثر على مسيرة رشاد الفنية, إذ يحاول من خلالها اجتذاب جمهور جديد يضاف إلى محبيه من خلال المسابقة, هذا الجمهور كما يرى المطلعون على الفن هو جمهور يأتي للمسابقة وليس للفنان.. وكان الأولى بالفنان أن يكثف الاعلانات على حساب المسابقة. وقد تضمنت كوبونات المسابقة خمسة أسئلة تعنى بأجود ما في الألبوم من حيث الأغنيات والكلمات واللحن والنقد الفني وأسئلة أخرى عن عدد ألبومات الفنان السابقة وأيها الأفضل فنيا. وهنا ينتهي الخبر ولا تنتهي الحكاية, فالأمر الذي دفع الهاشمي إلى ابتداع فكرة ديوان شعري 2 * 1 هو نفسه الذي أمر رشاد ودفعه إلى ابتداع المسابقة والسحوبات والجوائز وكل ذلك يصب في مسألة التغيير وضرورتها في زمن لا يعترف إلا بالأفكار المثيرة, وسواء اتفقنا على الأسلوب أم اختلفنا فنحن نقف أمام ذائقة مختلفة حول الشكل والمضمون, ذائقة لا نحددها نحن, بل تحددها العولمة, فالذي كان نشازا في وقت سابق أصبح بمعايير السوق رائعا ومقبولا, فتداخلت الألوان وتغير ترتيب الكراسي الموسيقية وأصبح المتأخر متقدما والمتقدم متأخرا.. وعليه فلا عزاء للمتشبثين بالأفكار القديمة أو المعايير الثابتة.

Email