غنى لفلسطين وفيتنام والجزائر ، المطرب السوداني عبدالكريم الكابلي: أينما وجدت كلمة طيبة اغنيها

ت + ت - الحجم الطبيعي

يزور الامارات حاليا الفنان السوداني المعروف عبدالكريم الكابلي, والذي يعد واحدا من ابرز المطربين في السودان ومن رموزها الكبار الذين يحظون بقاعدة جماهيرية واسعة, فعندما ولد الكابلي في الثلاثينيات يحمل في عروقه ثراء التنوع الثقافي.. شيء من الشرق وشيء من الغرب وشيء من الشمال.. بدأ تفتحه اول مرة عبر مسالك الاناشيد المدرسية وهو ما زال يعزف على آلة الصفارة, وأدى تشجيع احد اساتذته الى نيله جائزة في القاء الشعر وهو ينشد رائعة صفي الدين المحلي (سل الرماح العوالي عن معالينا) , وانتقل من المدرسة المتوسطة الى الثانوية وهو يجيد العزف على آلة العود.. وعندما بدأ المد الثوري ينتظم حركة التحرر في دول العالم الثالث, غنى الكابلي. التزاما بقضايا بلده السودان ووطنه العربي كله, تمتاز اغانيه بثقافتها الواسعة, ويعد امتدادا اصيلا للطرب الجميل, ظل مخلصا لفنه وطريقه الذي اختاره منذ البداية.. وللكابلي عطاءات لا تنضب في مجال الفن خاصة في مجال تطوير الاغنية السودانية, فهو من القلة الذين سعوا بجد وعملوا على انتشارها خارج حدود السودان, ناهيك على انه يعد واحدا من المطربين ذوي الثقافة العالية الى جانب كونه اديبا وشاعرا مشهودا له بالكفاءة والاقتدار.. وهو من الاوائل الذين تغنوا بشعر العقاد وأبي فراس الحمداني وغيرهم من شعراء الجاهلية العظام.. ونظرا لقصر زيارته الاخيرة الى الامارات, التقى بعدد من الاعلاميين في مؤتمر صحافي عقد بالمركز الثقافي الاجتماعي السوداني بأبوظبي, وخلال المؤتمر تحدث الكابلي بصراحته المعهودة عن العديد من قضايا الفن السوداني والعربي فقال: اننا كثيرا ما ننعت الفنون بنعوت طيبة ونلبسها كل مزركش وكل ملون ولكن من خلال تجربتي الخاصة هل ندرك حقيقة.. (عالمنا) الذي يطلقون عليه العالم الثالث؟, وهل ندرك الرسالة الحقيقية للفنون جمعاء, سواء كانت تلوينا ام حركة ام نحتا ام كلمة ام موسيقى؟, فهناك من يدرك هذه الدور ولكن هناك الكثير من يتعامل مع الفنون وكأنها لحظة فرح تنتهي بانتهاء المناسبة, ولا ندرك بأن الفنون وخاصة الكلمة واللحن يتركان في داخلنا بصمات تبقى وتؤثر فينا تأثيرا عميقا.. فالانسان يتشكل بالمعرفة وبقناعات معينة.. والفن الخيّر الذي اعرفه يقوم على المنطق وان جاء بصورة تجريد.. فالتجريد الذي لا يقف على المنطق فهو لون من الوان الهباء, والفن في ادراكه يتخفى لان فيه المعنوية. ويمكن القول في هذا المجال (الفنون) هل نقدر على تعريف ما نحسه تجاه الفنون وما نتفاعل معه؟. احيانا تقشعر ابداننا وربما ذرفت الدموع فتاة رقيقة.. كما وبالطبع نجد التعابير الفنية احيانا مختلفة, والتقدير في رؤية هذه الاحجام يعود الى المتلقي, فالمبدع الذي يغترف من دواخله ويكون في مستوى رفيع يحتاج الى متلق من المستوى نفسه على الاقل.. والفنون هي الروافد التي تصب في معين الثقافة ولي رأي يتصل بالثقافة, ربما لم يتفق معي كثير من الناس في هذا التعريف, اذ انني اعتبر الثقافة نتاجا خيرا وبالضرورة وبهذا المعنى فانها تختلف عن العلم والمعرفة والدراية. وتحدث الكابلي عن واقع الاغنية السودانية قائلا: هي اغنيات وليس اغنية لأن فيها الاغنية الموروثة (الشعبية) وفيها الاغنية العربية الفصيحة القديمة والحديثة, وفيها اغنية الكلمة الدارجة وهي اغنية المدينة, وحتى بالنسبة للاغنية الشعبية (اغنية البادية) فانها اغنية عربية فصيحة وربما جاءت فصاحتها متميزة على الاغنية الشعبية في اي بلد عربي اخر اللهم الا القليل الذي يستثنى منه اليمن وبعض المناطق في نجد, وما ذلك الا لأن الاغنية في البادية السودانية لم تتأثر بالاختلاط, فبقيت على ما جاءت عليه. اما اللحن فهو اللحن الخماسي اذا ما قارناه بالألحان الكاملة او الموسيقى الكاملة التي نجدها عند الفرنجة وعند العرب فاننا نقوم بحذف صوتين في كل جملة موسيقية ومن خلال قراءتي المتواضعة علمت بأن هذه اللونية هي طبيعية لدى الانسان, فهي اقرب الى الطبيعة, كما عرفت اننا ورثناها من الحضارات القديمة (الحضارة النوبية, والحضارة الفرعونية).. هذا الاختلاف هو العامل الذي يجعل الاذن العربية التي تعودت على السلم الكامل بأصواته السبعة, بل هنالك في الموسيقى العربية نجد (ربع الصوت) وهو مالم يعترف به الغرب (الفرنجة) حيث يعتبرونه تشويها للموسيقى.. وهي ليست في كل المقامات العربية.. فالأذن العربية تفتحت على لونيتها وهذا امر طبيعي, حيث الانسان بما الف.. والسلم الخماسي على ما فيه من محدودية الا انه لون من الوان الموسيقى التي تعامل معها الغرب, حيث احيانا نجد الكبار من مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية يؤلفون سيمفونية كاملة باللحن الخماسي من باب التغيير. وعن مدى انتشار الاغنية السودانية قال: الواقع ان الاغنية السودانية حققت انتشارا في فضاء ضيق شمل دول الجوار كالصومال واثيوبيا وتشاد وفي نيجيريا والكاميرون وغيرها من الدول المجاورة المتواصلة مع الفن السوداني, وانا اعزي عدم انتشارها الى اكثر من سبب, منها يعود الى الجانب العالمي, حيث ان كل الوان الفنون المنتمية الى بلاد الله يجد فيها صعوبة عندما يستمع اليها لأول وهلة وهذا يدخلنا من جانب التعود والذي يتصل بكل الحياة وليس بالفنون فقط فلابد من الفة وحميمة وهذا لا يتحقق الا بالاعلام, الموسيقى الكلاسيك مثلا عندما يستمع اليها الانسان سيجدها كأذن عربية تستمع لاغنية سودانية ولكن عندما يأخذ نفسه ويستمع اليها لفترات ومرات سوف يستسيغها وهنا يبرز الجانب الاعلامي مجددا واذا استطاع اعلامنا السوداني على توفير الاغنية السودانية بمواصفات وتقنيات معينة بالاضافة الى الاهتمام بالنطق والمضامين فيمكن ان تنتشر الاغنية السودانية بدلا من انتشار الاغاني الايقاعية التي تزعم انها تمثل الاغنية السودانية في حين انها اغان عابرة ولا تعطي توصيفا حقيقيا ومتجذرا للأغنية السودانية, كما ان هناك سببا اخر يكمن في طريقه النطق حيث نجد الكثير من الملحنين يحملون احيانا الكلمة من النطق النغمي ما لا تحتمل فتجد الاذن العربية صعوبة في التمييز, لقد لاحظنا اننا عندما نتحدث الى اخواننا العرب يقولون اننا نتحدث ونغني بسرعة فائقة مما يجعلهم يجدون صعوبة في تتبع ما نتحدثه ونغنيه. * وعن اسباب اتجاهه للغناء منذ البداية الى العقاد وأبي فراس الحمداني وعدد من شعراء العصر الجاهلي, ـ اجاب: انا محب للكلمة ومنذ فترة الدراسة المتوسطة وفي تلك الايام كان اساتذتنا ومن خلال المنهج يقومون بتدريسنا (المعلقات) لامرئ القيس وزهير وطرفة, وعلى الرغم من حداثة السن في ذلك الوقت, الا انني عشقت الكلمة وبعد فترة وجدت في الاغنية الشعبية السودانية من الخيال والاستعارات مالا يقل ان لم يتفوق على ماوجدته في المعلقات, فرأيت انه من الواجب عليّ كسوداني ان اهتم باغنية التراث وتمدد الامر لأغطي الكلمة الدراجة (كلمة المدينة) التي اكتبها, فأنا اغني كثيرا من كلماتي واهتم بهذه الاستعارات واهتم كذلك بمخاطبة عقل المتلقي, فأينما وجدت كلمة طيبة اغنيها. وحول مالديه من جديد قال: بأنه طرح له البوم جديد يحمل عنوان (سعاد) , حيث يحوي الشريط الجديد العديد من الاغاني, ومنها اغنية (سعاد) كلمات عمر الطيب الدوش, الحان وغناء الكابلي والمجموعة الصوتية, واغنية (ليس في الامر عجب) , كلمات ولحن واداء عبدالكريم الكابلي والمجموعة, وفيما يخص اغنية (ليس في الامر عجب) قال: بأنني كتبتها في اعقاب ثورة رجب عام ,1985 حيث كتبت الكلمات على مهل وهي قصيدة عبارة عن تراكمات لكل الفترة التي سبقت, وانا اتعامل مع المبادئ عادة لأنني لا احب السياسة, فليس لي من انتماء لحزب سياسي, رؤيتي للسياسة رؤية خالية!! فأنا اتعامل مع المبادئ, اغني للحرية ولكل المبادئ الخيرة, وقدمت الاغاني المناوئة للظلم, لما كتبت قصيدة للاطفال لماذا الذين يقتلوا في مناطق عديدة من هذا العالم بلا جرم, كتبت اغنية (الشاهد زمن) وجعلت فيها من القمر شاهدا صامتا لكل ما يحدث من تناقضات بعواصم الدنيا. * وعن رأيه في الاغنية المصورة (الفيديو كليب). ـ أجاب: هي قطعا اضافة كبيرة للاغنية, لكن يبقى على الدوام هل المشاهد المصاحبة للاغنية تحمل المضمون.. وانا لا اؤمن بالحكم الواحد, إذ أنه ليس هناك حكم واحد يمكن ان نعممه على كل شيء. * وفي رده على سؤال حول افتقادنا في الوقت الراهن الى الاغنية المؤثرة في المشاعر الانسانية كما كانت, أجاب: ـ كان للفنان دور كبير في تحريك مشاعر الجمهور ازاء أية قضية عربية, فهذا الدور نفتقده الان في تلك الفترة التي كان الوجود الاجنبي مسيطرا على معظم الاقطار العربية في اسيا وافريقيا, وكان السهم الاكبر لأهل هذه المناطق التخلص من حكم الاجنبي. أبوظبي عبدالرزاق المعاني

Email