استضافها مركز الانتساب الموجه، محاضرة عن مسرح باكثير في الشارقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظم أمس الاول مركز الانتساب الموجه بجامعة الامارات فرع الشارقة ندوة بعنوان(مسرح باكثير الاجتماعي)حاضر فيها د. عصام البهي استاذ النقد الادبي والادب المقارن بجامعة الامارات, وقدم لها د. حسنين الكامل حيث استعرض بعضا من مؤلفات البهي والتي اضافت كثيرا في مجال الابداع والنقد المسرحي العربي ومنها:(الشخصية الشريرة في الادب المسرحي) , (الشخصية اليهودية بين الوحدة والتعدد)(الخيال العلمي في مسرح توفيق . استهل أ. د. عصام البهي حديثه فقال: بتتبع احداث حياة باكثير الانسانية كان الشاعر والكاتب ـ المسرحي والروائي العربي الكبير علي احمد باكثير اديبا متعدد المواهب, بدأ حياته بكتابة الشعر الغنائي, ثم كتب المسرحية الشعرية, وترجم عن الانجليزية لشكسبير, ثم كتب المسرحية النثرية, والرواية التاريخية. ولد باكثير بجزيرة جاوة من جزائر الهند الشرقية ـ اندونيسيا الان ـ لابوين من حضرموت, بين عامي 1903 و1910. وفي اواخر العقد الاول من عمره انتقل الى وطنه الام ليتعلم العربية والدين الاسلامي, ثم الى مصر, مرورا بالصومال والحبشة ثم المملكة العربية السعودية, التي كتب فيها في عام 1933 اول عمل مسرحي له, وهو مسرحيته الشعرية: (همام او في بلاد الاحقاف) متأثرا فيها بشوقي. وفي الحجاز قرأ شوقي, وسمع بالحركة الادبية النشطة في مصر آنئذ, فعزم على السفر اليها. وفي مصر التحق باكثير بقسم اللغة الانجليزية بكلية الاداب في جامعة القاهرة, وكان اساتذته كلهم من الانجليز. وتحدى احد هؤلاء الاساتذة طلابه ان يكتب في العربية شعراً على نظام الشعر المرسل الذي كتبه شكسبير, عادّا هذا النمط الشعري من خصائص اللغة الانجليزية, فترجم باكثير مسرحية (روميو وجولييت) شعرا عربياً مرسلا ـ اي تفعيليا ـ ليكون احد رواد هذا الشكل الشعري العربي في العصر الحديث. وقد اختار باكثير مصر وطنا ومحلا للاقامة فتوالى فيها انتاجه الادبي ـ المسرحي بخاصة, منذ مسرحيته المؤلفة الاولى (اخناتون ونفرتيتي) (1938), ليصول ويجول, بعد هذا, في مختلف مجالات الابداع الادبي, الذي يهمنا منه الجانب المسرحي بخاصة. لقد تناول باكثير في اعماله المسرحية ـ التاريخ المصري القديم, والاسطورة المصرية, والاسطورة اليونانية القديمة, والتاريخ العربي, والتاريخ المصري الحديث, والف ليلة وليلة, وتناول كذلك على مدى مسيرته المسرحية ـ قضايا من المجتمع المصري ـ العربي المعاصر. وكان باكثير طوال مسيرته الادبية, التي امتدت من مطلع الثلاثينات من هذا القرن الى وفاته في اكتوبر 1969 على التزامه الذي اختاره منذ بدايات حياته الادبية: تعلق شديد بالاسلام, في اكثر صوره نقاء وتسامحا, ودون تعصّب او تشدد. ثم تعلّق شديد, الوحدة العربية, مع مرارة لا تقل شدة مما فعله الاستعمار الغربي بالامتين العربية والاسلامية. وقد قدم المحاضر نبذة سريعة عن المسرح العربي قبل استرساله في الحديث عن باكثير. كانت مسرحية (همام او في بلاد الاحقاف) اولى مسرحيات باكثير. وهي مكتوبة في شعر عربي تقليدي, موزون مقفى. وهو شكل فني اثبتت التجارب المختلفة انه لا يصلح للمسرحية الاجتماعية وقد تناول باكثير في هذه المسرحية مشكلات المجتمع الحضرمي, من الفقر والعوز الذي يدفع ابناءه الى الهجرة بحثا عن الرزق ـ ومن الاستغلال السائد باسم الدين, وما هو في الحقيقة وفي الخرافات من صراع بين هؤلاء الجاحدين المستغلين لجهل المجتمع وفقره الذين يمثلهم (ولي الله) , والداعين الى الاصلاح بالعودة الى نقاء الاسلام وبساطته, ويمثلهم في المسرحية (همام) . وفي قلب هذا الصراع تدور قصتا حب, احداهما بين همام وحسن, والاخرى بين محمد وعلوية الارملة التي تنتسب الى (الاشراف) , ويرفض اهلها تزويجها من محمد الفقير (غير الشريف) , فيموتا. اما همام فيدفع من يرشو (ولى الله) حتى يؤيد زواجه من حسن, ثم يكشف للامير امر الرشوة. يتزوج همام من حُسن, ثم يسافر الى مكة, فيأتيه خبر موت حُسن, دون مقدمات. وواضح ان في المسرحية كل عثرات البداية, من طول الحوار, وتشعّب الاحداث, وخروجها احيانا عند منطق الحدث في المسرحية. كانت مسرحية (الدكتور حازم) اولى تجارب باكثير في المسرح الاجتماعي في مصر. وقد طرح فيها قضية البر بالآباء وحدودها. اذ تدور حول اسرة تخضع لسيطرة زوج الاب وولديها المتلافين, الذين لا يتركون للابن الكبر ـ د. حازم ما يمكنه من تدبير اموره للزواج وهو يرى من البر بأبية الا يتخلى عنه. وحين يجد صبري افندي والد خطيبة حازم هذا الموقف يصارحه بفسخ الخطبة. وعندها تتدهور حالة حازم النفسية فيغرق في الخمر والقمار, وتوشك الاسرة على الافلاس, فلا يجد الاب الا استرضاء ابنه وتسليمه امر الاسرة, واسترضاء والد ناهد حتى يتزوجا. واذ يتزوجا تحاول ام ناهد التدخل في امورهما, لكن الاب صبري افندي يردعها عن ذلك. ان قضية باكثير في هذه المسرحية وغيرها تقوم على ان الخير راسخ في النفس الانسانية دائما لكنه يحتاج, وحسب, الى البيئة الصالحة لازدهاره فان لم يكن فصروف الدهر ـ مع ارادة الخير اساسا ـ قادرة على اعادة الانسان الى السبيل السوي الذي قد يعاند الانسان في الاستجابة لدواعيه, لكنه سيظل ـ حتما ـ موجودا لا يحتاج الا الى من يزيل عنه ركام ما تركه الغي والافراط في النفس الانسانية. يستكمل د. عصام البهي حديثه قائلاً: ان باكثير قد انتقل الى مواجهة التطرف في دعوات تحرير المرأة في مسرحية (الدنيا فوضى) وكشف عن المفاهيم المغلوطة, الناشئة عن سوء الفهم لطبيعة الحياة الزوجية وطبيعة العلاقات بين الزوجين في (قطط وفيران) واخيرا عالج باكثير في (جلفدان هانم) مشكلات الاسلوب التقليدي في التربية, والذي يتحكم فيه الجيل الاكبر في الاسرة في الاجيال التالية له من الابناء والاحفاد, دون رعاية قدراتهم او رغباتهم, فيسعى الى التحكم في الحاضر بعد التحكم في الماضي, مستهدفا حتى التحكم في المستقبل, وكان موقف باكثير الفكري متسقا الى حد كبير مع توجهه الاسلامي الذي حكم مسيرته كلها من البداية الى النهاية, وساند هذا الالتزام الفكري التزامه الواضح بأداء فني جدي في طرح قضاياه ومعالجتها. يخلص د. البهي الى انه على الرغم من ان ثلاثا من هذه المسرحيات ملهوية, فان باكثير يبتعد عن مشاهدة الاثارة او التوريات اللفظية او عوامل الاضحاك التي قد تلهيه عن متطلبات اكثر فنية وضرورة تتمثل في تطوير الحدث وبناء الشخصيات.. الخ, كما التزم باكثير كذلك باللغة العربية الفصحى في حواره المسرحي, بدأ يخفف منها شيئا فشيئا اقترابا مما اسماه الحكيم بـ (اللغة الثالثة) في محاولة لتقريب مسرحه من الجمهور ومن متطلبات العرض, وهكذا حقق باكثير في مسرحه الاجتماعي ما لاحظناه من الالتزام الفكري والفني برؤية خاصة للعالم وللمجتمع حققه في مسرحه وعلى عدة مستويات جاءت متناغمة. كتب ـ هاني نورالدين

Email