كتاب جديد عن غسيل الأموال والاقتصاد الخفي يؤكد:حجم الأموال القذرة يتجاوز حجم أموال البترول

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاقتصاد الخفي.. الاقتصاد السري.. غسيل الأموال قضايا خرجت في السنوات الأخيرة من دائرة اهتمام الخبراء الاقتصاديين لتدخل دوائر اهتمام المجتمع.ما هو حجم تلك الظاهرة وأثرها على اقتصاديات الدول؟ما هي الأموال التي يجري غسيلها وما هي مراحل ذلك الغسيل؟كل تلك الأسئلة يتعرض لها كتاب الأهرام الاقتصادي الصادر عن شهر سبتمبر من خلال الدراسة التي أعدها د. سعيد عبدالخالق الذي يؤكد أن الاقتصاد الخفي وغسيل الأموال أصبح يمثل مشكلة حقيقية لا يخلو منها اقتصاد أي بلد من البلدان في ظل تنامي حركة الجريمة المنظمة ومن هنا كان من الضروري إضاءة هذه الظاهرة بكافة أبعادها وعلى كافة القطاعات. يتناول هذا العرض ابرز ما ورد في الكتاب. الاقتصاد الخفي يعرف د. سعيد الا قتصاد الخفي بأن تلك الأنشطة الخفية غير المسجلة رسميا في الحسابات القومية للدولة وحجم هذه الأنشطة يختلف من دولة إلى أخرى.. ويستخدم الباحثون أحيانا مصطلحات الأنشطة السرية أو غير النظامية أو القذرة وهي تشكل نسبة كبيرة في الناتج المحلى الإجمالى في معظم الدول. والاقتصاد الخفي يضم مجموعة من الأنشطة المشروعة وغير المشروعة التي تمارسها أعداد متزايدة من الناس يصعب حصرهم لأنهم يمارسونها تحت الأرض ولذلك يصعب أيضا تحديد حجم الدخول المتولدة عنها واتجاه حركتها بشكل دقيق. ويمكن تصنيف أنشطة الاقتصاد الخفي حسب البنود الرئيسية للمعاملات الاقتصادية الخفية وفقا لنوع النشاط الاقتصادي. حجم الظاهرة على الرغم من صعوبة قياس الدخول المتولدة عن الأنشطة الخفية وغير المتنوعة منها خاص إلا أن تقديرات الحجم الحالى لعمليات غسيل الأموال يفوق الخيال كما يذكر المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولى ـ إذ تتراوح بين 2% و5% من الناتج المحلى الإجمالى العالمي وتشير تقديرات بعض المنظمات الدولية إلى أن حجم الأموال القذرة التي تجدى عليها عمليات الغسيل تتجاوز حجم التجارة الدولية للبترول! ويعتبر تقدير حجم تلك الأنشطة الخفية مسألة صعبة رغم ذلك فأنها تقدر في استراليا من 4 إلى 12% من الناتج المحلى الإجمالى وفي ألمانيا من 2% الى 11% وفي إيطاليا 10% الى 33% وفي اليابان من 4% الى 15% وفي إنجلترا من 1% الى 15% وفي الولايات المتحدة من 4% الى 33% . ويختلف حجم الاقتصاد الموازي من بلد لآخر لكن يزيد في البلدان النامية عن نصف الناتج القومي الإجمالى يساعد على ذلك أن نسبة كثيرة من معاملات الأفراد في الدول النامية تتم بصورة نقدية ويقل حجم التعامل مع الجهاز المصرفي بالمقارنة بما هو عليه الحال في الدول المتقدمة لارتباط ذلك بالوعي المصرفي. مصر وفي مصر توصلت الدراسات إلى أن حجم الدخل المتولد من الأنشطة المشروعة في الاقتصاد الموازي يصل إلى 16% من الدخل القومي و26% من إجمالى الاستهلاك العائلي. كما تشير الأرقام إلى أن حجم أنشطة تجارة المخدرات أو العملة أو التهرب الضريبي يصل إلى 25% من الدخل القومي.. رغم عدم تقدير بعض الأنشطة الهامة في هذا الاقتصاد مثل التربح والرشوة ويرى البعض أن الاقتصاد الموازي في مصر تراوح تقديره بين 20 و50% لأنه يفسر كيف أن التوسع النقدي والائتماني خلال سنوات الثمانينات لم يؤد إلى جموح معدلات التضخم.. فما يلفت النظر أن معدل التضخم لم يزد عن 30% في السنوات الأخيرة للثمانينات رغم أنه كان يتم تمويل العجز من الميزانية عن طريق ضخ نقود جديدة تصل في المتوسط إلى 8%. أسباب الظاهرة ويرى الباحث أن الاختلالات الجوهرية التي تصيب بنية الاقتصاد القومي تعتبر في مقدمة العوامل والأسباب ويمكن إجمال تلك الأسباب في خمسة عوامل هي: * الاختلال الهيكلى في سوق العمل بين عرض الأيدي العاملة والطلب عليها وفي ظل عدم وجود أي أنظمة لإعانات البطالة في أغلب الدول النامية مما يضطر اعداداً كبيرة من قوة العمل للبحث عن آليات للتكيف بالدخول في الأنشطة الخفية. * الاختلال الهيكلى في الناتج المحلى حيث يسبق النمو في القطاعات الخدمية النمو في القطاعات الإنتاجية وخطورة مثل هذا الاختلال تأتي من جانبين أولهما سيادة قطاع الخدمات دون توافر جهاز إنتاجي متطور وثانيهما أن هذا النشاط الانفاقي المتزايد دون استجابة مناسبة من الجهاز الإنتاجي معناه زيادة التدفقات النقدية دون زيادة حقيقية في التوقعات السلعية. * اختلال التوازن داخل القطاع الخدمي لصالح الأنشطة الهامشية مثل الباعة المتجولون في البلدان النامية حيث تصل تلك النسبة لنحو 50% من إجمالى القوى العاملة في السودان واليمن وموريتانيا. * المغالاة في تقديم العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية أي تحديد سعرها بما يزيد عن سعرها التوازني الأمر الذي يؤدي لوجود زيادة في القيمة الأسمية للعملة المحلية مقارنة بالعملات الأجنبية كما يؤدي إلى خلق سوق ثانوي للتعامل في العملات الأجنبية تجنى من ورائه بعض الفئات أرباحا طائلة ناهيك عما يؤدي إليه من خلق اضطراب في الأسواق ويعرقل انسياب الاستثمارات ويعوقها.. حيث يؤدي توقع انخفاض قيمة العملة إلى هروب رؤوس الأموال. * عجز الموازنة العامة للدولة الذي يتمثل في الاختلالات بين الإيرادات العامة والنفقات مما يضطر الدولة إلى ضخ نقود جديدة واحداث تضخم وارتفاع في مستوى الأسعار .. ولهذا تضطر الدولة لزيادة الأعباء الضريبية لتوفير الإيرادات اللازمة لتمويل الإ نفاق العام. أموال الغسيل يؤكد المؤلف أن عمليات غسيل الأموال هي أنشطة هادفة تعتبر امتدادا طبيعيا لنشاط سابق غير مشروع إلى حد يصعب الفصل بينهما.. لذلك يمكن القول بأنهما وجهان لعملة واحدة هي الفساد. والفساد ظاهرة عامة.. حيث يشمل كافة المجتمعات الإنسانية بلا استثناء إلا أن القضية تتعلق بطبيعته السائدة ودرجة انتشاره.. وطريقة المجتمع في مواجهته.. ومن أهم الجرائم المستحدثة في المجتمعات الاقتصادية والتي تندرج تحت بند الأنشطة الخفية وغير المشروعة هي: * تجارة المخدرات ـ وتعتبر المصدر الأول للدخول غير المشروعة في أغلب الدول المتقدمة والنامية على السواء وقد قدرت قيمة مبيعاتها في الولايات المتحدة وأوروبا بـ 122 مليار دولار عام 1990 يتم غسيل ثلاثة أرباعها ـ كما تقدر حصيلة مبيعاتها في مصر بما يتراوح بين 76 مليار يتم غسلها سنويا. * جرائم الأموال المرتبطة بالفساد الإداري ـ مثل الرشوة والمحسوبية وتحدث بسبب ضعف جهاز الدولة الذي يتم فيه نهب الفائض الاقتصادي لصالح حفنة من المنتفعين. * التهرب الضريبي ـ يمكن القول أنه كلما زاد حجم الاقتصاد الخفي زاد التهرب الضريبي الذي يقدر في مصر بما يتراوح بين 22ـ80 مليار سنويا. * أنشطة المضاربة في الأراضي والعقارات والتي يتسبب عنها التزايد المتلاحق في أسعار الأراضي والعقارات وإحداث تضخم يكون سببا في القلاقل السياسية والاجتماعية. * تجارة الرقيق الأبيض ـ وقد أصبحت تجارة دولية وتشير تقارير منظمة العمل الدولية إلا أنها تدر ما بين 2ـ14% من إجمالى الناتج المحلى لدول جنوب شرق آسيا. * التعدي على الأراضي والعقارات العامة ـ عن طريق وضع اليد والتزوير في المستندات والبيع الصوريويه من أشكال الاقتصادي الخفي.. وقد أجرت هيئة الرقابة الإدارية في مصر حصرا للتعديات الواقعة على الأراضي قدرت مساحتها بحوالى 196 ألف فدان يصل سعرها إلى ملايين الجنيهات. مراحل الغسيل تمر عملية غسيل الأموال بمراحل من التعتيم والتمويه عبر شبكة معقدة من الإجراءات تجري في إطار من السرية والكتمان.. بإجراء العديد من العمليات المصرفية لاخفاء المصدر غير المشروع ونفي الصلة به.. حيث تدور تلك الأموال ضمن رؤوس أموال أو تجارة أخرى وتأخذ دورتها في تيارات الاقتصاد الرسمي وبالتالى تظهر في الدخل القومي في مراحل تالية بعد اكتسابها صفة الشرعية ويقسم الباحث عملية الغسيل للأموال إلى ثلاث مراحل هي: أولا: التوظيف ـ أي توظيف الأموال غير المشروعة في صورة إبداعات بالبنوك أو شراء أسهم أو عقارات أو مؤسسات وشراء تحف ومجوهرات وسيارات تمهيدا لإعادة بيعها.. أو إنشاء الشركات الوهمية التي تقوم كغطاء أو واجهة تختفي وراءها الأنشطة المحرمة. ثانيا: التمويه ـ بمعنى خلق مجموعة معقدة من الأنشطة المالية المعقدة بغرض التضليل عن المصدر الحقيقي للأموال.. وقد يتسع نطاق تلك الإجراءات ليشمل عدة دول عبر التحويلات البنكية. ثالثا: الدمج ـ حيث يتم ضخ الأموال بعد نجاح التمويه على مصدرها ـ مرة أخرى في الاقتصاد كأموال مشروعة معلومة المصدر. سرية الحسابات وينتقد المؤلف قانون سرية الحسابات حيث أنه يسهل عمليات غسيل الأموال ويسهل تمويل صفقات لأنشطة غير مشروعة يمكن أن تمولها البنوك دون أن تعرف وقد أدى ذلك القانون إلى الخلط بين سرية الحسابات والحسابات السرية فالأولى هي العرف السائد في العمل المصرفي لأن الحسابات السرية هي تلك الحسابات التي يختفي فيها اسم العميل وراء رقم أو رمز. مكافحة الغسيل ويشير الكاتب في نهاية بحثه إلى الإجراءات والتشريعات التي تتخذها الدول والتي سنتها المنظمات الدولية لمناهضة عمليات غسيل الأموال باعتبارها جريمة تقوم على جريمة أخرى.. وإن كان لا يوجد نص صريح في التشريع المصري لتجريم عمليات غسيل الأموال بصورة مباشرة إلا أن قوانين المدعي الاشتراكي التي تجيز فرض الحراسة على أموال الأشخاص لدرء خطره على المجتمع تؤدي دورها في مكافحة تلك الجرائم وخاصة جرائم الاتجار في المخدرات التي يحكم فيها بمصادرة المواد المخدرة والأموال المتحصلة عنها ويمتد أثرها حتى بالنسبة لأموال زوجة المتهم وأولاده القصر. كما يقوم قانون الكسب غير المشروع بحماية الوظيفة العامة من الاستغلال والتربح ومعاقبة حالات الإثراء بلا سبب مشروع. وتمثل محاكمته نواب القروض وعبدالوهاب الحباك نموذجا لمكافحة جرائم المال العام. القاهرة ـ البيان ـ حميد مجاهد

Email