التركيبة السكانية تدق ناقوس الخطر،الوافدون الذكور للكويت يفوقون امثالهم المواطنين عدداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس من شك في ان التقرير الخاص بالسكان للمجموعة الاحصائية السنوية لعام1998والذي اعده قطاع الاحصاء والمعلومات في الادارة العامة للاحصاء في وزارة التخطيط ومن خلال استعراض سريع للمتتبع العادي يجد ان هناك خللا في التركيبة السكانية والتوازن السكاني في الكويت وصل الى درجة تدعو للتوقف عند هذا الحد ودق ناقوس الخطر . فقد اظهرت الاحصائية السكانية السنوية لعام 98 ان عدد الذكور من غير الكويتيين يفوق عدد الكويتيين جميعا ذكوراً واناثاً بفارق 21.6700 فرد, اي ما يعادل حوالي 28% من نسبة عدد السكان الكويتيين. جدير بالذكر ان تغير التركيبة والنسب السكانية له اثار موجبة كثيرة من نواح سياسية وامنية وتشغيلية. ومن المعروف انه بعد التحرير حدثت تغييرات واضحة في مثل هذه النسب والتركيب الداخلي لها. فثمة جنسيات تقلص عددها ونسبتها بصورة واضحة, وجنسيات اخرى زادت اعدادها او على الاقل اتضحت نسبتها بين الوافدين, ومن اوضح الامثلة على ذلك ان نسبة الفلسطينيين والاردنيين تقلصت, ونسبة المصريين زادت سواء كأعداد خام او نسب قوى عاملة. وكان ـ ومازال ـ التركيب النوعي (ذكور) للوافدين يختلف بصورة واضحة عن المواطنين. فالغالبية العظمى من الوافدين من الذكور نظراً. لانهم قادمون للعمل والكدح والسعي وراء الرزق. كما ان الغالبية العظمى من الوافدين في مرحلة العمل والانتاج بحكم انهم قادمون لهذا الهدف من هنا كان التركيب النوعي (من حيث قوة العمل وانخفاض نسبة الإعالة) لصالح الوافدين. وحتى في حالة الاسيويات فالغالبية العظمى منهن جئن من اجل العمل كمربيات وبائعات. ولعل وجود هذه النسب والأعداد الكبير من الوافدين العرب كان لها دور بارز في تشكيل الكويت اجتماعيا وثقافيا وتعليميا وفكريا وايديولوجيا من حيث العادات والتقاليد والمأكل والمشرب, والملبس والمنهج, وطريقة التعامل والتخاطب... وغير ذلك. وتذكر بعض الدراسات انه كان داخل الكويت ما يصل الى مائة جنسية ـ بين جماعات الوافدين من الجنسية نفسها جعلت كل جماعة تقدم افضل ما لديها عملاً وانتاجاً, حرصا والتزاماً وبذلك حظي المجتمع الكويتي بمعدلات اداء فائقة الارتفاع ذائعة الشهرة. وهنا حدث تفاعل وتناقض بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي: القطاع الخاص يوظف ويستثمر افضل ما في السوق من العمالة الوافدة عالية المستوى ونادراً ما يوظف المواطنين, والحكومة والقطاع العام ملتزمة بتشغيل المواطنين بصرف النظر عن معدلات الاداء ومستوى الانتاجية. ويعتبر التركيب النوعي الثقافي لجماعات الوافدين ـ عربا وغير عرب ـ جعل نسبة الذكور بينهم عالية وجعل نسبة العزاب والذين لا يصطحبون اسرهم تصل الى نسبة كبيرة كما ان عاداتهم وتقاليدهم المختلفة نسبيا عن المجتمع الكويتي كل ذلك دفع الحكومة الكويتية لتخصيص احياء خاصة بالوافدين والعزاب على نحو خاص. ومن جانب اخر معاكس فان الطبيعة القبلية للمجتمع الكويتي وتأثره ـ الشعوري واللاشعوري ـ باتجاهات البداوة وما فيها من توجس من الغريب ـ لاسيما اذا كان رجلا عازباً ـ كل ذلك ساعد على توحد وانكفاءة المجتمع الكويتي داخل ذاته وابتعاده جغرافياً ونفسيا واجتماعياً عن الغريب الذي يشعر بالحاجة اليه في ميدان العمل والانتاج ولا يشعر بالراحة اليه في ميدان العلاقات الاجتماعية وكل ذلك ساعد الحكومة الكويتية على تخصيص مناطق سكنية فقط فضلا عن تقسيم الاحياء الى احياء مرتفعة الدخل, متوسطة الدخل, ومحدودة الدخل, ومثل هذا العزل والتخصيص (أثر كثيرا ـ من وجهة نظر احد الباحثين الكويتيين ـ في العلاقات الاجتماعية بين الكويتيين وغيرهم. ولو عدنا الى التقرير الخاص بالسكان للمجموعة الاحصائية السنوية الذي أعده قطاع الاحصاء والمعلومات في الادارة المركزية للإحصاء في وزارة التخطيط ان اجمالي عدد السكان من الكويتيين بلغ 786010 بينما بلغ عدد الذكور فقط من غير الكويتيين 1002718 ذكراً. ولعل القراءة في هذا الرقم على سبيل المثال لا الحصر قد تترك بعض الانطباعات وتطرح نوعاً من التساؤلات حول التركيبة السكانية في الكويت لان القراءة في الارقام مقابل مجرد قراءتها هو ما قد يصل بالباحثين ومن ثم صنّاع القرار الى الاستنتاجات التي تؤدي بدورها لدفع هؤلاء الى اتخاذ القرارات المناسبة لتصحيح الاوضاع المعوجة التي تدلل عليها هذه الاستنتاجات. من هذه الارقام التي افرزتها احصائية وزارة التخطيط ان نسبة عدد الكويتيين لم تتعد 34.6 بالمائة من إجمالي عدد سكان الكويت مما يعني ان الكويتيين يمثلون ثلث عدد سكان بلدهم. وقد انعكست هذه النسبة بطبيعة الحال على نسبة وجودهم في محافظات الكويت الخمس حيث وصلت الى حدودها الدنيا في محافظة الفروانية التي يقطنها 591264 نسبة يشكّل الكويتيون فقط 25.8 بالمائة منهم اي ربع عدد سكان المحافظة. واذا كانت نسب الكويتيين ترتفع بعض الشيء في باقي المحافظات, فان العامل المشترك بينها هو ان الكويتيين اقلية في جميع المحافظات حتى في محافظة العاصمة حيث يشكلون 43 بالمائة من نسبة عدد سكانها فقط. والقضية لا تتوقف عند هذا الحد, فالقراءة في ارقام الفئات العمرية تفتح الباب امام تساؤلات اكثر فنسبة الكويتيين من اجمالي عدد السكان وهي 34.6 بالمائة بعد تصنيفها عمرياً تظهر الصورة مختلفة لان 48 بالمائة من الكويتيين اي ما يقارب النصف تتراوح اعمارهم ما بين صفر ـ 19 عاماً علاوة على ان تسعة بالمائة منهم تبلغ اعمارهم اكثر من خمسين عاما مما يعني ان 57 بالمائة من الكويتيين, اما في سن الطفولة او في سن التقاعد والشيخوخة ويتبقى 43 بالمائة من الكويتيين الذين يمكن ان يمثلوا قوة منتجة. وعند القراءة في هذه الاحصائيات المتعلقة بالحالة التعليمية, فان ثمة ما يثير الانتباه للمستوى المتدني من حيث التحصيل العلمي للأعداد الكبيرة من غير الكويتيين, الامر الذي يدعو للتساؤل عن مدى حاجة المجتمع الكويتي لهم اضافة الى مدى تأثيرهم على التطور الحضاري في الكويت. الحالة التعليمية فقد ذكرت الاحصائيات ان اجمالي الحالة التعليمية الخاصة اي الإلمام بالكتابة والقراءة فقط, بلغ 4602611 نسمة نسبة الكويتيين منهم 9 بالمائة والعشرة اضعاف المتبقية من نصيب غير الكويتيين مع الأخذ بعين الاعتبار النسبة العالية للكويتيين من صغار السن. اضف الى ذلك ان عدد الاميين بلغ حسب الاحصائية 211546 نسمة منهم 22% من الكويتيين فقط و78% من غير الكويتيين. وتعكس هذه الارقام والنسب نفسها وضع سوق العمل سواء من حيث العدد او الكفاءة, فقد بينت الاحصائية ان عدد المشتغلين في الكويت يبلغ 1243126 منهم 17 بالمائة من الكويتيين فقط والباقي من الأجانب. وقد تتضح الصورة اكثر حول وضع سوق العمل الكويتي عند تصنيف المجموعات المهنية حسبما جاء في احصائيات وزارة التخطيط, فقد اوضحت الاحصائيات ان الاطباء والمعلمين والمهندسين والاقتصاديين والقانونيين يشكلون 8 بالمائة من اجمالي المجموعات المهنية منهم 40 بالمائة كويتيون و60 بالمائة من غير الكويتيين, اي ما يمثل 5 بالمائة من نسبة اجمالي المجموعات المهنية. وشكل الفنيون في الهندسة والطب والعلوم 3.3 بالمائة من اجمالي المجموعات المهنية 31 بالمائة منهم كويتيون و69 بالمائة من غير الكويتيين, فيما يشكل رجال الاعمال والقائمون على البيع ما نسبته 2.7 بالمائة من المجموعات المهنية تسعة بالمائة منهم من الكويتيين والباقي من الأجانب يحتل المديرون والمشرفون نسبة ستة بالمائة من المجموعات المهنية بينهم 52 بالمائة من الكويتيين و48 بالمائة من غير الكويتيين. اضف الى ذلك العمال الحرفيين ونصف المهرة الذين يشكلون 13 بالمائة من المجموعات المهنية للكويتيين منها 6.3 بالمائة وللأجانب 94 بالمائة. سوق العمل الا ان النسبة الغالبة في سوق العمل الكويتي هي من نصيب العمال العاديين, اضافة الى عمال الخدمات والزراعة او ما يسمى بالعمالة الهامشية, اذ بلغ عددهم 668765 نسمة, ما يعادل 53.4 بالمائة من اجمالي المجموعات الحرفية منهم اثنان بالمائة من الكويتيين و98 بالمائة من غير الكويتيين. والمشاكل المنتظرة من وضع كهذا متعددة ومتشعبة سواء على الصعيد الاجتماعي والصحي او الاقتصادي والأمني, فاعتماد المجتمع الكويتي على هذا العدد الكبير من العمالة الهامشية من شأنه ان يؤثر في المجتمع نتيجة لقيام هؤلاء بنقل عادات وسلوكيات غريبة لها تأثيراتها السيئة تربوياً وتعليمياً مما يؤثر بالتالي على النشء مستقبلاً. اما من الناحية الصحية, فقد اثبتت دراسات متعددة في هذا الشأن ان تلك العمالة تجلب معها عادات صحية سيئة, بالاضافة الى تفشي الامراض بينها مما يؤدي الى انتشار هذه الامراض بين أفراد المجتمع علاوة على العبء المادي الذي تتكلفه الدولة من خلال الخدمات الصحية المقدمة لمعالجة هذا الوضع. ومن الناحية الأمنية, فان هذا العدد الكبير من العمالة الوافدة يتطلب رقابة وادارة امنية مستمرة نظراً لاوضاعهم المادية التي اضطرتهم لترك بلدانهم مما يجعلهم عرضة للإنحراف الاجرامي والخلقي بسبب الاغراءات المادية. اما من الناحية الاقتصادية, فان وجود هذا الكم الهائل من العمالة الهامشية ذات الدخول المتدنية لا تسهم في عجلة الاقتصاد, بل على العكس, فهي عبء على ميزانية الدولة التي تقدم لها خدمات مجانية باهظة التكاليف. ان حاجة الكويت كدولة نامية لعمالة خارجية امر ضروري لا مفر منه, الا أنه من الضروري ايضا وضع الضوابط اللازمة لتنظيم عملية جلب العمالة الاجنبية بحيث تتفق مع متطلبات المجتمع واحتياجات الدولة من العمالة المتعلمة والمفيدة والاستغناء عن العمالة الهامشية. بطبيعة الحال فان هذه القضية الشائكة والتي كشفت بعض البحوث الكويتية عن خطورتها وفداحتها تحتاج الى استراتيجية يقظة حذرة, واعية بعيدة المدى بحيث يستقر لدى الوافد ان امنه واستقراره مرتبط بأمن واستقرار الكويت ذاتها, ويستقر لدى المواطن ان الوافدين ليسوا اتجاهاً واحداً ومثل هذه الاستراتيجية تحتاج جهوداً اخرى منها ما ذكره باحثان كويتيان بقولهما: يجب ان نتعلم من دروس المحنة ومن السبل التي تكفل انتماء الوافدين للأقطار التي يعملون... وبذلك نكسب قلوبهم وعقولهم ولابد ان يؤدي ذلك الى احترامهم وولائهم للبلدان التي يقيمون فيها. الصورة: * كويتيون ـ قلة في مجتمع ضخم * احياء للكويتيين

Email