شطآن: معنى الفلسفة: بقلم ــ محمد خليفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفلسفة كلمة يونانية, معناها الاشتقاقي: حب الحكمة, وقد زعم هيرقليدس البنطي وأيده شيشرون. وذويوجانس اللأرسي, ان فيثاغورس اطلق كلمة(محبي الحكمة)على اولئك الذين اقتصروا على دراسة طبيعية الاشياء, وتركوا ما عدا ذلك من الوان المعرفة, وقبل فيثاغورس كان اسم(الحكماء)يطلق على الذين يهتمون بمعرفة الاشياء الالهية والانسانية واسبابها . وعلى كل حال فقد وردت مرارا على لسان سقراط في محاورات افلاطون ولكن بمعنى اخلاقي, اي محبة الحكمة الخلقية, ثم جاء افلاطون فتوسع في معناها وجاء تلميذه اكسينوقراط فقسم الفلسفة الى ثلاثة اقسام: 1 ـ نظرية المعرفة (المنطق) 2 ــ الفلسفة الطبيعية (الفيزياء) 3 ــ الاخلاق وبهذا التقسيم الثلاثي اخذ زينون مؤسس الرواقية, وكان معاصرا لاكسينوقراط ثم الرواقيون بعامة. ومع تطور ميدان الفلسفة تطور معناها ولقد حصر معجم (لالاند) المعاني التالية: 1 ــ الفلسفة هي المعرفة العقلية والعلم بالمعنى الاعم, وهذا المعنى نجده عند ارسطو (مابعد الطبيعة) وهذا المعنى بقي عند المحدثين عهدا طويلا فبيكون يقول (ان الفلسفة تدع الافراد جانبا, ولا تهتم بالانطباعات الاولى التي تحدثها فنيا, وانما بالمعاني التي تستمد منها بالتجريد وهذا هو دور العقل ومهمته) وديكارت في مقدمة كتابه (مبادىء الفلسفة) يقول: ان الفلسفة كلها بمثابة شجرة جذورها الميتافيزيقا, وجذعها الفيزياء, وغصونها المتفرعة عن هذا الجذع هي كل العلوم الاخرى وهي ترجع الى ثلاثة رئيسية هي: الطب, والميكانيكا, والاخلاق, واعني اسمى اخلاق واتمها وهذه هي اعلى درجات الحكمة وتفترض معرفة كاملة بسائر العلوم) . 2 ــ الفلسفة هي مجموع الدراسات او التأملات ذات الطابع العام, التي تسعى الى رد نظام من المعرفة او المعرفة كلها الى عدد صغير من المبادىء الموجهة وهذا المعنى الثاني يتحدد اكثر بأن الفلسفة محاولة للتركيب الكلي, وللنظرة الشاملة للكون, وفي هذا يقول هربرت اسبنسر ان الفلسفة هي المعرفة التامة التوحيد. 3 ــ الفلسفة هي الدراسة النقدية التأملية لما تبحث فيه العلوم مباشرة وفي هذا يقول كورنو ان (الفلسفة) تبحث في اصل معارفنا, في مبادىء اليقين وتسعى للنفوذ الى اسباب الوقائع التي يقوم عليها بناء العلوم الوضعية. 4 ــ الفلسفة هي الدراسة المتعلقة بأحكام القيم. 5 ـ الفلسفة اساسا هي مابعد الطبيعة ومابعد الطبيعة كما حددها ارسطو هي البحث في الموجود بما هو موجود, او هي العلم الخاص بالشروط القبلية للوجود وللحق وبالعقل وبما هو عقلي كلي وعلم الفكر في ذاته وفي الاشياء. واذا استعرضنا التعريفات التي يقدمها الفلاسفة المعاصرون للفلسفة نجد ما يلي: ونبدأ بهسرل مؤسس مذهب الظاهريات (1859 ــ 1938) فنجده يعرف الفلسفة بأنها (من حيث جوهرها علم بالمبادىء الحقيقية وبالاصول, وبجذور الكل, وان علم ما هو جذري يجب في سلوكه ان يكون جذريا, وهذا من ناحية ومن حيث كل الاعتبارات) ومذهب الظاهريات الذي وضعه هسرل يبدأ من نقد الرياضيات ليتوصل من ذلك الى اكتشاف طريقة تمكن من تحصيل الحقائق الاساسية والقاعدة الاساسية لذلك هي (العودة الى الاشياء ذاتها) اي الى ما هو معطى مباشر, مستبعدين كل النظريات السابقة المتعلقة بالواقع, ويقوم هذاالعمل على مبدئين: مبدأ سلبي هو (الابوخة) اي الوضع بين اقواس لكل ما لم يبرهن عليه بطريقة يقينية, انه يدعو الى استبدال الشك المنهجي (بوضع الاشياء بين قوسين) تعليق الحكم) من عملية التعليق هذه ومن الشك الديكارتي ينبثق (كوجيتو) مختلف عن ذلك الذي وضعه ديكارت, واخفق في تطبيقه ان كل واقعه نفسية لها قصد محدد, اي انها تتجه نحو موضوع ما, لكن بمقتضى مبدأ التعليق فإنه لايمكننا اصدار اي حكم على موضوع القصد, بل سوف نعتبره موضوعا متعاليا (اي انه يحدد شروط التجربة) ومبدأ ايجابي يقوم في الاهابة بالعيان المباشر للاشياء اي للظواهر المعطاة للشعور ومهمة الظاهريات هي الكشف عن ووصف عالم الظواهر بكل دقة وما بينها من روابط اذن الفلسفة الظاهرية هي اذن ضرب من الوصف, وهو ليس مجرد وصف للأنا او للموضوعات المتعالية التي هي مجرد شروط للتجربة, انها وصف لنماذج التجارب العلمنفسية للبنى النفسية مثل (الادراك, الذاكرة المباشرة, الذكرى, الانتظار قبل الادراكي) (هسرل, تأملات ديكارتية, ص18) . يمكننا ان نقول اخيرا ان هسرل وافق على فكرة برنتانو الرئيسية القائلة بأن حالات العقل الرئيسية ينبغي ان توصف اساسا بما لها من (مهمة قصدية) او الاتجاه نحو الاشياء لان جميع الحالات هي حالات عن اشياء (سواء اكانت حقيقية ام غير حقيقية) وان حالات العقل المختلفة هي حالات عن موضوعاتها بأشكال متباينة فهسرل يهتم مثلا اهتماما عميقا بالتمييز بين الحالات الواعية التي يقصد فيها الى شيء ما مجرد قصد, وتلك الحالات التي يحضر فيها الشيء حضورا عينيا, ويقال عن هذه الحالات الاخيرة انها (تحقق) الحالات الاولى, وهو مهتم ايضا بالتمييز المماثل لتمييز فريجه بين (المشار) و (المعنى) بين الموضوع كما هو (في الخارج) والموضوع كما هو متصور, فالمنتصر في معركة (يينا) يختلف بمعنى ما عن المنهزم في (ووترلو) و (الشخص في كلتا الحالتين هو نابليون) وهو يهتم ايضا بالطريقة التي (تتركب) وفقا لها الافكار المتعاقبة او الحدوس في الوعي النامي بالموضوع (نفسه) كما يهتم بالطريقة التي ننتقل بها من عبارة تكون موضع اشكال الى عبارة نقرر بها احتمالا ويهتم فوق هذا كله بالعمليات التي تدخل في فهم الالفاظ واستعمالها استعمالا ذا معنى ويؤكد هسرل ان البحث الذي يتابعه بحث تصوري, او تخيلي بالصور الذهنية اكثر منه تجريبا وانه يحاول ان يرى العوامل الداخلة في مجرد مفاهيمنا عن الادراك الحسي والاعتقاد والتنبؤ ..الخ والامكانات النابعة من هذه المفاهيم. كان هوسرل, شأنه في ذلك شأن (كانت) يبغي اكتشاف المبادىء القبلية التي تتحكم في العقل, وفي الطبيعة الظاهرية وفي القانون والمجتمع والدين والاخلاق... الخ, تلك المبادىء التي ينبغي الا تذهب مطلقا الى وراء ما يظهر لشعور والتي ينبغي ان تستمد ضمانها من طبيعة مثل هذه الظواهر الشعورية.

Email