الفنانة أميمة الخليل لــ(البيان): فرقة الميادين صقلت وعيي ومارسيل خليفة علمني الوفاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين داعب صوتها أسماعنا للمرة الأولى تساءلنا: من صاحبة هذا الصوت الجميل العذب الذي يرافق مارسيل ويضفي على الأغنية عمقا أخاذا وصفاءً مميزا, وكانت الاجابة: أميمة الخليل, الصوت المشع الهادىء الآتي على جناح غيمة ليمطر الفرح ويحلي المساءات الطويلة بالشجن والعذوبة . في روحها من حب الغناء, فشجعها على ذلك, ووضعها في يد أمينة لتتلقى الى جانب الغناء رؤية في الحياة والفن, وبدأت الرحلة مع فرقة الميادين ومازالت مستمرة بل زادتها الأيام رسوخا واقتناعا وأصبحت اختيارا حقيقيا يهديها الى ما تريد, ويجذر وعيها الانساني والفكري الذي حماها حتى الآن من الوقوع في شرك الغناء الرخيص والشهرة المريضة, هنا, مع أميمة, نحكي تجربة ــ الحياة, ونتعرض لبعض ملامحها الفنية والحياتية وما يثور على ساحة الفن من اسئلة وقضايا. - هل كانت (الميادين) بالنسبة لك صدفة أم اختيارا, وماذا قدمت لك هذه الفرقة؟ خيار لا صدفة ــ حين التحقت بالميادين كنت صغيرة, لكنها مع ذلك كانت خيارا ليس من قبلي بل من قبل الفنان مارسيل خليفة والأسرة, لكنني بعد ذلك اخترتها عن وعي وقناعة لاسيما وأن الاحترام والتقدير الذي كان الناس يقابلوننا به عززا علاقتي بالفرقة وقناعاتها وخطها الغنائي الجاد حتى إنني الى الآن أجد صعوبة كبيرة في قبول او الانخراط بتجارب اقل أهمية أو أداء أغنيات لا تتسق مع مستوى ما قدمته في هذه الفرقة. لقد اعطتني الميادين الكثير وعلمتني اكثر, ومن خلالها أدركت طبيعة العلاقة بين الفنان وجمهوره وضرورة الوفاء للقيم والمبادىء والافكار, ومن مارسيل تحديدا تعلمت الوفاء لأنه مثال للفنان الوفي والمخلص والأمين على فنه وجمهوره, ولأنني بدأت معهم منذ الصغر فقد تشربت هذه القيم النبيلة وانعجنت بشخصيتي وأصبحت جزءا مني. - غالبا ما تداعب الفنان أحلام الشهرة حتى ان بعضهم يلهث وراءها ويتبع كل السبل للحصول عليها ولا يتوانى عن تقديم الكثير من التنازلات لتحقيق ذلك, لكننا نلاحظ عدم اهتمامك بهذا رغم الصوت الجميل والاغنيات التي قدمتها, هل أنت مكتفية بحضورك عبر الميادين ولماذا لم تقدمي أغنيات خاصة بك مع ملحنين آخرين؟ ــ كل فنان يحاول ويرغب في تحقيق النجاح الفني وتقديم المزيد من الأغنيات لكن المشكلة بالنسبة لي تكمن في المستوى الذي أرغب في تقديمه, لست أبحث عن نجومية زائفة أو شهرة سريعة بل أحرص على تحقيق صورة فنية جمالية لي تبقى في وعي المشاهد ولا تقل عن تجربتي أو البصمة الخاصة بي. لقد حاولت كثيرا لاستخدام صوتي على نحو أكبر لكنني لا أريد أن أخطو في الهواء أو أن تكون خطوتي ناقصة, وفي ظل الأجواء التي تعيشها الأغنية وفي حضور هذا الكم الهائل من المطربين يبقى على الفنان ان يتمسك بموقعه اذا كان لديه موقعا ما, وفي تقديري أنني في موقع هام علي أن أتمسك به وأحافظ عليه لأن الفرص كثيرة والمغريات اكثر لكنها ليست الفرص التي أرغب او تقنعني, صحيح أنني أحب أن أكون حاضرة على نحو أكثر لكن بالمستوى الذي أريد وليس بشروط شركات الانتاج, عموما أنا موجودة ومن يرغب في التعامل معي من خلال امكانياتي الصوتية والفن الجميل فأهلا وسهلا. التأليف الموسيقي... ظلمنا - ثمة محاولات جادة في التأليف الموسيقي يقوم بها موسيقيون عرب منهم تجربة مارسيل الأخيرة (جدل) , ما رأيك بهذه المحاولات ولماذا برأيك لا تجد الحماسة ذاتها التي تجدها الأغنية؟ ــ ربما يعود هذا الى علاقتنا التاريخية بالكلمة والاغنية لأننا نحن العرب نعشق الكلام وتبدو الموسيقى في كثير من الأحيان طارئة علينا, واذا استعرضنا الجهود الموسيقية العربية سنجدها مرتبطة بالكلمة ــ على الأقل في العصر الحالي ــ حيث اتجهت هذه الجهود الى منطقة الغناء, وانصبت على البحث في الأغنية ولم يلتفت الموسيقيون الى التأليف الموسيقى الا في السنوات الأخيرة, مما يعني اننا نحتاج الى وقت حتى تصبح هذه الموسيقى ظاهرة او تعم وتنتشر وتتقبلها الاسماع, اما تجربة (الجدل) فأعتقد ان مارسيل واحد من الموسيقيين الذين يبذلون جهدا جبارا وبكل تواضع وذكاء لكي يقدموا موسيقى قريبة من الناس, تصل لهم ويحبوها. ومن جهة اخرى أشعر أننا نحن أصحاب الأصوات البشرية بتنا مظلومين لأن المؤلفين الموسيقيين وهم قلة باتوا يتجهون للتأليف الموسيقي البحت اكثر مما يتحمسون للأغنية, بالطبع لا أتحدث عن الأغنيات التي تقدم في المطاعم والصالات بل عن الأغنية التي هي تأليف موسيقي كما عند الفنان مارسيل خليفة. - التصنيف بين أغنية سياسية وأخرى عاطفية ضر كثيرا بالأغنية الانسانية التي تتلاحم فيها السمات العاطفية مع الوطنية مع الاجتماعية كما في تجربة (الميادين) , في تقديرك ما هي الاسباب التي أدت الى مثل هذه التصنيفات وما مدى حضور الأغنية الانسانية والاجتماعية في حياتنا؟ ــ أعتقد ان هذا حدث لأن الموضوع الانساني والاجتماعي كان قليلا, ولم يكن موازيا لحضور الأغنية العاطفية (بالمعنى الشائع) مما جعل أي فنان يتجاوز هذا المفهوم ويقدم أغنية عاطفية مختلفة يصنف على هذا النحو, ولو اعتاد الناس على سماع الأغنية الجيدة التي تنسجم فيها المقومات وتتداخل الموضوعات لتعبر عن الحياة نفسها بكل ما فيها لما وجدنا هذا الفرز الواضح, وفي تقديري أن الفنان حر تماما في غناء كل الموضوعات والتطرق الى كل ما يمس الحياة لأنه ذو تأثير كبير على الناس والطبيعي او المفروض ان يغني الحالة الاجتماعية والانسانية والسياسية والوطنية اذا أراد أن يكون صادقا ومعبرا عن الناس وأفراحهم وأحزنهم وأشواقهم, من الصعب ان ينجز الفنان أغنية حقيقية وهو يعيش بمعزل عن الحالة العامة. الى جانب هذا الخطأ هناك خطأ آخر يرتكب الآن حيث يتساءل الكثيرون لماذا الموسيقى وحدها وليس الأغنية, وكأن الفنان مجبر على البقاء في قالب واحد أبدي لا يتغير, وهذا ضد منطق الأشياء, ما يدلل على ذلك غسيل الدماغ الذي نراه في القنوات الفضائية حيث يجري تكريس نجم ما بشكل عجيب من خلال تكرار العرض وفي أوقات معينة ومن الصنف نفسه, ولو أراد القائمون على هذه المحطات ان يكرسوا نجوم الأغنية الجادة لفعلوا الشيء نفسه, كثيرة هي الأصوات الغائبة او المغيبة رغم جمالها وتكاد المساحة لا تتسع الا لعدد من النجوم المختلفين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. صعوبات أمام الأغنية الجادة - عدا الصعوبات التي تواجهها الأغنية الجادة في وسائل الاعلام, ما هي الصعوبات او المعيقات التي تحد من انتشارها, وكيف يمكن تحقيق ذلك في عصر الاتصال المذهل؟ ــ نجاح أغنية ما خصوصا اذا كانت هادفة وجادة لا تصنعه جهة رسمية مهما كانت امكانياتها, قد تفرضه لفترة ثم سرعان ما تنتهي الاغنية لتحل محلها اخرى وهكذا دواليك, رواج يعقبه أفول, لكن النجاح الحقيقي شيء مختلف, ان تبقى الاغنية في قلوب الناس هذا هو المطلوب وقد يتحقق هذا عبر الناس أنفسهم وليس من خلال وسائل الاعلام, في تجربة الميادين مثلا لم تكن ثورة الاتصالات قد تحققت على هذا النحو رغم ذلك كنا نجد ان الجماهير تحفظ أغنياتنا في مناطق قصية جدا, في القرى والضياع في المغرب كما في مصر والقدس وغيرها من أقطار الوطن العربي. - ما هي ملامح الأغنية التي تريدينها؟ ــ أحب أن أقدم نصا جميلا, نصا شعريا يكتبه شاعر ويعالجه موسيقي متخصص وليس ملحنا مكرسا من محطة فضائية, بالتأكيد ستكون مثل هذه الأغنية جميلة وهذه بالمناسبة ليست صعبة ولا معقدة, كل ما أطلبه توفر مستوى جمالي وفني, أنا لا أدعي أنني أقدم شيئا لا مثيل له, بل أبحث عن كلمات انسانية, جميلة معبرة تعانق الروح. - عدا تجربة الميادين كانت لك أغنية يتيمة مع الفنان شربل روحان, هلا حدثتنا عنها قليلا؟ ــ شربل واحد من أعضاء فرقتنا وأنا أحب موسيقاه كثيرا, وأحب أسلوبه في العزف وسيكون بيننا عمل مشترك في المستقبل, وهذه الأغنية (خليني غنيلك) اعتبرها مفتاحا لعملي معه, وقد نجحت كثيرا في بيروت لكنها لم تنتشر في الوطن العربي. - الى أي حد يخدم (الفيديو كليب) على النحو الذي نشاهده الأغنية, وهل يمكن ان يكون أثره سلبيا عليها؟ ــ نعم, قد يكون تأثيره سلبيا رغم أنه في الأساس يخدم الأغنية, لكن على النحو الذي نراه حيث لا فكرة, ولا قصة, ولا جماليات في الصورة يبدو الأمر محزنا, ويكاد يكون الفيديو كليب شجرة ومرج وحبيبين وتمر مرور الكرام, بالتأكيد هذا النوع مرتبط بصاحبه وبطريقة تفكيره, لكن هذا لا يمنع من وجود تجارب جميلة وتخدم الأغنية, خصوصا ونحن في عصر الصورة والشاشة. ماجدة الرومي وعلي الحجار - من الأصوات الحالية, من يعجبك على نحو خاص؟ ــ يعجبني صوت ماجدة الرومي وهو صوت هام جدا في الوطن العربي وأراه مظلوما, فصوت ماجدة أحلى بكثير مما يقدم لها وطاقة مميزة في الشرق بل من أجمل الأصوات في العالم العربي وما يمكن ان تقدمه افضل بكثير مما أتيح لها حتى الآن, عموما أن أحب ماجدة لأنها ماجدة, اضافة الى علي الحجار خصوصا في تجربته مع مودي الامام وهي أجمل ما قدمه الحجار. - وماذا عن هبة الغواص؟ ــ صوت جميل حقا, وما تقوم به مهم ويستحق الاعجاب, لكن مازال مبكرا إدراج اسمها حين يكون الحديث عن منصور وعاصي الرحباني أو زياد أو مارسيل خليفة وفي تصوري ان المتحمسين لها والذين يدعمونها يتعجلون كثيرا في هجمتهم لخدمتها, وحتى مع وجود الفضائيات والاعلام لا بأس من التواضع والتأني وشيئا فشيئا يصل الانسان لما يريد, هذا ينطبق على كل فنان ولا أخص هبة بالتحديد, ربما يكون لهذا تأثير سلبي على الفنان, هبة موهوبة ولديها طاقة وقدرة كبيرة, وشيء جميل أن تقوم بالتأليف الموسيقي لكن التروي مطلوب وضروري في هذه الحالة خصوصا وأنها تتمتع بوعي فني وثقافي وتعلم بالتأكيد أين موقعها وأين تقف. المغني والثقافة - علاقة المغني بالثقافة ضرورية خاصة في تجربة كتجربتك ترى ماذا تقرأين, وما شكل علاقتك بالسينما والفن التشكيلي وغيرها؟ ــ أحب قراءة الروايات بشكل كبير, وأقرأ الشعر على نحو أقل, أما السينما فأتابعها باستمرار ولا يفوتني عرض لفيلم جديد تعرضه الصالات في بيروت, لكنني أتابع السينما الأجنبية اكثر من العربية, ولا أخفي عليك أنني أحب الأفلام التي تستخدم المؤثرات الصوتية والبصرية, الى ذلك أحرص على قراءة كتب الموسيقى والفن والتاريخ أحيانا, وأتلقى تدريبا موسيقيا مرة في الأسبوع مع أستاذتي لاكتساب تقنيات صوتية لم أستخدمها بعد وسوف تظهر مع تجربة أعد لها الآن مع زوجي الموسيقي هاني سبليني, علاوة على الاهتمام بطفلي وبيتي. حوار ــ شهيرة أحمد

Email