استراحة البيان: كشكول النقائص، بقلم: محمد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر كتاب (الفلاكة والمفلكون) من الكتب التراثية الطريفة والغريبة وهو من تأليف (شهاب الدين أحمد بن علي الدلجي) . ويقول في الفصل الاول ان لفظة المفلوك تلقيناها من أفاضل العجم, ويريدون بشهادة مواقع الاستعمال : الرجل غير المحظوظ, المهمل في الناس لإملاقه وفقره. وبعد عدة مباحث يصل الى أطول فصول الكتاب وهو الفصل العاشر (في تراجم العلماء الذين تقلصت عنهم دنياهم ولم يحظوا فيها بطائل). وهنا يورد طائفة لعلماء أعلام أصيبوا بنقص مادي ونقائص أخلاقية وهو يتوسع في الأمر الثاني بطريقة هجائية لا ندري مدى صحتها. ومن أمثلة ما ذكر عن بعض أعلام الماضي ما يلي: ـ محمد بن يوسف بن مسعود الأديب البارع شهاب الدين ابوعبدالله التلعفري الشاعر المشهور اشتهر ذكره وشاع شعره, وكان خليعا معاشرا وامتحن بالقمار. وكلما أعطاه الملك الأشرف شيئا يقامر به فطرده الى حلب فمدح بها صاحبها العزيز فأحسن عليه وقرر له رسوما فسلك معه مسلك الاشرف فنادى في حلب ان من قامر مع الشهاب قطعنا يده, فامتنع الناس من اللعب معه فضاقت عليه الارض وترك الخدمة وجاء الى دمشق ولم يزل يستجدي بها ويقامر حتى بقي في أتون الفقر! ـ الفيلسوف الصوفي المعروف شهاب الدين السهروردي كان: دنيء الهمة, زري الخلقة, دنس الثياب, وسخ البدن, لا يغسل له ثوبا ولا جسما ولا يدا من زهومة, ولا يقص ظفرا وشعرا, وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثوبه! ـ نجم الدين ابن أخي قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان, كان فقيها فاضلا, وولي القضاء ببعض البلاد الشامية, وكان مهووسا بالحكمة, ويقول عن نفسه: أنا حكيم الزمان. فانقطع رزقه بهذا السبب ومقت ونسبوه الى انحلال العقيدة! ـ بدر الدين بن مالك, كان نحويا عارفا بعلم البيان والعروض والاصول والمنطق ذكيا, الا انه ينسب الى لعب ومعاشرة من لا تليق معاشرته! ـ العفيف التلمساني, كان حسن العشرة, كريم الاخلاف, ذا وجاهة, وخدم في عدة جهات من المكس, كان يتهم بالخمر والفسق والقيادة! ـ القطب الشيرازي, كان إمام عصره في المعقولات وفي غاية الذكاء, وله التلاميذ الكثيرة والتصانيف المشهورة منها شرح المختصر لأبن الحاجب,, كان كريما متطوحا الا انه كان متهاونا بالدين, محبا للخمر, ويجلس في حلق المساخر! ـ أبوالحسن محمد بن هانىء الازدي الاندلسي الشاعر المشهور, كان متهما بمذهب الفلاسفة, مشتهرا بحب الخمر. أضافه شخص ببرقة فأقام عنده في مجلس الأنس أياما, فيقال انهم عربدوا عليه فقتلوه سنة 362! ـ تاج الدين المراكشي, حصل علوما عديدة أكثرها بالسماع لانه كان ضعيف البصر مقاربا للعمى, ذكيا, عجولا, محتقرا للناس, كثير الوقيعة بينهم, ولهذا عمل عليه قاضي القضاة جلال الدين القزويني حتى أخرجه من مصر! ـ الفيروز أبادي الفخر الفارسي نزيل مصر الشافعي الصوفي المحقق المحدث.كان فاضلا بارعا فصيحا بليغا متكلما ذا معاملات ورياضات ومقامات, الا انه كان بذيء اللسان, كثير الوقيعة في الناس لمن عرف ومن لم يعرف! ـ عبدالله بن احمد المعروف بابن الخشاب البغدادي العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب, له في العلوم اليد الطولى, كان فيه بذاءة وقلة اكتراث بالمأكل والملبس وكان بخيلا وسخا قذرا, تبقى عمامته على رأسه حتى تتقطع مما يلي رأسه من الوسخ, ويرمي عليها العصافير ذرقها فيتركه على حاله, ولم يتزوج قط ولا تسري وكان يستقي بجرة مكسورة ويلعب الشطرنج حيث وجده ويقف على المشعبذ واصحاب النرود, ويستعير الكتاب فلا يعيده متعللا بضياعه بين الكتب! ـ ابوالحسن النحوي المعروف بشميم, قال ابن النجار: كان أديبا مبرزا في علم اللغة والنحو لكنه كان أحمقا, قليل الدين, رقعا, يستهزىء بالناس ولا يعتقد ان في الدنيا مثله ولا يكون ابدا! ـ ابوالحسين احمد بن المنير الطرابلسي الشاعر المشهور, مهر في اللغة والادب, قال الشعر فأجاد. قدم دمشق فسكنها وكان كثير الهجاء بذيء اللسان ولما كثر منه ذلك سجنه نوري بن أتايك صاحب دمشق وعزم على قطع لسانه, فشفع فيه ونفي! ـ الحريري صاحب المقامات كان: غنيا له ثمانية عشر ألف نخلة كل نخلة في السنة بدينار, وقيل أنه كان قذرا في نفسه وشكله ولبسه, قصيرا دميما مولعا بنتف ذقنه! ـ ابوجعفر المرادي النحاس المصري النحوي, كان من الفضلاء وله التصانيف المفيدة في علوم القرآن واللغة والأدب, وكان فيه خساسة وتقتير على نفسه, واذا وهب عمامة قطعها ثلاث عمائم بخلا وشحا, وكان يلي شراء حوائجه بنفسه ويتحامل فيها على أهل معرفته! ـ مروان بن أبي حفصة الشاعر المشهور, كان يمدح الخلفاء والبرامكة ومعن بن زائدة. وكان يحصل له من الاموال شيء كثير جد. وكان مع ذلك من أبخل الناس لا يكاد يأكل من اللحم من بخله ولا يشعل في بيته سراجا ولا يلبس من الثياب الا الكرابيس والفرو الغليظ! وهنالك قصص اخرى مماثلة يذكرها صاحب الكتاب في هذا السياق. وللانصاف نقول ان الكثير من مصنفي كتب الاعلام يذكرون بعض التناقضات والسلبيات في سير عدد من علماء وأدباء العرب والمسلمين وبعض هذه الامور ربما كانت نتيجة لشخصيات معقدة من الناحية النفسية او لتناقض بين الفكر والممارسة وبعضها الاخر ربما اضيف بسبب خلافات فكرية او مذهبية.. الخ. ولكن صاحبنا جمع العدد الأكبر منها وكأنه صنف كشكولا لنقائص العلماء والأدباء !!

Email