الموسيقي العربي السوري رياض قدسى: أوركسترا الأطفال ستشارك في الحفل الختامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم ان كل الدلائل تشير الى اهتمام العرب قديما بالموسيقى الا اننا في عصرنا هذا ومع وجود الامكانات الكبيرة لم تتوفر حتى الآن فرق اوركسترالية عربية يمكنها ان تساهم او تشارك في العزف والتأليف بما يتناسب مع التطور الهائل للموسيقى العالمية . الموسيقي العربي السوري رياض قدسي, وضمن طموحاته الكبيرة, وامكاناته المتعددة يحاول ان يشق طريقا وعرا جدا نحو العالمية معتمدا على ورود صغيرة تفتحت منذ قريب, ومن هنا, من دبي, من عاصمة النور, قام بتشكيل فرقة صغيرة الى ان ترعرعت ونمت بجهده وجهد الاهالي حتى وصلت الى ماهي عليه الآن فرقة مؤلفه من خمسة واربعين طفلا باعمار متفاوتة بين (سبع سنوات الى تسع سنوات) ومن كل الجنسيات (الامارات, سوريا, بريطانيا, نيوزلندا, الهند, اليونان, فنلندا, ايرلندا, الفلبين, واسكتلندا) جمعتهم احاسيس واحدة الا وهي احساسهم بالموسيقى. جريدة (البيان) تابعت مهرجان التسوق في دبي بكل فعالياته ولم يفتها ان تتابع, ابداعات هؤلاء الاطفال من خلال تغطية ما قامت به فرقة (اوركسترا الاطفال الوترية) من نشاطات وحفلات موسيقية مبدعة ووراء هذا الابداع كان جنديا مجهولا الا وهو الاستاذ الموسيقي (رياض قدسي) الذي تخرج من كونسرفتوار واكاديمية براغ الموسيقية 1979 بشهادة ماجستير بالعزف على آلة الكمان بامتياز, وقدم في حفلة تخرجه (كونشرتو الكمان والاوركسترا) للموسيقي الكبير مندلسون, درس في باريس بعد التخرج وعزف في معظم الحفلات الاوركسترالية في باريس والمانيا وتشيكوسلوفاكيا كعازف (صولو) بارع. وعاد الى سوريا وألف فرقة موسيقى الحجرة, والثلاثي السوري.. وكانت جولته الاخيرة في ربوع الامارات الجميلة, وشاهدت بعض العائلات الاجنبية عزف رياض قدسي في احدى الحفلات بدبي فعرضت عليه تعليم اولادهم العزف على الآلات الوترية فكان ذلك وتم العمل الجاد, وقام بتأسيس الفرقة التي دهشت حين استمعت الى عزفها فكم هو رائع ان نرى تلك الانامل الصغيرة التي تعبث بكل شيء, تتحرك بكل انسجام على الاوتار لتخلق آفاقا تأخذنا معها الى اجواء ساحرة... جعلت الحفل رائعا. بدأت الفرقة حفلها الاخير بالنشيد الوطني لدولة الامارات, ومن ثم بعض المقطوعات الموسيقية الراقصة التي كانت حوارا جميلا متناغما بين العائلة الوترية (فيولا ــ فيولون ــ فيولونسيل) وبين العائلة الوترية.. والبيانو, والجيتار الذي كان يعطي للمقطوعات خلفية ايقاعية هارمونية رائعة, وقد اجاد الموسيقى رياض قدسي في توزيع الآداء, بحيث كان اللحن ينساب متفاوتا بين السرعة والبطىء, وبين قوة الاداء وضعفه, وهذا ما يجعل المستمع يقف مأخوذا. الصولو الأول والثاني قدم (الصولو) وهو العزف الافرادي مع البيانو لعازفة صغيرة لم تتعد السابعة من عمرها اسمها فيكتوريا اذ قدمت (سوناتينا) للموسيقي (باكلانوفا) والسوناتينا عبارة عن تركيب مصغر للسوناتا وهو تأليف غربي مؤلف من ثلاث حركات الحركة الاولى سريعة تعزف اللحن الاساسي, والحركة الثانية بطيئة, والحركة الثالثة راقصة وقد اجادت بعزفها تلك الصغيرة. وقدم الصولو الثاني وهو (بيريليود) للموسيقي الالماني هاندل الذي كان يدعى في برلين (الطفل المعجزة) والبيريليود, مقطوعة موسيقية تعزف قبل العمل الاساسي مثل الافتتاحية قبل الاوبرا وصعوبة المقطوعة أدت الى ارتباك العازفة قليلا, بمرافقة ايقاع البيانو.. الا ان الموهبة تؤكد بمستقبل واقع. (والصولو الاخير) كان (مينويت) للموسيقي الالماني الكبير باخ, قدم على ثلاث مراحل المرحلة الاولى يعزف فيها اللحن الاساسي او السلم الاساسي, المرحلة الثانية يكون اللحن بتركيب جديد ثم المرحلة الثالثة عودة الى اللحن الاساسي, وطابع المينويت الراقص. لم ينس الموسيقى رياض قدسي الموسيقى الكبير الذي مازلنا نتشبث به برغم بعد الزمن الا وهو (سيد درويش) اذ قدم له اغنية شعبية موزعة بتوزيع جميل وهي (طلعت يامحلا نورها) وما الاغنية الشعبية الا مرآة صادقة, تنعكس عليها كل صور الحياة, وكل المشاعر الانسانية في قالب بسيط. وما أثار الشغف عزف الفرقة لتأليف آلي اسمه (سويت) وهو مجموعة من الرقصات متباينة بين السرعة والبطىء والطابع لكي لاتكون حملة للمستمع. لم ينس ان يقدم لموزارت الموسيقي الالماني (مارش) والمارش هو المشية النظامية للفرقة العسكرية وكان رائعا جدا.. عزفته الانامل الصغيرة بشكل مثير. وكان ختام الاوركسترا بيتهوفن ــ العبقري المتمرد بأصابعه المجنونة التائهة ــ بالحركة الرابعة للسيمفونية التاسعة الذي وقف فيها العملاق الاصم ينادي بالاخاء بالحب بين بني الانسان واختتمها بأبيات من شعر (شيللر). ولنجعل القارىء يطلع على طموحات هذا الموسيقى وما حققه لتلك الفرقة, كان لنا معه الحوار التالي. جهد سنوات - من فضاءات الطفولة الى اصداء الموسيقى عوالم تتداخل بين الصفاء الفطري وعلوم الموسيقى الشاسع, وعن الموهبة وصقلها, والتعامل مع بداية الخامات؟ وهل عند كل الاطفال استعداد لتعلم الموسيقى, يقول رياض: ــ تلك الفرقة نتاج جهد ست سنوات بدأتها بعدد صغير ومن ثم وصلت الى ما هي عليه الآن ــ طبعا كان هناك جهد كبير لان الاستعدادات متفاوتة ــ فهناك طالب موهوب وهناك طالب مجتهد وكلاهما بالتمرين والممارسة والتفاني ووعي الاهل.. كل هذا يدفع الطفل للتقدم والنجاح وتعلم كل شيء. - هل عالم الموسيقى عالم واحد يستطيع الطفل دخوله عبر تعلمه على آلة واحدة, ام هناك اختصاص؟ ــ كل طفل يحب الموسيقى.. يريد الاختصاص بآلة واحدة, ومن خلال رغبة الطفل يشارك في العزف على الآلة التي اختارها ومن خلال هذه الآلة تزداد معرفته الموسيقية فلكي يعزف مقطوعة لبيتهوفن مثلا يجب ان يعرف من هو الموسيقي وبأي عصر فبالتالي يتعلم (تاريخ الموسيقى, ومن ثم يتعلم الصولفيج لكي يستطيع العزف ومن ثم يتذوق نغمات المقطوعة من خلال عزفه.. وبالتالي من خلال الاله يدخل هذا الطفل عالم الموسيقى من حيث لا يدري. شعور بالتحدي - بين الامكانات الجسدية والعقلية أين يكمن العمل (تدريب, تطلعات, تفرد وبالتالي علم) وماذا عن بيتهوفن الذي أصابه الصمم. ـ العقل متكامل مع الجسد والعزف يحتاج الى امكانات جسدية وعقلية فالعزف مثلا على آلة الكمان يتطلب فيزيولوجية جسيمة من حيث حركة الاصابع مرونتها وصفيتها على الالة وحالة عقلية سليمة.. وطبعا.. الاندفاع والحب والموهبة والبيئة الصحيحة والقيادة الصحيحة مع التدريب الصحيح يستطيع الطفل ان يكون عازفا متخصصا. وصمم بيتهوفن لم يكن في بادىء حياته وانما في اواخر حياته وكان ذلك حافزا لتمرده وعبقريته فولّد عنده شعور بالتحدي وتجاوز المحن والمصاعب. سحر الاصالة - سحر الاصالة وغرابة الحداثة ـ كيف يمكن الجمع بين الموسيقى الشرقية والغربية؟ وما الحيز الذي تشغله وتفرضه الالة هنا. ـ كثيرون يفكرون بشأن تطور الموسيقى الشرقية مثل تطور الموسيقى الغربية وهذا خاطىء. لان التناغم الهارموني في الموسيقى الكلاسيكية الغربية لم يوجد من الفراغ. فقبل ان تدخل العلوم الهارمونية والتآلفات الصوتية الموسيقية الى اوروبا.. واذا ما نظرنا الى المخطوطات العربية (لابن سينا ـ والكندي والفارابي) لوجدنا انهم اول من فكروا وقاموا بادخال صوتين او ثلاثة اصوات لتشكيل تناغم صوتي جميل وللأسف مع انحسار الحضارة العربية وانتقالها عن طريق الاندلس الى اوروبا, أخذ الغربيون عنا هذه العلوم وطوروها ووصلوا الى ما عليها الان. فتطور الموسيقى العربية حاليا ليس بالضرورة ان يسير نفس المسار الذي سار عليه في بلاد الغرب فمن الضروري المحافظة على اصالة وحيثية الموسيقى العربية بالاضافة الى ايجاد طرق للتآلف الصوتي (لثلاثة ارباع الصوت) الموجود في الموسيقى العربي وهذا لا يتم الا من خلال اجيال متعددة تدرس الموسيقى دراسة على مستوى أكاديمي عال جدا حتى تصل ما بعد عدة عقود وعدة اجيال الى ما وصلت اليه الموسيقى عند الحضارات الاخرى. مقطوعات عالمية - الا تجد صعوبة بالتعامل مع المقطوعات العالمية لما لها من أبعاد خالدة في عالم الموسيقى, وهل هناك تعديلات او اضافات لتلك المقطوعات, أم يجب ان نحافظ على قدسيتها كما يتعامل العالم مع مسرحيات شكسبير مثلا. ـ طبعا جميع المقطوعات مصاغة بحيث تناسب اوركسترا الحجرة وتناسب الاطفال, فمثلا اللحن الختامي للسيمفونية التاسعة لبيتهوفن, اخترته بحيث يناسب الاطفال وايضا اختيار المقطوعات الملائمة وصياغتها بشكل يناسب الاطفال ولكن بدون تغيير في المضمون. - هناك محاولات من بعض الموسيقيين العرب للدخول الى حيز العالمية, كما فعل مارسيل خليفة في (جدل) مثلا فكيف تعاملت مع المقطوعات التي قدمتها.. ـ التواصل بين الاعمال الموسيقية الغربية والاعمال الموسيقية الشرقية من قبل بعض الموسيقيين العرب شيء رائع اذ يقوم بعض الموسيقيين العرب بجعل الاوركسترا الغربية تعزف الحانهم وهذا شيء جيد. ولكن الشيء الاهم هو الدراية والدراسة الاكاديمية للتدريب والتوزيع الاوركسترالي والهارموني بشكل صحيح. التطلعات المستقبلية - وماذا عن الدعم المادي, والتطلعات المستقبلية للفرقة؟ اضطررت لعمل مجلس اباء.. وكانت ادارة تلك الفرقة من قبلهم اداريا وانا استلمت ادارة الفرقة من الناحية الموسيقية وكانت هناك اعباء مادية وبمساعدة (SPONSOR) قام بتسهيلات وذلك بطباعة النوتات وتقديم الهدايا.. وكان مساعدا لنا لتنظيم سير الفرقة وأملي ان نكون تحت رعاية الدائرة الاقتصادية في دبي وهذا شرف لنا. ـ اما بالنسبة للتطلعات المستقبلية. سأستمر في تدريب الفرقة لان ترك هذه الفرقة خسارة كبيرة للامارات.. الفرقة قامت على اساس تربوي وثقافي حسب الاصول المتبعة في ارقى المعاهد الاوروبية والجهد المبذول والعطاء من الاطفال يتطلب دعما, هذه الفرقة انسانية قامت لدعم القيم الانسانية اذ أقمنا حفلة لمدرسة النور للمعاقين بدبي, والحفلة الثانية في مدينة الشارقة للخدمات الانسانية وكان ريعها للمدينة تحت رعاية سمو الشيخة حرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بالتعاون مع الشيخة جميلة القاسمي مديرة مدينة الشارقة للخدمات الانسانية وذلك بهدف تنمية الاهداف التعليمية في المدينة. سنشارك في الختام - هل سيكون هناك اهتمام مختلف لبعض التآليف الموسيقية الشرقية او المحلية؟ ـ طبعا سيكون هناك فعاليات للاطفال في عزف بعض التآليف الموسيقية الشرقية بالاضافة الى عزف بعض الالحان والايقاعات الخليجية, واتمنى ان يكون هناك تشجيع لاهالي ابناء الامارات لهذا العمل الجميل ومشاركتهم واسهامهم لهذا العمل... لان هذا العمل هو عمل ثقافي تربوي قبل كل شيء. - هل ستشارك الفرقة في ختام المهرجان. ـ بالطبع لقد دعونا للمشاركة في حفل الافتتاح ولكن لاسباب تقنية لم يتم ذلك.. وكانت مفاجأة لي وشرف كبير لي وللفرقة ان ادعى للعزف في ختام المهرجان.. وهي الفرقة الوحيدة التي ستشارك في الحفل الختامي للمهرجان.. حوار ـ ملك حامد الخضر

Email