استراحة البيان: نكتة الجارم وشوكة (البوم): يكتبها اليوم- ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لكل منا هوايته التي يستمتع بها ويفضلها على غيرها من الاشياء والاعمال, فبعضنا يستمتع بهواية المشي والجري وبعضنا تأخذه هواية القراءة إلى بحورها الواسعة المتلاطمة , ومنا من يهوي الرسم وقراءة الشعر أو ارتياد الامسيات الادبية وكثيرون هم من يهوى ارتياد المقاهي خاصة الحديثة, وبين كل تلك الهوايات تطل هواية جمع الاشياء بقوة أمام الجميع فهي لا تفرق بين غني وفقير, صغير وكبير, مشهور أو غفير. ولكن ماذا يجمع هؤلاء؟ ـ لو سألت فستكون الاجابة كل شيء وأي شيء, فهؤلاء المهووسون بالجمع لا يتركون شيئا فهم يجمعون الطوابع والزجاجات الفارغة, وعلب الكبريت, واقلام الحبر, والسيارات القديمة النادرة, والاسطوانات واشرطة الكاسيت, وشعارات الاندية ومتعلقات التشجيع والعطور وقطع السجاد القديمة, والعملات النادرة, واللوحات الفنية والملاعق الفضية, والاشياء البحرية كالمحار واللؤلؤ وغيرها والكتب النادرة والبطاقات البريدية, ولو اردت ان اكمل فلن انتهي لكثرة الاشياء التي يعكف هؤلاء على اقتنائها وجمعها. وظاهرة جمع الاشياء أو تلك الهوايات ظهرت منذ أزمنة قديمة لكنها اصبحت كحقيقة ظاهرة في بدايات القرن الثامن عشر واقتصرت على افراد العائلات المالكة اذ لم يكن من المقبول في تلك الفترات جمع شيء اخر غير القطع الفنية كاللوحات والمنحوتات والأواني ومجموعات الكتب, ومن ثم تطورت تلك الهواية لتشمل البطاقات البريدية وطوابع البريد حيث كانت من اكثر الاشياء الكلاسيكية التي كان الناس يعكفون على جمعها وتبادلها فيما بينهم لكلفتها القليلة وخفتها وجمالها. اما الان فنلاحظ عدم وجود اي قيود على جمع الاشياء سواء كانت نادرة ام عادية فالخيارات مفتوحة امام الجميع, والزمن الحالي جعل من الامور غير العادية عادية, حتى سمعنا ان احدهم يهوى جمع الافاعي بجميع اشكالها والوانها فهو يطعمها ويسقيها ويلاعبها خاصة اذا عرفنا ان عددها يتجاوز المائة. وفي هذا المجال تحضرني حكاية احد هؤلاء الهواة وهو بمثابة مدير بلدية في احدى الدول العربية كان في زيارة إلى دبي بدعوة من امانة البلديات, وقد جمعتنا مأدبة غداء في مطعم البوم عندما كان في موقعه السابق امام القنصلية العامة البريطانية, وصرح هذا الهاوي المدير بأنه لم يعد قادرا على التزام الصمت امام الالحاح الداخلي لهوايته, فقد تعود كما يقول ان يأخذ الشوكة من اي مطعم يرتاده ولذلك فهو يريد ان يقتني شوكة المطعم بأي طريقة, وقد استأذن المضيف ادارة المطعم التي اهدته شوكتها اكراما لعيون تلك الهواية, ولا ادري كم هو عدد الشوكات التي اقتناها صاحبنا من مطاعم دبي, خاصة اذا ما عرفنا ان الزيارة استمرت اسبوعا كاملا شاملة الافطار والغداء والعشاء! وحتى لا نسيىء الظن بصاحبنا هاوي الشوكة يؤكد اخصائيو علم النفس بأن هواية جمع الاشياء يمكن ان تتحول إلى هاجس أو هوس بالنسبة لأي شخص, فالحاجز بين الجمع العادي والمرض يصعب تحديده جيدا, والاحتفاظ بالاشياء بدلا من التخلص منها, وجمع عدة اشياء متنوعة يعتبر اتجاها طبيعيا لدى اي انسان, فمنذ سن الطفولة يمتلك معظم الاطفال علبة يحتفظون فيها بأشياء غريبة ومتنوعة ثم تخضع تلك الهواية لدى الطفل للقليل من النظام, وغالبا ما يكون ذلك اتباعا لنصائح الوالدين كجمع نماذج السيارات أو القطارات أو الطوابع أو العملة المعدنية. ويهتم المحللون النفسيون كثيرا بموضوع هواية الجمع لدى الشخص فهم يعتبرونها وسيلة يعبر بها الشخص عن هويته عن طريق اقتناء اشياء فريدة من نوعها.. وحتى لا أثقل عليكم سأقتطف بعضا مما احتوت عليه اوراق قديمة لزميل لنا يهوى جمع الصحف والمجلات القديمة, فمن ورقة قديمة احتفظ بها عامر بدر حسون تعود لعام 1949 جاء فيها ما يلي: خسر المجمع اللغوي اربعة من اعضائه اشتهروا بخفة الروح وبراعة النكتة وهم: الاساتذة عبدالعزيز البشري وانطون الجميل وعلي الجارم والمازني وهذه طائفة من طرائفهم التي اضحكت اللغويين, فقد قرر المجمع وضع ثلاثة معجمات اولها للكلمات العربية الشائعة, وثانيها للكلمات الصعبة وثالثها للكلمات (الميتة) اي المهجورة وعندما سمع الاستاذ علي الجارم عبارة معجم الكلمات الميتة قال: قولوا لنا بصراحة انكم تريدون عمل معجمين وقرافه! وتضيف الورقة القديمة: كان الاستاذ علي الجارم يجلس مع بعض الزملاء والزائرين في احدى غرف المجمع قبيل انعقاد احدى الجلسات فدخل عليهم زائر جديد لم يجد حول منضدتهم محلا لجلوسه فقال عنه أحد اللغويين: انه (لا محل له) من الاعراب! فقال الجارم على الفور: ـ اذن هو حرف جر, فعليه ان (يجر) هذا الكرسي البعيد ليجلس عليه! وارتكب أحد سعاة المجمع غلطة, فتمسك عدد كبير بفصل فاعلها, وكان انطون الجميل حاضرا فأراد ان يشفع لهذا الساعي فقال باسما: ـ الذي اعرفه جيدا ان الفاعل (مرفوع) لا (مفصول) . فضحك الموظف ونجا الساعي من الفصل. تلك بعض ما احتوته اوراق زميلنا من هوايته الجميلة... وللناس فيما يجمعون مذاهب!

Email