كشمير جنّة الأرض وواحة السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

الهند جنة الله على الأرض.. تلك الجملة قد يختلف عليها الكثيرون من عشاق السفر ما لم تطأ أقدامهم كشمير. منذ وصلت إلى الأراضي الهندية وأنا أسمع تلك الجملة عندما يسألني أي شخص عن انطباعي عن هذه البلاد.

وعلى الرغم من أنني كنت أجيب في كل مرة بأنها فائقة الروعة، إلا أن كشمير كانت بمثابة التفاحة التي يحضني الجميع على تذوّقها رغم كل ما سمعته عنها من صراعات وحروب وتدهور للأوضاع الأمنية، وهذا ما كان ينفيه كل هندي قابلته وزار كشمير.

كانت الإجابة حول الأوضاع في كشمير دائماً أن الأمور ليست كما يتصورها الرأي العام، أو حتى كما تحاول وسائل الإعلام تقديمه دائماً حول تلك الولاية التي تلقب بقلب جنة الهند.

كان فضولي يزداد تدريجياً لزيارة كشمير وأحاول قتل مخاوفي كثيراً بأن العلاقات بين المسلمين والهندوس كانت أكثر من رائعة في كل ولاية زرتها، بل إن آراءهم عن الدين كما سمعتها كانت تتلخص بأن الله واحد وأن لكل شخص ديانة أو عقيدة يتعبدها بطريقته. أخيراً وبعد تشجيع زملائي تبرع أحدهم باصطحابي إلى أول أرض لمستها قدم آدم حسب الأساطير الهندية.

ماء وجبال

قررت أن أشبع شغفي عن كشمير وأنقل الصورة كاملة للعالم، الرحلة مدتها حوالي ساعتين ونصف الساعة من مومباي إذا توجهنا بالطائرة وحوالي ثمانية وعشرين ساعة، إذا توجهنا براً. بالتأكيد سافرنا بالطائرة ليس لسهولتها، فأنا شخصياً كنت أفضل البر حتى أرى الكثير من المدن والقرى في الطريق، ولكن نظراً لضيق الوقت كان السفر لمسافة ساعتين ونصف الساعة كافياً.

منذ وصولي المطار ورائحة كشمير لم تفارقني لحظة. تلك الرائحة المميزة التي هي خليط من الماء والجبال والأعشاب والزهور تنعكس على حالتك النفسية في ثوان معدودة لتزودك بالطاقة الإيجابية وحب الحياة. أهذا هو السبب في تسمية كشمير بالجنة؟

مكان الإقامة

توجهنا إلى المنزل الذي سنقيم فيه ليلتنا، وقد قرّرنا الإقامة في منزل أحد أقارب زميلي الذي يرافقني حتى نكون في قلب كشمير ولا نعامل معاملة السائحين. للأسف كنا وصلنا في الليل فكان السكون يغطي المكان بأكمله حتى بدت تلك المدينة كأنما لا يسكنها بشر مطلقاً، وفي بعض الأحيان صوت جدول ماء قريب أو شلال يكسر الصمت، ليعود بعدها الهدوء إلى سابق عهده.

وصلنا إلى مكان إقامتنا وهو منزل صغير كشميري الطراز يشبه الأكواخ إلى حد كبير، على الرغم من أنه غير مصنوع من الخشب استقبلنا المضيفون بترحاب كبير، وبالتأكيد معرفتهم لجنسيتي من قبل جعلهم يحضرون العديد من الأكلات الهندية الكشميرية وهذا كان حال كل شخص هندي قمت بزيارته من قبل فلم أعد أتعجب كثيراً فالأسر الهندية لديها معتقد أن أكثر طريقة تعرف بها شخص ما عن بلدك ونفسك وتقربه منك هي الطعام الهندي.

بعد الانتهاء من مراسم الضيافة جلست مع سيدة المنزل لنتحدث عن كشمير وأهلها وبالمناسبة هي هندوسية وليست مسلمة سألتها السؤال التقليدي عن كيف تقبلت العنف والإساءة حتى الآن وما زالت تعيش في كشمير أجابتني قائلة وهل حتى لو كنت عاصرت جزءاً من أعمال عنف في السابق، فأنا لست المقصودة شخصياً، ثم أكملت قائلة سأحكي لك الوضع باختصار «أنا هندوسية وأعيش مع عائلتي هنا، ولي أخت تعيش في مومباي وأخرى في بونا».

حوادث منفردة

وتواصل: «سنواتي الأولى كانت هنا حين كنت صغيرة، ولا أعلم الكثير، ولكن كانت لديّ صديقة مسلمة، اعتبرتها مصدر الأمان كل ما واجهته في بداية زواجي، سيما وأنه حسب الأعراف والتقاليد الهندية نتزوج في بيت العائلة.. وطوال سنوات العنف في فترة التسعينيات وما قبلها، نظراً لحوادث منفردة سببها العنف وليس اختلاف الدين، كنا نختبئ في منزلها لأنه أكبر وكنا نستغل الوقت في الضحك وتبادل الأحاديث، وهذا حال كل شخص هنا».

استغلال موقع

«كلنا نعيش في حب وصداقة ونكره التطرف والتعصب. ما يحدث بين حكومتي الهند وباكستان، لا ينعكس على الشعبين لأننا نرتبط بعلاقات صداقة من عائلات باكستانية أو هندية الأصل قررت العيش في باكستان بلا حسابات الطائفة والجنسية لأن أبناء باكستان هم اشقاء أبناء الهند ، لذلك نحن هنا نعيش بسلام ولا توجد حرب أهلية أو حتى ضغينة ويمكنك أن ترى ما أقوله غداً في جولتك وأتحداك إن استطعت التفرقة بين مسلم وهندوسي، أو شعرت بأي كره أو عنف»، قاطعتها بسؤال عن الإرهاب فأجابت: «الإرهاب أفكار وتمويل وسياسة وموجود في كل دول العالم حتى أميركا

. لا أنكر أن البعض يستغل العقول والقلوب الضعيفة لتغذية تلك الأفكار الإرهابية، ولكن تلك ليست سمة كشمير وأهلها بل على العكس، الإرهابيون هم من يستغلوا كشمير وموقعها الجغرافي وخلفيتها السياسية لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية».

في النهاية تأكدت من كل ما قالته لي تلك السيدة عن أن الحروب ليست سوى أدوات سياسية يحاول كل طرف من خلالها لفت أنظار العالم من خلال كلمات مثل حرب أهلية وشغب وعنف، ولكن الأشياء دائماً ليست كما تبدو، وهذه هي الحقيقة التي أقتنع بها أهالي كشمير وقرروا فصل أنفسهم عن تلك اللعبة السياسية والعيش بسلام فحسب.

الزعفران الكشميري

خلال فصل الخريف البارد يتدفق الرجال والنساء والأطفال من أكثر من 200 قرية في منطقة بامبور جنوب كشمير على الذهاب للحقول في الصباح الباكر لجمع زهور الزعفران وتجفيفها قبل أن تجد طريقها للأسواق في ديسمبر.

ويحتاج جمع كيلوغرام واحد من الزعفران لقطف نحو 170 ألف زهرة في كشمير. وزراعة الزعفران عملية معقدة وشاقة تبدأ بنثر البذور على نحو 17 ألف هكتار من الأراضي الطينية الجافة في شهري مايو ويونيو، وتحصد الزهور في شهر نوفمبر.

ورغم أن الزعفران الكشميري يتمثل في جودته فإنه أخذ يلقى منافسة شديدة من الدول المعروفة بزراعته، ومنها الدول الأوروبية. ويعرف عن الزعفران الكشميري بأنه عالي الجودة، حيث يصدر إلى معظم دول العالم نظراً لتميزه.

كشمير ليست مجرّد منطقة نزاع

كشمير ليست فقط إقليماً للنزاع بين دولتين. ورغم أن هذا الاسم يتصدر قضية النزاع الهندي الباكستاني، إلا أن كثيرين لا يروق لهم سوى النظر لجمال هذه البقعة وجاذبيتها الساحلية، فهي مكان تؤمه أعداد كبيرة من السيّاح وخاصة من بريطانيا، وماليزيا، سنغافورة والصين.

تعرف هذه المنطقة بالمنطقة السهلة، وتقع جنوب جبال هيمالايا، بين كل من الهند وباكستان والصين، تبلغ مساحتها 242,000 كم، وتتميز بسحر جمالها الأخّاذ، وأهلها الطيبين والمتعايشين. وتضم العديد من المنتجعات المطلة على البحيرات والوديان والمزودة بألعاب الأطفال المميزة، فضلاً عن راحتها وجمالها الخلاب.

وتعد عاصمتها «سرنغار» أهم وجهة سياحية، وتشتهر بتقليد المراكب التي تعد الأترف في بحيرة دال، وترجع في تأسيسها إلى البريطانيين الذي احتلوا الهند، حيث وجدوا طقسها ملائماً لمثل هذا النوع من الأنشطة.

مكان للاسترخاء

ويقوم السياح بالتنزه في هذه المراكب، ليوم كامل تحت دفء الشمس، وتنوع الطيور التي تملأ جنبات البحيرة، التي تعد المكان الأمثل للاسترخاء، مما يجعلك تشعر بانتقال زماني ومكاني خلال رحلتك فيها.

كما تطل كشمير على مصايف الجبال والأنهار، والمضائق الجبلية التي يمكن المشي فيها، برغم عدم أمانها، مثل مضيق «فالجام»، إلا أن المناظر التي تطل عليها، تجعل المغامرة محببة رغم المخاطرة.

موقع كشمير الذي يتوسط ثلاث دول آسيوية، هو السبب في جعلها محل خلاف، دفع الأمم المتحدة عام 1949 إلى إجراء استفتاء حر تقرر فيه مصيرها، ولكن الهند ضمت الإقليم إليها ورفضت الاستفتاء، ولا تزال القضية عالقة بينها وبين الهند.

جهانغير

ويكتب عبد الوهاب خليل مانجات أن الإمبراطور المغولي جهانغير قال «لو أن هناك جنة على الأرض فإنها هنا»، مشيراً إلى كشمير. فهي مقصد لملايين السياح من الهند وأوروبا ومختلف دول العالم. الكثيرون سمعوا عن كشمير، ربما عبر القنوات الإخبارية التي لا ترى فيها سوى بقعة صراع، ولكن لم يرَ هؤلاء جمالها على الرغم من أنها من أهم وأجمل المقاصد السياحية في العالم.

البيوت العائمة

ويقول مانجات إن كشمير تشتهر ببيوت القوارب «البيوت العائمة»، وهي عبارة عن بيوت صغيرة مصنوعة من خشب البلوط والجوز اللذين يتميزان بالقوة والخفة ويستأجرها السياح بكثرة على مدار السنة لأن الإقامة فيها تجربة فريدة من نوعها. ويضيف «في كشمير ترى ما لم تره عيناك من قبل.

ترى الطبيعة البكر فقد أنعمها الله بجمال طبيعي رائع من المناظر الطبيعية الخضراء التي تخطف الأبصار والمراعي الخضراء التي تسر العين ومروج الزهور الواسعة والتلال المذهلة والجبال الشاهقة فهي المكان الأنسب للكثير من أنشطة المغامرة كتسلق الجبال والتخييم والتزلج على الثلج والقفز بالمظلات والتزلج على الماء، والصيد.

وهناك الكثير من الأودية الخصبة التي توفر لك فرصة كبيرة للعب الغولف في الصيف، بينما الوادي نفسه خلال الشتاء يتحول إلى حديقة الجليد التي يقصدها الزوار».

 

Email