تغيير موازين الطاقة العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك تحوّل في مركز ثقل الاقتصاد العالمي للطاقة، مع انتقال الطلب، ومن ثم التجارة، من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، أما التأثيرات المباشرة لذلك، فهي واضحة، إذ باتت أسعار النفط تتأثر بشكل حاسم الآن بالتوجهات الصينية.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت أسعار الغاز الطبيعي مدفوعة أولاً بنمط الطلب في اليابان وجنوب شرق آسيا. وبوشر بإضفاء الطابع الشرقي على قطاع الطاقة في سبعينيات القرن الماضي، لكن حجم التحول الحالي أحدث تغييراً أيضاً من توازن القوى والمخاطر، فقد أصبحت اقتصادات مثل الصين والهند أكثر اعتماداً بكثير على الواردات، وغدا أمن الطاقة قضية آسيوية. وقد فرض الفائض في المعروض من النفط أسعاراً تقل عن مثيلاتها منذ 40 عاماً خلت بالقيمة الحقيقية، لكن أمن الطاقة ليس مضموناً، فالأمن هو نتاج التجارة واعتماد البلاد على الواردات، التي في حالة النفط تميل إلى أن تأتي من أماكن ليست معروفة بالاستقرار، وتظهر بضع حقائق تلك المخاطر.

منذ خمسين عاماً، كان برميل واحد من أصل ثمانية من استهلاك النفط يعود للدول الآسيوية. العام الماضي، كانت النسبة واحد إلى ثلاثة، مع تلبية معظم النمو عبر الاستيراد. وعلى مدى العقد الماضي، فإن الإنتاج في آسيا كان ثابتاً فيما الاستهلاك ارتفع بـ8 ملايين برميل في اليوم، في تطور تقوده الصين التي استوردت في يونيو 8.79 ملايين برميل في اليوم. كذلك، فإن الواردات الهندية آخذة في الازدياد، وقد سجلت آسيا عجزاً تجارياً صافياً في مجال النفط العام الماضي، يقدر بـ 25 مليون برميل في اليوم، وليست هذه إلا البداية.

وقد تكون الصين التي شكلت معظم النمو الآسيوي في السنوات العشرين الماضية، تتحول بعيداً عن الاعتماد على الصناعة الثقيلة، لكن قطاع الخدمات والإنفاق الاستهلاكي يحققان نمواً. ومن المرجح أن تتضاعف ملكية السيارات الصينية على مدى العقد المقبل، كذلك الرحلات الجوية. وبدوره، الاقتصاد الهندي آخذ في الاتساع أيضاً (بنسبة نمو 7% في العالم على مدى الأعوام الخمسة الماضية) وسيكون هناك في الهند في عام 2030 نحوالي 1.5 مليار نسمة، ما يشكل سوقاً هائلاً. ويمكن أن تحد السيارات الكهربائية من متطلبات الاستيراد، لكن على صعيد الواقع لن يحدث ذلك، على الأقل، في غضون عقد من الزمن. وفي الوقت الراهن، فإن الطلب الآسيوي على النفط في ازدياد.

التحدي الأمني لذلك واضح. أولاً هناك نقاط الاختناق في مضيقي ملقا وهرمز. ويمر ما يصل إلى 17 مليون برميل في اليوم عبر «هرمز»، ومعظم الناقلات تتجه شرقاً. كل من ملقا وهرمز عرضة للإغلاق أو التعطيل بسبب صراع أو عمل إرهابي. ثانياً، البلدان المصدرة للنفط مثل ليبيا ونيجيريا وفنزويلا غير مستقرة، وهشة.

وقد كتب وزير الخارجية الألماني جوشوا فيشر أخيراً: إن حرب الشرق الأوسط التالية قد تندلع من النزاع بين المملكة السعودية وإيران، فيما الدرس المستفاد في ليبيا هو أن تغيير الأنظمة يمكنه أن يفتح الطريق على توترات عميقة، ويؤدي إلى حرب أهلية تقطع الجزء الأكبر من إمدادات النفط لسنوات.

ويكمن الخطر الثالث والأكبر لأمن الطاقة العالمي في الطريقة التي تتصرف فيها البلدان المعتمدة على الواردات النفط في أوقات الشدة. لدى الصين بعض الاتفاقات مع بعض المصدرين، مثل فنزويلا، التي تمنحها حقوقاً استباقية في الإمدادات في مقابل استثمارات سابقة. مثل هذه الصفقات تقلص الأحجام المتوفرة في السوق المفتوحة، وتفاقم خطر عدم الاستقرار وتقلب الأسعار.

يشير كل هذا إلى مصلحة مشتركة واضحة في جذب الصين والهند وإندونيسيا وغيرها إلى الإطار المؤسسي الذي أنشئ في السبعينيات في محاولة لتخفيف وقع عدم الاستقرار في السوق النفطي. وكانت وكالة الطاقة الدولية التي أنشئت في عام 1974 محورية في هذه الجهود، وعلى الرغم من الصراعات المتعددة، كما في الشرق الأوسط، لم تكن هناك أزمة في مجال الطاقة. وقد فعلت الوكالة الكثير من أجل إشراك اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية.

لكن لا يكفي أن تصبح البلدان، بما في ذلك سنغافورة وإندونيسيا، أعضاء منتسبين، بل ينبغي توسيع العضوية الكاملة إلى الصين والهند وغيرها. وإذا لم يجرِ توجيه الدعوة إلى تلك البلدان، فإن ردها المنطقي سيكون في إيجاد وكالتها وتدابير أمن الطاقة الخاصة بها، وهي خطوة ستكون مدمرة ومثيرة للانقسام.

*أستاذ زائر في «كينغز كوليدج لندن»

Email