تطوير الكوادر البشرية لبناء الاقتصاد المعرفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد عقود على مواجهة العديد من التحدّيات ولاسيما تلك المتعلّقة بالتعليم، ها نحن اليوم نشهد نهضة ملموسة في «التعليم المهني» ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل والعالمي أيضاً.

ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة سباقون دائماً في إطلاق المبادرات الرائدة ذات الطابع العالمي، وكذلك تبنّي أفضل الممارسات العالمية. ونشهد في الوقت الراهن وعياً متنامياً واستيعاباً أكثر عمقاً تجاه أهمية التعليم المهني من قبل الطلبة وأولياء الأمور، لما يتيحه من مزايا عديدة، وخلق فرص واعدة.

فالتعليم المهني يرتكز بشكل أساسي على الارتقاء بالمهارات والتدريب العملي، حيث يكتسب الطالب المعارف والأمور الفنية والتخصصية في بيئات عمل ذات طبيعة احترافية، وبالتالي تزداد مهاراته ليصبح أكثر قدرة على المنافسة وإثبات وجوده في مجال تخصّصه في سوق العمل.

ونحن هنا لا نتحدث عن نمط جديد من التعليم، فقد تطور هذا الحقل التعليمي من مجرد أنظمة تقليدية تعتمد على الدورات التدريبية، إلى نظام متطوّر وحديث يأخذ الطالب إلى مواقع العمل الفعلية بصحبة أشخاص أكفياء ولفترة زمنية محدّدة، حتى يكتسب الطالب المهارات الفعلية المطلوبة التي تؤهله لدخول سوق العمل بثقة أعلى.

وقد تم تصميم نماذج التعليم المهني، بحيث تمزج ما بين التدريب العملي في البيئات الاحترافية والدروس النظرية، ضمن دورات تدريبية قصيرة ومكثّفة بتكلفة اقتصادية لا تقارن بتكاليف الحصول على درجة أكاديمية جامعية.

غير أن التعليم المهني يتميز بقدرته على تحقيق التوازن بين التدريب العملي والنظري وفق ما يمكن وصفه بتجربة «اختبار الحياة العملية» التي تقدم للطالب فرص اكتشاف قدراته وميوله العملية، وخصوصاً الطلبة الذين يجدون صعوبة في تلقي التعليم التقليدي النظري، ولا يرغبون كثيراً في استكمال مسيرتهم التعليمية ضمن الصفوف الأكاديمية بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسي.

وتشمل مزايا التعليم المهني الطرف الثاني من المعادلة، حيث القطاعات الصناعية والخدمية المختلفة. فبينما تقدم الصفوف الأكاديمية تعليماً نظرياً للطلبة دون الاهتمام بالتدريب العملي كثيراً.

والتركيز على تزويدهم بالمعارف النظرية والمهارات الأساسية، ومن ثم الاعتماد على أنفسهم بشكل كامل لدخول سوق العمل، يقوم التعليم المهني بتزويد القطاعات المختلفة بعمالة مؤهّلة ومدرّبة قادرة على الانخراط مباشرة في مهامها الوظيفية بشكل طبيعي دون الحاجة إلى الحصول على المزيد من التدريب التأهيلي داخل المؤسسات والشركات، الأمر الذي يسهم في خفض فاتورة التدريب المهني لديها.

وعلى الرغم من استيعابنا التام لمزايا التعليم المهني، إلاّ أننا في دبي نواجه نقصاً في المؤسسات التعليمية التي تتبنّى نماذج التعليم المهني. ففي عام 2015 كشف «أسبوع التعليم المهني والتقني» أنّ أمام كل خريج جامعي واحد، تحتاج دولة الإمارات العربية المتحدة إلى 10 من خريجي التعليم المهني لضمان تحقيق الاستدامة في سوق العمل، والتحوّل نحو الاقتصاد المعرفي.

كما كشفت دراسة صادرة عن مؤسسة ديلويت في عام 2014، أنّ الطلبة المنتسبين إلى التعليم المهني بعد إتمام مرحلة التعليم الأساسي في دبي، لا تتعدّى نسبتهم من 1 إلى 3%، وذلك بالمقارنة بالمعدل العالمي الذي يصل إلى 10%.

وهي نسبة منخفضة إذا ما تمت مقارنتها مع دول مثل ألمانيا واليابان، حيث يلقى التعليم المهني هناك إقبالاً كبيراً يصل إلى 40 و50% من الطلبة. ونحن هنا في دبي نحتاج إلى زيادة هذه المعدّلات، خصوصاً إذا ما عرفنا أن قطاع السياحة في دبي يستهدف تشغيل أكثر من نصف مليون شخص بحلول عام 2020، ما يعني أنّ هناك حاجة ملحّة للتعليم المهني المتخصص في قطاع السياحة.

 

وفي ظلّ معدّلات النمو المضطردة التي يحقّقها اقتصادنا الوطني، فإننا نستوعب أهمية وجود كوادر وطنية مؤهّلة ومدرّبة ضمن منظومة التعليم المهني، حتى نتمكّن من تحقيق استدامة حقيقية لاقتصادنا.

والمساهمة في جهود التحوّل نحو الاقتصاد المعرفي. ولهذا قامت دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي (دبي للسياحة) بافتتاح كلية دبي للسياحة، لتسهم بقوة في الارتقاء بقدرات العاملين في جميع الشركات والجهات ذات العلاقة بالقطاع السياحي، وتوفير كوادر مؤهّلة وجاهزة لتولّي مهامهم الوظيفية بكفاءة واقتدار، بما يسهم في تسريع عجلة رفد قطاع السياحة بما يحتاجه من قوى عاملة، وما ينتج عن ذلك من خفضٍ لزمن وتكلفة الإعداد والتأهيل.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإنّ كلية دبي للسياحة وعبر مجلسها الاستشاري الذي يتكوّن من أعضاء مؤهلين من ذوي الكفاءة والخبرة في القطاع السياحي بدبي، ستضمن فاعلية الدورات التدريبية والمناهج التعليمية، ومدى توافقها مع الفرص المتاحة والتحدّيات الراهنة، وواقع احتياجات القطاع، وبالتالي التكيّف وفق احتياجات السوق وما يتم تقديمه للطالب.

وختاماً نقول إنّ كل نماذج التعليم تهدف إلى تزويد الطالب بالمعارف والمعلومات الضرورية لوضعه على مساره الوظيفي، غير أنّ ذلك لا يكفي، فعلى الطالب أن يتحلّى بالصبر.

وأنّ يحب ما يعمل، حتى يتمكّن من المضي قدماً في حياته العملية. ولهذا، تهدف كلية دبي للسياحة إلى استقطاب كل من لديه شغف العمل في قطاع السياحة، سواء من المواطنين أو المقيمين أو الوافدين الجدد، وتزويدهم بالمهارات والخبرات العملية للانضمام إلى سوق العمل وتحقيق النجاح. إنّ الدور الذي تلعبه كلية دبي للسياحة يتواكب مع التطور الذي تشهده دبي، وضمن الاستعدادات لاستقبال عام 2020 وما بعده.

Email