تساؤلات حول اختفاء اليورو

الاقتصاد الرقمي يعيد تشكيل الخارطة العالمية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يتحطم اليورو؟.... هذا السؤال الذي لا تأتي مناسبة اقتصادية أو موضوع الازمة المالية إلا ويذكره الناس، وأبدأ بدراسة كانت محط الاهتمام في بداية الثمانينات التي كانت تتكلم عن التكتلات الاقتصادية.

 فبعد ظهور واكتساح اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية التي شكلت تكتلا اقتصاديا خرج من الحدود الجغرافية والسياسية الى شكله العالمي ما أثر في توزيع الثروة الاقتصادية في مناطق النفوذ العالمي للدول الخمس العظمى أصحاب حق الفيتو في مجلس الامن اليوم في النظام السياسي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

فنجد الاهتمام السياسي تبعا للمصالح الاقتصادية فالخارطة الاقتصادية للشرق الاوسط كانت محور نفوذ فرنسا وبريطانيا.. واليوم تدخل أميركا في إعادة توزيع هذا البعد الاقتصادي على مستوى العالم.

 

تكتل اقتصادي

كانت الدراسة تشير الى وجود أميركا وكندا في شكل تكتل اقتصادي ووجود تكتل اتحاد اوروبي الذي عرف باليورو اليوم، وكان هناك حلم عربي وآخر إسلامي لم يتحقق سوى على المستوى السياسي في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وله بعد اقتصادي بسيط وهناك دول شرق آسيا مع الصين يشكلون ثقلا اقتصاديا آخر والاتحاد السوفيتي الذي انهار كان ثقلا اقتصاديا.

وكانت أوروبا وأميركا متخوفتين، هل سيكون هناك تحالف اقتصادي بين التكتل الاقتصادي بين شرق آسيا بقيادة الصين مع الاتحاد السوفيتي الذي كان ينقل التكتل الاقتصادي الى بعد جديد هو التحالفات للتكتلات الاقتصادية في العالم؟.

اليوم هل سيتحطم اليورو بعد الازمة المالية، هنا نشير الى دور المانيا القيادي التي كانت أمام خيار الاستمتاع بدخلها القومي على مستوى حدودها السياسية فقط أو الانتقال الى مستوى اقتصادي أبعد ينقلها وشركاتها الى مستويات عالية في نمو الدخل القومي.

هذا النوع من التكتلات سوف يؤثر في الوسط الاقتصادي من حيث تكلفة المواد الاولية وسهولة الحصول على الموارد واستخدام الايدي العاملة، ونستطيع القول ان دخول المانيا للتكتل الاوربي جعل أوروبا الحدود الاقتصادية لألماينا فأصبحت اليوم بعد الانتعاش تلعب دور المقرض الى دول أوروبا وتحافظ على كيان اليورو قائما مع فرنسا المستفيد الثاني في هذا التكتل الاقتصادي إلى أن جاءت الازمة المالية فجعلت الوضع صعبا على المقرض والمقترض، حتى الصين التي تلعب دور المقرض مع أميركا أصبحت هي أيضا مثل اليابان قلقة من مخاوف عدم سداد هذه الديون بالشكل المتفق عليه ما أدى إلى بعض التحديات الداخلية ضمن اقتصاد الدول المقرضة.

 

الازمة الاميركية

الجديد بعد الازمة المالية ان الكل تأثر بما في ذلك الولايات المتحدة الاميركية صاحبة العملة الخضراء الدولار الأميركي، وهنا تغير طرفا المعادلة حيث لم يكن هناك ضغط اقتصادي من الدولار على اليورو حتى يتسبب بكسر اليورو، بل العكس، حيث كانت الدول التي تقوم على احتياطي الدولار راغبة في تعويم العملة والتغيير الى منظومة سلة العملات، والذي في رأيي كان سيشكل ضغطا كبيرا من اليورو على الدولار وسيغير خارطة الازمة المالية في أوروبا لكن سرعان ما لعب الثقل السياسي دوره ليعادل الموضوع اقتصاديا.

على سبيل المثال، فعصب الاقتصاد الصناعي هو النفط الذي تنتجه عدد من دول العالم، وعدد من أكبر خمس عشرة دولة مصدرة للنفط تقوم بربط عملتها بالدولار بشكل مباشر ما يصنع طلبا اقتصاديا عالميا على الدولار بعيدا عن عملة الدول المنتجة، ومنها السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم، والامارات الرابعة وأنجولا الثامنة والعراق العاشر وفنزويلا الحادية عشرة وكازخستان الثالثة عشرة وأخيرا قطر الخامسة عشرة، يعني قرابة نصف الانتاج العالمي مرتبط بالدولار مباشرة،.

وهناك دول من إجمالي الخمسة عشر مصدر للنفط عالميا يربطون الانتاج بسلة عملات، والمشكل الرئيس منها الدولار وهي روسيا ثاني أكبر مصدر تليها إيران الثالثة ثم الكويت ونيجيريا وليبيا وطبعا هذا يزيد عملية الطلب العالمي على الدولار.

وأخيرا الدول التي حررت القيود بالكامل وقامت بما يعرف بتعويم العملات هي النرويج المصدر رقم خمسة وكندا المصدر رقم أربعة عشر على مستوى العالم. استعرضنا نظرية التكتلات الاقتصادية وهو التوجه الدولي العام لدول العالم وشاهدنا تغير المعادلة الاقتصادية في نظرية التحالفات والتخوفات الاقتصادية من تحالف الصين مع روسيا الذي أصبح تهديده أقل حيث الصين لوحدها اليوم تشكل ثقلا اقتصاديا عالميا مخيفا. وتشير الدراسات الى ان خارطة الاقتصاد العالمي سوف تتغير بحلول العام 2020.

حيث سيحدث توازن عالمي جديد بين مجموعة السبعة وهي الدول التي تجمعت سنة 1975 بثقل اقتصادي يساوي 48% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي لسنة 2000 وهي فرنسا والمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا مقابل الدول ذات الثقل الاقتصادي الجديد التي تساوي في نفس العام 2000 نحو 16.1% فقط وهي البرازيل وروسيا والهند والصين.

والمتوقع بحلول 2020 أن تكون التوزيعة الاقتصادية العالمية للناتج المحلي للمجموعة الاولى تساوي 32.6% مقابل دول الثقل الاقتصادي الجديد 32.3% ما يعني توازنا اقتصاديا جديدا يأخذنا أبعد من منطقة اليورو.

الذي يحدث حاليا هو إعادة تشكيل خارطة الاقتصاد العالمي، ويظهر أن الاقتصاد الجديد يواجه حالة ولادة مستعصية، حيث جمع بين كهولة النظام الاقتصادي العالمي من حيث قدم سياساته والدول المسيطرة عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى تداعيات الازمة المالية، هذا المرض الذي أدمى الاقتصاد الطاعن في السن.

 

الاقتصاد الرقمي

وسوف نشاهد عما قريب سيطرة الاقتصاد الرقمي لأنه الوحيد الذي يصنع ما قد صنعته ثورة الاقتصاد الصناعي التي جعلت الانتاج يتضاعف آلاف المرات وأتاحت قدرة مختلفة تماما لعمليات الانتاج، لكن اليوم قدرة المبيعات محدودة في ظل ذلك الاقتصاد، وهنا يأتي دور الاقتصاد الرقمي الذي سيخرجنا من نطاق الزمان والمكان فيمكن أن تعرض بضاعتك في العالم كله فتنتقل من المكان الى فضاء لامحدود، تحده إمكاناتك الانتاجية فقط، وكما تنتقل الى القدرة على البيع والشراء خارج نطاق العمل الرسمي والقوى العاملة لديك فأنت تبيع طوال اليوم والاسبوع والشهر والسنة.

لا يمنعك أيضا غير إنتاجك فنكون قد انتقلنا اقتصاديا إلى الاقتصاد الرقمي المكمل للطاقة الهائلة التي وفرها اقتصاد الصناعة، فكما أرى الاقتصاد الصناعي هو المحرك لعملية الإنتاج للعرض والاقتصاد الرقمي هو المحرك لعمليات صناعة الطلب وبهما يتم المكون الرئيس لدورة الاقتصاد وهو البيع والشراء. أخيرا هناك من يقول بتحطم اليورو وهناك من يقول ستنضم بريطانيا إلى نظام العملة الاوروبية.

فوضعها صعب وهناك من يقول سوف تسقط أميركا والواقع يقول إن هؤلاء كلهم يعلمون أن خارطة القوى الاقتصادية يتم توزيعها سياسيا لمن له القوة وأخرى اقتصاديا لمن له المعرفة، كل حسب قدرته، وستختفي عملات وفق ما أرى خلال العقد الحالي وسوف أستغرب كثيرا لو كان اليورو منها.

Email