ادعى الجنون للإفلات من حكم الشروع في القتل

عندما تحاصره الأدلة وتخنقه الدلائل يلجأ المذنب إلى ابتداع حيلة لعله يخرج من الورطة التي وقع فيها، غير واضع في حسبانه أن مسالك الشيطان «معبّدة» بأسلاك السقوط في عواقب الأفعال، فكم من أفعال غير محمودة العواقب يحاول المتهم فيها أن يخرج منها بحيلة ظاناً منه أنه تفلته من المساءلة القانونية أو تنطلي على القاضي، وهذه القصة التي كان بطلَها متهمٌ ادعى أنه مصاب بـ«الجنون» تبريراً لإقدامه على القتل إثر مشاجرة هي القضية التي نظرتها النيابة العامة في أبوظبي في واقعة مشادة بين شخصين كلفت أحدهما وهو المتهم 140 ألف درهم بالإضافة إلى السجن 3 سنوات، حيث انهال عليه ضرباً بسكين في أماكن قاتله بجسده قاصداً إزهاق روحه، وأحدث به عاهات مستديمة، مدعياً إصابته بمرض عقلي أفقده الإدراك والإرادة (الجنون).

وكانت النيابة العامة قد أسندت للمتهم تهمة الشروع في قتل المجني عليه عمداً بأن انهال عليه ضرباً بسلاح قاتل بطبيعته وهو «سكين» في أماكن قاتلة بجسده فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف من جرائها عاهة مستديمة بالطرف السفلي الأيمن قاصداً من ذلك قتله ولكنه إثر جريمته قد خاب لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركته بالعلاج على النحو المبين بالأوراق، كما أسندت له تهمة تعاطى مادة مخدرة «حشيش» في غير الأحوال المرخص بها قانوناً، وتعاطى مؤثراً عقلياً «ترامادول» في غير الأحوال المرخص بها قانوناً، وقيادة مركبة على الطريق العام وهو واقع تحت تأثير المخدر والمؤثرات العقلية على النحو المبين بالأوراق.

وقضت محكمة جنايات أبوظبي حضورياً بمعاقبة المتهم عن جريمة الشروع في القتل بالسجن لمدة خمس سنوات والإبعاد عن الدولة، وألزمته بأن يؤدي للمجني عليه مبلغ مائة ألف درهم، وبمعاقبته عن جريمتي تعاطي المخدر والمؤثر العقلي بتغريمه عشرة آلاف درهم والإبعاد عن الدولة، وبمعاقبته عن جريمة قيادة مركبة تحت تأثير المخدر بتغريمه ثلاثين ألف درهم، وألزمته الرسم المستحق.

ولم ير الحكم قبولاً لدى المتهم فاستأنفه، وقضت محكمة استئناف أبوظبي بقبول استئناف المتهم، وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف بالاكتفاء بسجن المستأنف ثلاث سنوات عن تهمة الشروع في القتل وتأييده فيما قضى به عن باقي التهم والإبعاد وألزمته الرسم المستحق.

ولكن الحكم لم يُرض المتهم فطعن عليه وقدمت النيابة العامة مذكرتين ارتأت في ختام الأولى برفض الطعن بعدم جواز الطعن.

ونعى المتهم على الحكم أنه أدانه عن تهمة الشروع في القتل العمد على الرغم من عدم توافر نية القتل في حقه فضلاً عن انتفاء مسؤوليته وفقاً لما ثبت من تقرير اللجنة الطبية النفسية من إصابته بمرض عقلي افقده الإدراك والإرادة، كما لم يستعمل الرأفة والظروف المخففة معه والتفت عن طلبه بإيداعه احدى دور العلاج مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه. ورأت محكمة نقض أبوظبي أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر، مبينة أن تقرير اللجنة الطبية النفسية أثبت أن المتهم لا يعاني من أي مرض يفقده الإدراك أو الإرادة.