الحب تحت سقف محكمة الجنايات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان في غرفة المتهمين خلف الزجاج، متهم بخطف من أحبها وتهديدها والاعتداء على سلامة جسدها، وهي كانت تقف أمام منصة الشهود لتقص على هيئة المحكمة ما حدث، فإذ بها تنكر كل ما كانت قد أبلغت عنه قبل بضعة أيام، وتتصدى لوالدتها خشية أن تقول ما قد يورطه أمام القانون فيحاسب على ما فعل.

والقصة بدأت منذ أدركا أنهما شاب وفتاة، فلم يعرف أحدهما سوى الآخر، فقد كان صديقاً لأشقائها منذ الطفولة، ومنذ تلك الأيام أحبها ورسم حولها ملامح أيامه المقبلة، وهي لم تكن تتخيل هذا المستقبل بدون أن يكون هو من يصنع زمانه ومكانه.

ولأن حبه حقيقي فقد تقدم لأسرتها خاطباً منذ عامين بمجرد أن بلغت الرابعة عشرة خشية أن يسبقه أحد إليها، ولكنه طلب أن تؤجل الخطوات الرسمية لفترة قصيرة ليجد عملاً يستطيع أن يقدم لها من خلاله الحياة اللائقة، فكان له ذلك، وبقي مداوماً على زيارة أسرتها باعتباره خطيبها بالإضافة إلى كونه الصديق الأقرب لأشقائها.

ومرَّ عامان دون أن يحصل على عمل، حتى ملَّت والدتها وخشيت أن تصبح سمعة ابنتها اليتيمة حديث المجالس، فكان لا بد أن تضع حداً لكل ذلك، وصدف أن تقدم أحد الأقارب بطلب الزواج من الفتاة، فوافقت الأم وطلبت من الخطيب الأول أن يبتعد عن ابنتها بعد أن فشل في ايجاد عمل.

خطف بالحب

وشعر الفتى أن روحه توشك أن تسلب منه بوحشية وتتركه بلا حياة، فذهب إليهم وهو لا يعرف ما يجب عليه فعله، وفي الطريق شاهد سيارتهم أمام أحد مراكز التسوق، وإذ بها تجلس فيها لوحدها تنتظر والدتها التي نزلت لشراء بعض الحاجات، فتوجه إليها وركب السيارة في مقعد السائق، وعندما فوجئت به حاولت أن تنزل من السيارة خوفاً من ملامح الغضب التي كانت تكسو وجهه.

ولكنه كان أسرع منها فأغلق الأبواب من الداخل، وأخذت تصرخ إلى أن لمحها شقيقها الذي ركض نحو أمه لينادي كي تنقذ شقيقته. أما هي فنزعت مفتاح السيارة من مكانه كي تمنعه من الانطلاق بها، ولكنه استطاع أن يجده ويقود السيارة بها بعيداً.

لم يكن أمام أسرة الفتاة سوى أن تبلغ الشرطة وفي نفس الوقت أن تتصل به لتطلب منه اعادة ابنتهم، في البداية حادثته أمها فأخذت تكيل له الشتائم والاتهامات، فكان أن رد على غضبها بالعناد، بل أخذ يهددها بأنه سيغتصب الفتاة حتى لا تكون لسواه، ثم توجه إلى طريق دبي، وكانت الفتاة لا تتوقف عن البكاء، وهو يصرخ طوال الوقت باتهامات لها بالخيانة والضعف أمام والدتها وعدم ادراكها لقيمة ما يحمله لها.

وبعد فترة عرف شقيقها وصديقه الأقرب، فاتصل به وعاتبه على ما فعل بأخته بعد أن وثق به، فرد بأنهم هم من أذاه وخانه، وذكره بوعدهم له بتزويجه من الفتاة، وعندما طلب منه اعادة شقيقته رفض أن يعود إلا بعد أن يعده بأنهم سيرفضون العريس الجديد وأنهم لن يزوجوها لسواه، فلما وعده، بحث عن أول مخرج يستطيع أن يدير منه سيارته باتجاه أبوظبي، وأعادها دون حتى أن يحاول لمسها أو استغلال وجودها معه لأكثر من ساعتين.

وفي المحكمة قدمت الفتاة وأسرتها تنازلاً عن بلاغهما ضد الشاب، ثم وقفت مع والدتها للشهادة، وكانت في البداية تجيب بصوت هامس خجل عندما سألها القاضي عن اسمها وعمرها وإن كانت تعرف المتهم من قبل، ولكن عندما سأل القاضي إن كان الفتى قد خطب الفتاة من قبل أنكرت الأم.

فارتفع صوت الفتاة ونكزت أمها ومؤكدة أنه فعل، ثم صارت تستبق أمها في كل إجابة، ولما أخرج القاضي الأم من القاعة ليسمع أقوال كل منهما على انفراد، سألها إن كان المتهم قد خطفها بالإكراه فأنكرت وقالت بصوت حازم أنه لم يفعل، بل أراد فقط أن يجد فرصة للقائها وسؤالها حول قريبها الذي تقدم لخطبتها.

فسألها القاضي إن كان قد هددها بالاغتصاب فارتفع صوتها وأصبح أكثر حزماً وقوة نافية أنه قد فعل أو قد يفعل ذلك، وحول علامات الرضوض التي وجدها الطبيب الشرعي على جسدها وأكد أنها نتيجة تعرضها للضرب.

قالت أنها كانت تريد أن ترمي نفسها من السيارة وأنه أمسكها ليمنعها وقد أمسكها بقوة لأنه كان خائفاً عليها، ثم سألها إن كانت تقبل الزواج من العريس الذي تقدم لها فأكدت أنها رفضته ولا تريده، عندئذ التفت القاضي للشاب وقال له " والله البنت بتحبك ".

 

(ضمن التعاون القائم بين صحيفة البيان ودائرة القضاء في أبو ظبي، تنشر الصحيفة صباح كل أحد، قصصا من أروقة القضاء، بهدف نشر التوعية بين أفراد المجتمع)

Email