«المُقنَّع»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

 ... «أناس رأوا أن الحراك يفقد زخمه إن سار بشكل متحضر وسلمي وأن المواجهة مع الأمن قد تعيد جزءاً من ذلك الزخم. أناس اجتهدوا وأناس اعتقدوا وأناس حاولوا...

إنما أيضاً هناك أناس اندسوا وهناك أناس اخترقوا وهناك أناس حاولوا توظيف الصدام لأجندات خاصة داخلية وربما خارجية.»

هذا ما كتبته الاسبوع الماضي قبل يومين من مسيرة كرامة وطن السادسة، في معرض إشادتي بشباب الحراك ودعوتهم إلى تكثيف كل الخطوات السلمية الدستورية القانونية للتعبير عن آرائهم وإيصال صوتهم، ولا حاجة بي لإعادة نشر ما قاله رموز المعارضة والحراك الشبابي أنفسهم بعد أحداث الدائري السادس عن المندسين وحاملي المعاول لهدم ما بني والمخترقين والأجندات الخاصة. بل أعتقد ان الحاجة ماسة لأقف أمام مشهد واحد محاولا فهمه... مشهد الرجل المقنّع.

عندما قطعت طريق الدائري السادس بدا واضحا وجود شباب يعطون الأوامر بهدوء اعصاب وهم يرتدون اقنعة مماثلة لتلك التي يرتديها أفراد القوات الخاصة إضافة الى آخرين يضعون أقنعة مختلفة أو يتلثمون بالشمغ.

هذا المقنّع من هو؟ ولماذا يخفي وجهه ان لم يكن يرتكب ما يخشى منه؟ ولماذا لا يظهر بوجهه تماما كما ظهر شباب الحراك بمن فيهم الذين اوقفوا «بشكل تعسفي»، حسب تعبيرهم، ثم افرج عنهم لاحقا.

واذا كان يخشى من الملاحقة الأمنية والقانونية فلماذا هذه الشراسة في الاعتداء على السيارات والامنيين والمدنيين والمصورين؟ اما اذا كان يريد ايصال صوته بشكل مختلف فلماذا لم يعتمد وسائل تعبير متطورة ومتجددة وجاذبة لأنظار العالم مثلما فعل شباب الحراك في أكثر من منطقة عربية واجنبية؟

منظر «المقنّع» في التحركات الشعبية يعني وجود خلل عام في الدولة والمجتمع، سواء كان المقنع تابعا لجهة أمنية أو لجهة سياسية أو لجهة شعبية أو لجهة خارجية. هو الوقوف على آخر طرف في الشرفات المطلة على غد مقلق ومخيف، وهو الصورة التي على الحكام والمحكومين ان يتبصروا بها جيدا ويقارنوا بين وصولها الى الكويت وبين عبورها في دول اخرى.

وكي اكون صادقا ومنسجما مع نفسي، انا من الذين لا يودون رؤية قوات خاصة مقنعة تتعامل مع متظاهرين. هم ابناؤنا وحماة امننا ووجودهم ضروري في التركيبة العسكرية والامنية لكنني اشعر بان مهمة هؤلاء المقنّعين التعامل مع قضايا إرهابية على مستوى كبير من الخطورة والحساسية وليس التعامل مع متظاهرين وشبان وفتيات يسيرون في تظاهرة.

 اما اذا كانت الحجة ان هناك من يخالف القانون في هذه المسيرات ففرق الامن العادية ومكافحة الشغب قادرة على التعامل ووقف المخالفات. اقول ذلك وانا لا التمس لأي فرد من أفراد القوات الخاصة العذر للتفوه بمثل ما تفوه به وهو يوقف بعض الشبان في المسيرة الخامسة من تعرض للأهل والأعراض.

وكي اكون صادقا ومنسجما أكثر مع نفسي، اعتقد ان بعض السياسيين الذين تتغطى مواقفهم الحقيقية بأقنعة لا يقلون خطرا عن المتظاهرين باقنعة. هؤلاء يحرضون بالعلن ويدعون الى رفض التحاور ويحضون الشباب على العنف بينما هم يذهبون، أو يرسلون المراسيل، الى فلان أو علان في السلطة لتوظيف ابنائهم أو إنجاز معاملات أقربائهم، إضافة الى طرح المواقف في سوق المقايضات: «تراجعوا هنا نلاقيكم هناك».

 ناهيك عن سياسيين آخرين يضعون قناعا كويتيا على وجوههم اما قلوبهم وعقولهم فهي في مكان آخر.

وكي اكون صادقا اكثر فاكثر، فانا لا احمل المتظاهر البسيط الذي دفعه الخوف والحماسة الى ارتداء قناع خوفا من الامن أو على وظيفته أو من أسرته... أكثر مما يحتمل، لكنني اتوجه اليه بنصيحة صغيرة، فهو يكرس نهجا قد يقلده آخرون، وهؤلاء لا ندري من اين اتوا وماذا يريدون وهل هم على قلب واحد مع الحراك ام هم يستغلون الحراك لمآرب اخرى. اقول لهذا الشاب أو الحدث إنه اذا كان معروف الحسب والنسب والانتماء والهوية فإننا نخشى ألا تكون هذه العناصر متوافرة عند غيره.

نأتي إلى المقنع الأخير. أو من اصطلح على تسميته بـ«الطابور الخامس». الشخص الذي ينفذ اجندة خارجية ويستغل الحراك الشبابي بغية الإساءة إليه وإلى الكويت في الوقت نفسه... وهو أخطر الانواع.

«المقنع» في السرقات يسرق مالا لكن مقنع الطوابير الخامسة يسرق حاضر دولة ومستقبلها.

«المقنع» في أعمال التخريب يحرق بيتا أو مزرعة أو منشأة لكن مقنع الطوابير الخامسة يحرق وطنا.

«المقنع» في الجرائم يقتل شخصا لكن مقنع الطوابير الخارجية يقتل أمة ويغتال أحلام ابنائها.

عود إلى بدء، تحذيراتنا وتحذيرات رموز المعارضة وتحذيرات الحراك الشبابي الصادق اتضح انها لا تكفي لتحصين الساحات من اختراقات. لن نضخم من شأن ما حصل ولن نقلل منه، انما نتسلح به لمزيد من الدعوات إلى الحكمة والانضباط وإعلاء الحس الوطني على ما عداه. نريد حمل مشاعل التغيير لا إشعال الميادين والطرقات، ونريد ان يستمر الشباب في ساحات التعبير تحت سقف القانون والدستور والأعراف والتقاليد والأخلاق التي جبلنا عليها، برؤوس مرفوعة مكشوفة تتنفس هواء الكويت لا بأقنعة تخفي الهويات و... النيات.

ما قلناه أعلاه موجه أيضا إلى الحكومة وبالتحديد إلى وزارة الداخلية.
حمى الله الكويت وأهلها من أي مكروه.

 
 
 
 
 

Email