الجزء الـثالث و الـعـشرون

إثبات الخلق والبعث والنشور

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشتمل هذا الجزء المبارك على سور عظيمة، أولها سورة يس، وهي من المثاني أي السور التي آيُها أقل من مائة آية، وقد جاء في فضل المثاني حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

«أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ، و أُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ، و أُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، و فُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ».

وقد ورد في فضل سورة (يس) أحاديث متعددة اختلف فيها علماء الحديث، وبعضها مقبول، وأكثرها إما ضعيف أو موضوع. والله أعلم.

إثبات الخلق والبعث والنشور:

سورة (يس) تدور حول إثبات قدرة الله تعالى على الخلق، وإثبات البعث والنشور، ودلالة هذا كله على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته ونزول القرآن عليه.

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)}. ويتكرر ذكر هذه النقاط في آيات السورة، كما سيأتي.

التحذير من الغفلة:

الغفلة داء يصيب عقل الإنسان وقلبه، فيمنعه من القيام بوظيفته من التفكر والتدبر، فلا يستفيد الإنسان من أدوات الإحساس والتفكير لمعرفة الحقائق والوصول إلى الهدى والنور المبين. {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف : 179]. {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل : 108].

والغفلة نوعان، إما أن تكون قبل الإنذار والمعرفة، ومثل هذا يحتاج إلى تنبيه وبيان وإرشاد، {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام : 131].

وإما أن تكون الغفلة بعد معرفة الحق ثم التكذيب به والإعراض عنه، وهذا من الضلال المبين، وهذا يحتاج كذلك إلى تذكير، إلا أنه قلما يستفيد من ذلك، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف : 146].

ومن أكبر أسباب الغفلة حب الدنيا، وعدم التفكر في الآخرة. نعوذ بالله أن نكون من الغافلين.

ومن أعظم أسباب إزالة الغفلة ذكر الله تعالى. {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف : 205].

كتابة الأعمال والآثار:

هناك أعمال يعملها الإنسان في حياته، وهناك آثار لهذا الإنسان، في حياته وبعد مماته.

ورب إنسان يموت، ويبقى أثر عمله بعد موته سنين طويلة، إلى ما شاء الله تعالى.

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن سنَّ سنَّةً حسنةً ؛ فإنَّ لهُ أجرَها وأجرَ من عملَ بِها من غيرِ أن ينقُصَ من أجورِهم شيءٌ ، ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً كانَ عليْهِ وزرُها ، ومثلُ وزرِ من عملَ بِها من غيرِ أن ينقصَ من أوزارِهم شيءٌ».

من الناحية الزمنية هناك نوعان من الآثار، آثار قريبة، وآثار بعيدة.

مثال الآثار: طبيب أتقن عمله وعالج مريضه الذي أقعده المرض، فشفي هذا المريض واستطاع أن يعمل ويكسب رزقه ويعول نفسه وعائلته، ويقابله طبيب آخر لم يتقن عمله ولم يدرس الحالة جيداً، وأعطى المريض علاجاً لا يناسبه، فازداد مرضه ثم مات، وتشردت عائلته، وتيتم أبناؤه ولم يتمكنوا من إكمال تعليمهم. فالأثر القريب هو ما حصل للمريض نفسه، والأثر البعيد ما حصل لعائلته ومن يرتبط به. وقس على ذلك المهندس والصانع والمدرس والعامل، وغيرهم.

وهناك آثار أبعد من ذلك بكثير، وهو ما يكون بعد حياة الإنسان وينتقل عبر الأفراد ثم الأجيال، من مثل الأوقاف المعمرة، والصدقات الجارية، وإقامة المستشفيات والمدارس، ونشر العلم النافع، وتصحيح المفاهيم، ورد الشبهات، ومكافحة الإشاعات، ونحوها. ونحن في زمن سهل في نشر المعلومة والخبر، سواء كان صحيحا أم باطلا، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الكذاب: «يَكذِبُ الكذِبَةَ فتُحمَلُ عنهُ في الآفاقِ».

وهناك آثار مكانية، حيث يكتب الله تعالى للإنسان آثار سعيه وانتقاله في الخير والعمل الصالح، كما جاء في الحديث:

« أراد بنو سلمةَ أن يتحولوا إلى قربِ المسجدِ . (قال: والبقاعُ خاليةٌ). فبلغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: (يا بني سلمةَ ! ديارُكم . تكتبُ آثارَكم)، فقالوا : ما كان يسرنا أنَّا كنا تحولنا».

وأماكن الخير والعبادة تشهد للإنسان، وتبكي عليه بعد وفاته، ولا تبكي على الكافر والفاسق، {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان : 29].

وهناك آثار زمانية ومكانية في آن واحد، ومنها ما ينشر أو يتداول عبر وسائل التواصل والإعلام وعبر الشبكة الدولية ونحو ذلك، فهذا ينتشر في أماكن كثيرة، وقد يبقى لأزمنة طويلة لا يعلمها إلا الله. ولك أن تتخيل عدد الحسنات أو السيئات التي تأتي الإنسان من آثاره هذه.

وقد نبهت الآية الكريمة أن الله تعالى يحيي الموتى ويحاسبهم على أعمالهم وآثارهم، فكل شيء يتم إحصاؤه وكتابته عند الله تعالى. { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }.

إبطال التشاؤم والطيرة:

عندما دعا المرسلون أهل القرية، أنكروا دعوتهم وكذبوهم، ثم قالوا إن تشاءموا وتطيروا من مجيئهم وسكناهم في القرية، وهددوهم بالرجم والعذاب الأليم. {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)}.

فأجابهم الرسول بجواب حكيم، فقالوا لهم: إننا لم نفعل شيئاً سوى تذكيركم ودعوتكم إلى عبادة الله وتوحيده، وهذا ليس سبباً للشؤم بل هو سبب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. وأما أنتم فإن طائركم وسبب شؤمكم هو كفركم وعنادكم، وإنكاركم للحقّ وإعراضكم عن الخير. {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)}.

وقد أبطل الإسلام الطيرة والتشاؤم، وبنى العقيدة والدين على العلم والحقائق لا على الخرافات والخزعبلات. وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم كل أنواع هذه الخرافات، فقال: «لا عدوى ولا طَيَرةَ ، ولا هامَةَ ولا صَفَرَ ، وفِرَّ منَ المَجذومِ كما تَفِرُّ منَ الأسدِ».

وبخصوص العدوى نفى أن تكون العدوى بذاتها أو تكون شاملة في جميع الأمراض، وفي نفس الحديث أثبت ضرورة أخذ الحيطة والابتعاد عن الأمراض التي يثبت علميا أنها معدية، مثل الجذام.

ومن العجب أن مظاهر الطيرة لا تزال موجودة في عصر العلم والتقنية، وترى بعض المثقفين بل وبعض العلماء والمتخصصين خاصة من غير المسلمين يعتقدون بالطالع والأبراج وقراءة الفنجان وخطوط اليد والرمل والخزف وغير ذلك من أنواع الطيرة والكهانة والخرافة.

وجود الأزواج في المخلوقات دليل على الخالق:

التزاوج في النباتات والكائنات الحية من أجل التكاثر دليل واضح على الخالق سبحانه وتعالى، {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}

وفي هذا دليل على بطلان نظرية النشوء والتطور، فلو سلمنا جدلاً بأن المخلوق ذاتي التكاثر يمكن أن يتطور، فإن الأزواج لا يمكن أن تكون كذلك أبداً، لأن تركيبة الكائن الحي وخلقه من أجل التزاوج يقتضي أن يكون على دراية بالجنسين معاً في نفس الوقت، وعلى علم بما يريد أن يتطور إليه كل زوج منها بدقة كاملة من اختلاف في تركيبة الأجهزة ووظائفها وأماكنها، وما يتعلق بذلك من اختلاف في الهرمونات ونسبها وتركيزها وأوقاتها، وغير ذلك من تفاصيل كثيرة.

 فهذا لا يمكن أن يكون حصل صدفة بأي حال من الأحوال. يضاف إلى ذلك أن هذا المخلوق الذي يحتاج إلى زوج آخر لا يمكنه أن يتكاثر حتى يتطور زوجه كذلك، وبالتالي سينقرض من أول جيل قبل أن يتطور زوجه من أجل التكاثر.

وأما زعم أن سائر المخلوقات قد تطورت بناء على قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء : 30]، إلا الإنسان الذي خلقه الله تعالى في أحسن تقويم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين : 4]، فهذا زعم باطل، وهو من الخلط والغلط في آن واحد، لأن الله تعالى قال كذلك عن الإنسان أنه من الماء، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان : 54].

ولأن الله تعالى قال كذلك عن سائر المخلوقات أنها خلقت في أحسن خلق، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة : 7].

فسبحان الله الخالق البديع.

المعاندون لا تنفع معهم الآيات ولا المعجزات

ذكر الله تعالى الكثير من الآيات الكونية من إحياء الأرض الميتة، وإنبات الحبوب اليابسة، وخلق الأزواج بأنواعها في النباتات والحيوانات وغيرها مما نعلمه ومما لا نعلمه في أجزاء الذرات أو الأكوان والمجرات، وذكر الله تعالى آيات فلكية لم يكن يعلمها أحد فذكر جريان الشمس في الفضاء، وهي تجري بسرعة هائلة تقدر ب 20 كيلومترا في الثانية، أو 72000 كيلومتر في الساعة، وذكر منازل القمر وحركته كالعرجون القديم يقترب ويبتعد من الأرض وهو ما يسمى بالميسان في علم الفلك. وغير ذلك.

وهذا الإخبار الدقيق من الله تعالى في هذه الآيات دليل واضح في زعم العلم على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا القرآن الكريم من الله تعالى. لكن ورغم كل هذه الآيات المشاهدة وغيرها، يصرّ المعاندون على كفرهم وإعراضهم، { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)}.

البعث بعد النشور:

بعد أن ذكر الله تعالى تلك الآيات الواضحات، أشار إلى البعث والنشور، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)}، وفي الآية التالية إشارة إلى نوم أهل القبور، وعدم شعورهم بمرور الوقت، والله أعلم، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)}، وفي الحديث عن الميت الصالح: « ثم يُفْسَح له في قبرهِ سبعونَ ذراعا في سبعينَ. ث

م يُنورُ له فيهِ. ثم يقالُ لهُ: نم. فيقولُ: أرجِعْ إلى أهلي فأخبرهُم؟ فيقولانِ: نَمْ كنومةِ العروسِ الذي لا يوقظهُ إلا أحبُّ أهلهُ إليهِ، حتى يبعثَهُ اللهُ من مضجعهُ ذلكَ». والبعث بعد الموت سيكون بصيحة، كما قال تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)}. ثم يكون الحساب والجزاء، فتجزى كل نفس بما عملت: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}.

أعضاء الإنسان تعترف بأعماله:

إضافة إلى الإحصاء والكتابة على الإنسان المشار إليها في أول السورة، هناك اعتراف من أعضاء الإنسان نفسه. وفي زماننا هذا يستطيع العلماء معرفة الكثير عن المجرم من بصماته وشعره وآثاره، ولله المثل الأعلى.

وفي يوم القيامة، يعترف المسلم بذنوبه ويقرّ بها، وأما الكافر فينكر ذلك، فيختم على فمه، وتشهد عليه أعضاؤه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)}.

وفي الحديث: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وتبسم، فقال: «ألا تسألوني عن أي شيء أضحك؟!»، قالوا: يا رسول الله: من أي شيء ضحكت؟! قال صلى الله عليه وسلم: «عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: أي رب: أليس وعدتني أن لا تظلمني، قال: بلى، فيقول:

فإني لا أقبل عليَّ شاهدًا إلا من نفسي، فيقول الله تبارك وتعالى: أوليس كفى بي شهيدًا، وبالملائكة الكرام الكاتبين؟! قال: فيردد هذا الكلام مرارًا. ويشاء الله أن يجعل الشاهد عليه نفسه»، قال صلى الله عليه وسلم: «فيختم على فيه وتتكلم أركانه -أي أعضاؤه- بما كان يعمل، فيقول: بعدًا لكُن وسحقًا، عنكن كنت أجادل». {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت : 20].

الخالق قادر على أن يحيي الموتى

على الإنسان أن يتذكر وجوده في هذه الدنيا بعد العدم، وكيف خلقه الله تعالى من نطفة، حتى كبر وأصبح إنساناً مفكراً، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)}. وهذا دليل على الخالق المبدع سبحانه وتعالى، ودليل على قدرته تعالى على إعادة هذا الإنسان.

وفي هذا الزمان يمكن نظرياً استنساخ الكائن الحي من خليته نفسه، ولله المثل الأعلى. وعندما ينظر الإنسان في حال الأموات، فعليه أن يتذكر هذه البداية، وكيف كان في حال أقل من الموت، وهو العدم، أما الكافر فيغفل عن هذه النظرة، { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)}.

وفي عرف البشر، فإن إعادة صناعة شيء ما أسهل بكثير من إبداع هذا الشيء وصناعته أول مرة، ولله المثل الأعلى، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم : 27]. والله تعالى خاطب البشر على قدر عقولهم، فكل الخلق هين على الله تعالى.

وفي ختام السورة، لفت الله تعالى أنظار البشر إلى قدرته المعجزة على خلق السموات والأرض وما فيهما من نظام ودقة وميزان وضعه الله تعالى، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن : 7]، وهو خلق عظيم كبير لا يعلمه إلا الله، {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر : 57].

إشارة إلى أن إحياء البشر وخلق أمثالهم سهل يسير على الله تعالى { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)}. كما بين الله تعالى أن خلقه وأمره لا يحتاج إلى زمن، { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}. وانتبه إلى قول الله تعالى { أَنْ يَقُولَ لَهُ }، وليس (أن يقول كن)، فكأن الأمر ب (كن) توجه إلى هذا الشيء الذي أراده الله تعالى، إشارة إلى حصول مراد الله تعالى بمجرد الإرادة مباشرة.

والله تعالى أعلم.

Email