«السنع» آداب التقاليد في السلوك والعلاقات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تقف التربية على الأعمال اليومية فكان الأب يحرص على اصطحاب ابنه إلى المسجد ويعلمــه الوضوء ويوقفه إلى جانبه في الصلاة، ويعلمه الخشوع وآداب العبادة. كذلك الفــتاه تكون راعيــة في بيت أبيها مرافقة لوالدتها، وتقوم ببعض المهام في غياب الأم عن البيت. فكانت الأم حريصة على تدريب البنت على تحمل المسؤوليــة، فإذا حضر ضيوف إلى المنزل من النساء كانت تستقبلهــم بالتحية والترحيب، وتقوم بواجبات الضيافة، وتدخلهم مجلس الضيوف وتقدم لهم ما يوجد في المنزل مما تم إعداده.

وكانت تشرع في إعداد الـــغداء إن كانت النسوة سيبقيــن إلى وقت الغداء ففي غياب الأم كــان كل شيء يسير وفق العادة التي جرت عليها يومياتهم كما لو كانت موجودة. وللولــد كان النصيب الأكبر في مرافقة الأب خــارج المنزل حتى تتم تنشئته على الصفات البـــارزة والسلوكيات الصحيحة للرجال ويتعلم أسلــوب الحديث بثقة. ولكي يعرف الشيم الأصيلة كالنخــوة والرزانـــة وحسن الاستماع، ونبرة الحديث واسلوب الخطاب وكانوا يقولون "فلان ذرب" أي يتحدث بأدب وكياسة وتهذيـــب. وكانت البرزة أو المجلس الذي يجتمــع فيه الرجال هو المنبر التربوي في ذلك الوقت.

فالولد يجلس بقرب والده مصغيا لما يدور، فيقتبس أسلــوب التحية والترحاب وأصول الرد والإجابة، وكان للقهــوة الأهمية الكبيرة في ترسيخ المعاني الجميلة للضيافــة الأصيلة، فيحرصون على تعليم الفتى كيفيــة حمل دلة القهوة باليد اليسرى والفنجال باليد اليمنى، ويصب القليل من القهوة وتقدم باليمنى. وذلك تأسيا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم, "البركة في اليمين" وعلى الضيف أخذ الفنجان باليمين. وعلى الفتى أن يبقى واقفا بجانب شاربي القهوة لا يبرح حتى يكتفوا من شرب القهوة مرات متوالية. وكانت إشارة الاكتفــاء بأن يهــز الضيف فنجانه.

ومن الآداب أنهــم كانــوا يبعثون أولادهم إلى ديار عمومتهم وأخوالهم وعماتهم وخالاتهــم، وينعــتون أقرباءهم بـ "هذا بيت عمك فلان" "هذا بيت خالتك فلانة" وهكذا فللتربية دور بارز في تأصيل التواصل الرحيم وتوثيق روابط القرابة. فينشأ الأولاد والبنات مترابطين مع أقاربهم ويحرصون على زيارتهم ووصلهم بشكل دائم. فهذه الملامح التربوية ميزت الجيل السابق بالشجاعة والطاعة والقوة، والتسابق للخير والتعـاون، وتميزوا بسرعــة البديهة والإلمــام بمتطلبات الموقف وكانت تكفيهم الإشارة. وفي تراثنا المجيد كان الأدب هو "السنع" وهي كلمة متعارف عليها، وتعني التوجيه والإرشاد والقيادة وكانوا يقولون "فلان سنع الأخلاق" أي تربى على الأخلاق السليمة والصالحة.

ويحضرني قول قديم

(المذهب ذهب والمعاني حروف ** وقل الأدب يا عرب حِيِّة) -أي حجة عليه- بمعنى المذهب أي الأدب كالذهب، ومن ساء أدبه وجب تهذيبه وتوجيهه. هذه الصورة الرائعة لأساليب التربية و"السنع" من زمن أجدادنا وآبائنا هي صورة لا بد أن تبقى حية فهــي نبراس أخلاقــي أصيل، لا سبيل لأن ينفــك ويغيب عن واقع التربية في زمننا الحاضر المشرق، فالإمارات دائما وأبدا هي رمز الحضارة والنهضة وهي العنوان الواضــح على خارطة التطور في العلم والثقافــة والارتقــاء بالإنسان في كل الميادين. فالصفات الأصيلــة لمكارم الأخــلاق، راية ترفرف في وطن أبناء زايد.

Email