الفيل.. يرفض هدم الكعبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

باسم الفيل نزلت سورة من القرآن الكريم سجَّل الله فيها أروع تسجيل في أوجز عبارة وأوضح أسلوب، قصة الفيل الذي خرج به أصحابه يريدون هدم الكعبة بيت الله الحرام، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيَّب سعيهم، وأضل أعمالهم، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول».

ومن عجيب أمر الفيل في هذه القصة أن أبرهة الأشرم – كما ذكر ابن إسحاق - لمَّا أصبح تهيأ لدخول مكة، وهيأ فِيله، وعبَّأ جيشه، وكان اسم الفيل محموداً، وأبرهة مُجْمعٌ لِهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجَّهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأُذنه، فقال: ابْرُكْ محمودا، أو ارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام، فَبَرَك الفيل...

وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبَى، فضربوا في رأسه بالفأس- ليقوم فأبَى، فأدخلوا مَحاجِن -عصا معوجة قد يوضع في طرفها حديد- لهم في مَرَاقِّه -أسفل بطنه - فبزغوه بها – أَدْمَوْهُ - ليقوم فأبَى، فوجَّهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك..

ووجَّهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبَلَسَان - ضربان من الطير - مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحُمّص والعدس، لا تُصيب منهم أحداً إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أين المفر والإله الطالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب

 فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل.

وفي معاني القرآن للزجّاج أن دوابَّهم لم تَسِرْ نحو البيت، فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم الله تعالى بأبلغ موعظة.

أما الفِيل فقد نجَّاه الله، لما وقع منه من الفعل الجميل، الذي لم يقع مثله من العقلاء، ولذا قال البوصيري:

كم رأينا ما ليس يعقل قد ألهم ما ليس يلهم العقلاء

إذ أبَى الفيلُ ما أتى صاحبُ

الفيل ولم ينفع الحِجا والذكاء

 وقد ورد في الأحاديث الصحيحة الإشارة إلى حبس الفيل عن مكة، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: لمَّا أَظلَّ يوم الحُديبية على الثَّنية التي تهبط به على قريش بَرَكَتْ ناقتُه، فزجروها فألحت، فقالوا: خلأت القصواء - أي حرنت - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلق، ولكن حبسها حابس الفيل».

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: هو أبرهة الحبشي الذي جاء يقصد خراب الكعبة، فحبس الله الفيل فلم يدخل الحرم، ورَدَّ رأسَه راجعا من حيث جاء، يعني أن الله تعالى حبس ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا وصل إلى الحديبية فلم تتقدم ولم تدخل الحرم لأنه أراد أن يدخل مكة بالمسلمين.

وفي الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسَلَّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».

وكان حادث الفيل عام ولادته صلى الله عليه وسلم على الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم، قال الحافظ الدمياطي في سيرته: «كان بين الفيل وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة».

وكان إهلاك أصحاب الفيل تشريفاً له صلى الله عليه وسلم ولبلده، قال الحافظ ابن كثير: «كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء.

وقال الإمام الماوردي رحمه الله في أعلام النبوة: «ولمَّا دنا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاطرت آيات نبوته، وظهرت آيات بركته، فكان من أعظمها شأنا، وأظهرها برهاناً، وأشهرها عيانا وبيانا أصحاب الفيل، أنفذهم النجاشي من أرض الحبشة في جمهور جيشه إلى مكة لقتل رجالها وسبي ذراريها وهدم الكعبة.

وآية الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الفيل، أنه كان في زمانها حَمْلاً في بطن أُمِّهِ بمكة، لأنه وُلِدَ بعد خمسين يوما من الفيل، فكانت آيته في ذلك من وجهين:

أحدهما أنهم لو ظفروا لَسَبَوْا واسْتَرَقُّوا، فأهلكهم الله تعالى لصيانة رسوله أن يجري عليه السبي حَمْلاً وَوليداً.

والثانية أنه لم يكن لقريش من التأله ما يستحقون به دفع أصحاب الفيل عنهم، وماهم أهل كتاب لأنهم كانوا بين عابد صنم، ومتدين وثن، أو قائل بالزندقة، أو مانع من الرجعة، ولكن لِما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيساً للنبوة، وتعظيماً للكعبة، وأن يجعلها قبلة للصلاة، ومنسكاً للحج.

قدرة الله

لم يفلح أبرهة في قهر الفيل وحمله على اقتحام مكة ودخول الحرم، لأن الله بعظيم قدرته وكمال حكمته حبسه عن مكة لفظاعة ما كان يستهدفه أصحاب الفيل من هدم بيت الله وتخريبه، والعبث بحرمه، وهتك حرمات أهله. لذلك أرسل الله عليهم طيرا ابابيل ورمتهم بحجارة من سجيل وجعلتهم كعصف مأكول.

 

 

 

Email